46/11/27
الأسباب معرفات أو تكوينية
الموضوع: الالفاظ/مبحث المفاهيم/ مفهوم الشرط/ تداخل الأسباب والمسببات / الأسباب معرّفات او تكوينية
كان البحث في تداخل الأسباب والمسببات ومر ان مبحث تداخل الأسباب يختلف عن تعدد الأسباب.
ذاك المبحث مر في التنبيه السابق وهذا التنبيه بعد الفراغ عن تعدد الأسباب تقنينا واستقلالا كمرحلة ثانية وثالثة في تداخل الأسباب وتداخل المسببات.
كان الكلام في كلام فخر المحققين
في تمهيد مبحث تداخل الأسباب بنى فخر المحققين على ان الأسباب الشرعية اذا كانت معرفات فلا محالة ستتداخل او لا محل للكلام في تداخل الأسباب لانها ليست متعددة. وأما اذا كانت الأسباب الشرعية بمنزلة الأسباب التكوينية فتأتي الأرضية والمجال للكلام عن تداخل الأسباب. فإذاً فخر المحققين اناط البحث حول نظرية ان الأسباب الشرعية هل هي معرفات او بمثابة الأسباب التكوينية؟
المقصود من المعرفات يعني كأنما هي أمارات وبمثابة الأمارة وكاشفة عن سبب حقيقي ماوراءها. فتعدد في الكاشف وليس تعددا في المنكشف. فبالتالي بناء على ان الأسباب الشرعية معرفات او كواشف أي امارات ليس في البين تعدد بل التعدد في الاثبات وليس في الثبوت والا السبب واحد. وبالتالي لا تتعدد الأسباب وحيث لا تتعدد الأسباب فأرضية ومجال البحث عن تداخل الأسباب لا يوجد لان البحث عن تداخل الأسباب إنما يبحث بعد فرض تعدد الأسباب ثبوتا واثباتا. فإذا تعدد الأسباب اثباتا وثبوتا يأتي البحث عن تداخلها في تأثيرها أي المسبب.
فإذا من الشرائط الأولية لأجل بحث تداخل الأسباب ان تكون متعددة تقنينا وثبوتا ولا مجال للبحث في التداخل اذا لم تكن متعددة ثبوتا.
هذا محصل كلام مرحوم فخر المحققين.
اشكل عليه بعدة إشكالات
لو سلمنا بمبنى فخر المحققين ان الأسباب الشرعية كواشف ومعرفات ما الموجب للتلازم بين كونها كواشف والمنكشف الواحد؟ لماذا لا يكون المنكشف متعددا؟ ليس هناك موجب لكون المنكشف بهذه الكواشف المتعددة واحدا.
هنا تعدد الأسباب سواء تعدد افراد الأسباب مثل صدور البول من الانسان او صدور الإفطار من الانسان او تناول الاكل في الصوم او تناول المفطرات في الصوم، تارة من مفطر واحد يتكرر افراده وتارة مفطرات متعددة. فتتعدد المفطرات نوعا وصنفا او تتعدد أفرادا فما الموجب اذا بنينا على انها معرفات أن يكون المنكشف واحدا؟ هذا اول الكلام. هذه مؤاخذة ملحوظة تسجل على المرحوم فخر المحققين.
ثم نتعرض الى كلام الاعلام. هذا المبحث عام أن عالم القانون والتقنين عموما موضوعا ومحمولا هل يتعامل معه تعامل الاعتبار؟ باعتبار ان القانون اعتبار، والاعتبار خفيف المؤونة. لذلك المرحوم الكمباني في مبحث اجتماع الامر والنهي ان الاحكام حتى الحرمة والوجوب لا تضاد بينها ذاتا. الحرمة شيء اعتباري والوجوب اعتباري وليس بينهما تناقض وتضاد وانما التضاد بين الاحكام التكليفية او الوضعية بلحاظ المبادئ التكوينية والملاكات او بلحاظ الأفعال. فالاحكام لا تتناقض عند المرحوم الكمباني بذاته وانما بمبادئها او غاياتها والسيدالخوئي أيضا وافق المرحوم الكمباني. هذا المبحث عام وهو ان عالم التقنين هل يتعاطى معه تعاطي عالم التكوين او يتعامل معه تعامل الاعتبار وهو فرض وافتراض وخفيف المؤونة بقول مطلق او يفصل في الجملة يعامل معه معاملة النظام التكويني وفي الجملة لا يتعامل معه معاملة النظام التكويني. أي الاقوال؟
كسيرة عملية للاصوليين والفقهاء القول الثالث وقد يتبنون القول الثاني مثلا العلامة الطباطبايي والسيد الخميني يتبنون القول الثاني تنظيرا لكن السيرة العلمية للعلامة الطباطبايي وله حاشية دسمة للكفاية وقيّمة وطبعا هو متاثر كثيرا باستاذه الكمباني والنائيني وعنده رسائل فلسفية وهي أصولية أيضا مثل رسالة الاعتباريات وغيرها. فهذان العلمان من حيث التنظير بنيا على القول الثاني لكنهما في السيرة العملية يوافقان مشهور الأصوليين في القول الثالث.
يقع الكلام في ان عالم التقنين هل فيه ضوابط التكوين او لا؟ القول الثالث فيه تفصيل. ما معنى التفصيل؟ وفي التفاصيل اختلاف. انقل فتاواهم موجزا لان هذا مبحث طويل الذيل وذو آثار في موارد عديدة كثيرة وفي كافة علم الأصول والفقه والكلام والعقائد والتفسير وله آثار كثيرة والان في صدد استغراض فهرسي موجز لتنبه الاخوة في هذا المبحث.
احد التفصيلات للقول المشهور هو ان الاعتبار يرتبط بطرفين تكوينيين او ثلاثة اطراف تكوينية. قيود الحكم عادة موضوعات تكوينية خارجية وكذلك المتعلقات وهي فعل المكلف التكويني فضلا عما اذا كان هناك طرف ثالث تكويني. فالقضية القانونية ليست اعتبارا مجردا بل ذو ارتباط وتيد باطراف تكوينية. فالاطراف التكوينية يتعامل معها معاملة التكوين. العلاقة بين الاعتبار والتكوين قد تكون اعتباريا ولكن نفس التكوينيات في ما بينها نظام التكوين.
هل فعل الغصب وجودا وتكوينا مع فعل الصلاة واحد او لا؟ كلا الطرفين تكوينيان. فاذا لا يمكن ان نلغي قوانين التكوين عن عالم الاعتبار مطلقا. والطرف الثالث التكويني وربما اطراف تكوينية أخرى مثل الملاك وهو تكويني بناء على العدلية وربما تجد طرف رابع مثل الانشاء هو شيء اعتباري ولكن هو تكتنفه تكلم المتكلم واستعمال الصوت وهذه كلها تكوينيات وكذلك سماع المخاطب. حتى عالم الانشاء تكتنف التكوينيات. فهذا الجانب في التكوينيات نظامه تكويني.
من جانب آخر بغض النظر عن هذه الحيثية ان الاعتبار يعني الوجود الاعتباري لكن الماهيات في هذا الوجود الاعتباري والمعاني والماهيات مقتنصة ومأخوذة لا محالة من التكوينيات. عالم الاعتبار وجوده اعتباري أما ماهياته مقتبسة من التكوين. ستقول ان التركيب اعتباري كالصلاة بالتالي ان هذا التركيب الاعتباري اذا تذهب الى تفاصيله يرجع الى التكوينيات. مركب من ماهيات تكوينية متعددة. اذا هذا الاعتبار و جوده فرضي لكن نفس الماهيات تكوينية واذا كانت تكوينية فضابطتها نظام الماهيات التكوينية. هذا بعد ثاني في اجراء النظام التكويني في الاعتباريات.
بعد ثالث: صحيح ان الاعتبار اعتبار وكذا ولكن هذا الاعتبار له نظام وليس فوضة. لابد ان يكون له نظام. نظام الاعتبار يحاذى ويوازي بنظام التكوين. يعني ان نظام التكوين هو ا لمنظم لنظام الاعتبار. اذا لابد من النظام التكويني ومراعاته حتى بما هو اعتبار وفرض وافتراض. هذه حيثية ثالثة
حيثية رابعة: وهي التي بنينا عليه في نظرية الاعتبار أخيرا وعدة نظريات موجودة في كتاب الاعتبار المطبوع وآخر نظرية بنينا عليه خلافا للعلامة الطباطبايي والكمباني والاعلام ان الاعتبار بالدقة هو ادراك اجمالي تكويني. وفرقه عن التكوين ان التكوين ادراك تفصيلي ولكن الادراك الإجمالي المبهم للتكوين يسمى الاعتبار. هذا بحث لا نريد ان ندخل فيه ونلتزم به في الاعتبار والقانون الصادق.
قد يكون التقنين جائرا وكاذبا وهو بحث آخر. كلامنا في التقنين الصادق والعادل. حتى التقنين الجائر انما سمي الجائر بلحاظ الادراك ولوحظ فيه الادراك. التكويني الإجمالي. الاعتبار بالدقة ادراك تكويني لكنه مبهم واجمالي. ولما يكون تكوينيا وادراكا مجملا مبهما فيكون النظام التكويني سار فيه.
هذه الحيثية مرتبطة بذات الاعتبار نفسها بغض النظر عن اطرافه التكوينية.
على ضوء هذه الأجوبة فنجيب اجمالا بجواب آخر عن دعوى المحقق فخر الدين ان الأسباب الشرعية ليست متعددة تكوينا.
مع ذلك نتعرض الى شيء من التفصيل من كلمات الاعلام لان هذا المبحث بغض النظر عن تعدد الأسباب وتداخل الأسباب ثم المسببات هو مبحث مهم فنقاشات الاعلام نتعرض اليها.
من الاعتراضات على فخرا لمحققين: ان مرادك من الكواشف هل الكواشف عن موضوعها؟ ظاهر الأدلة انها هي بنفسها موضوع لا ان الموضوع شيء وراءها. اذا زالت الشمس فاقم الصلاة. ظاهرا نفس دلوك الشمس سبب.
(جملة معترضة وفائدة) عندنا في القضية القانونية تصويران للملاك او قل صعيدان للملاك. الصعيد الأول في مقام قيود الحكم وقيود الوجوب. والصعيد الثاني في مقام فعل المكلف والواجب نفسه وهو ذو ملاك.
ما الفرق بين ملاك الواجب كالصلاة والحج وبين قيود الوجوب؟ الميرزا النائيني يذكر الفرق بين هذين المقامين. الملاك على صعيد قيود الوجوب يعبرون عنه بأرضية قابلية تهيئ للملاك على صعيد فعل المكلف وهو الصلاة او الحج. الميرزا النائيني يعبر عن الملاك في الصعيد الأول وقيود الوجوب بقيود التوصيف.
مثلا الدواء تناوله في الحالة الطبيعية سم. كثيرا ما تكون سموما في نفسها يعني بلحاظ طبيعة الانسان لكن لا سمح الله اذا مرض الانسان فهذه الادوية تصير علاجا. فالمرض يكوّن ويوجب أرضية لنافعية ولنفع الادوية. فمرض الانسان يخلق أرضية الملاك ونفس خلق الأرضية فيه ملاك. استطاعة الحج تخلق أرضية الملاك للفعل. لكن طبخ العشب المعين دخيل في استيفاء الملاك. اذا المرض دوره في تهيئة وارضية الملاك اما طبخ العشب وتناولها وشربها دخيل في استيفاء الملاك. فقيود الوجوب فيها نمط من الملاك يسمى أرضية الملاك واعداد الملاك وفي قيود الواجب والواجب فيه استيفاء للملاك. هذا اصطلاح لازم ان يدقق فيه الانسان لان هذا الاصطلاح يجري في كل أبواب الفقه والأصول.
هنا الأسباب قيود الوجوب كخفاء الاذان وهو قيد وجوب القصر. يقول فخر المحققين هذه الأسباب كواشف لكن ما مقصوده من الكواشف؟ هل مراده انها كواشف عن الملاك؟ وليكن، لكن لا يجعلها أمارة محضة بل تبقى لها موضوعية وقالب له موضوعية متلازم مع أرضية الملاك. لكن لا يعني ان نرفع اليد عن موضوعيتها ونجعلها كانها أمارة محضة.
شبيه هذا البحث الحساس في باب العدالة وبحث حساس جدا ان العدالة مأخوذة شرطا في صحة الشهادة وحجيتها وهذه الشهود وشهادة العدلين شرط صحة واقعي في الطلاق. اذا انكشف ان احد الشاهدين بعد سنين في الطلاق الأول للزوج الأول ما كان عادلا او كان مقيما على كبيرة. والزوجة بعد هذه السنين تزوجت بزوج ثاني. هل يفسد الطلاق؟ حيث ان العدالة لم تكن. العدالة في الشهود في الطلاق او الحدود او القصاص بالتالي الشهادة بينة مأخوذة في جملة من الموارد. هل العدالة واقع اعمال الانسان او ان العدالة هي حسن الظاهر؟ اذا كان حسن الظاهر فهذان الشاهدان حين الطلاق كان ظاهرهما حسن يقينا ولو هما او احدهما مقيم على المعصية. واما اذا صارت العدالة واقع الاعمال فهل نقول ان العدالة مراتب او ان حسن الظاهر كاشف؟ جدلية موجودة في شهادة الشهود ودور حسن الظاهر هل هو أمارة او لا؟