46/11/26
تباين تعدد الأسباب وتداخلها
الموضوع: تباين تعدد الأسباب وتداخلها
البحث في تداخل الأسباب والمسببات بعد الفراغ عن كون التقليد الشرعي هو على تعدد الأسباب وهو بحث يختلف عن بحث تداخل الأسباب.كما ان تعدد المسببات بحث يغاير بحث تداخل المسببات.
نعم، أحد معاني تداخل الأسباب عدم تعدد المسببات ووحدة المسبب. فتعدد الأسباب يغاير تداخل الأسباب او عدم تداخلها. لا انه يناقض او يدافع. مع ان تداخل الأسباب له درجات او معاني. كما ان تداخل المسببات يغاير تعدد المسببات مع ان تداخل المسببات أيضا له معاني. هذه الأمور لابد من التدقيق فيها.
مضافا الى ما مر من نقطة من النقاط ان تداخل الأسباب له معاني متعددة او درجات وتداخل المسببات أيضا له معاني او درجات متعددة وهذا لابد من وضعه في الحسبان.
تعدد الأسباب وليد بحث الجملة الشرطية عندما تتعدد، فهل يتعدد الأسباب او لا؟ تعدد الأسباب يعني تعدد تقنين الأسباب وهذا وليد البحث في الاثبات في الجملة الشرطية هل هي دالة على تعدد الأسباب ام لا؟ فتعدد الأسباب في التنبيه السابق وتداخل الأسباب في هذا التنبيه او تداخل المسببات.
تداخل الأسباب بحث انما يبحث فيه مع إمكانية تعدد وجود المسبب، لماذا؟ ما ربط المسبب بتداخل الأسباب؟ لما مر بنا ان بحث تداخل الأسباب يعني تداخلها في المسببات والاسناد مجازي بلحاظ شيء آخر. من ثم اذ اكان المسبب غير قابل للتعدد مثل نقض الطهارة فهو غير قابل للتعدد. الأسباب متعددة ولكنها تتداخل في إيجاد مسبب واحد وهو الحدث لانه غير قابل للتعدد. هذا في تداخل الأسباب ان البحث الحقيقي في تسبيبها وتأثيرها في المسبب هل تؤثر في مسبب واحد او مسببات. ففي الحقيقة تداخل الأسباب بحث في سببية الأسباب المتعددة في المسبب الواحد او المسببات.
الحدث الأكبر من جهة نقض الطهارة تتداخل الأسباب ولكن من جهة أن له مسببا آخر بالنسبة الى الحديث الأكبر. عندنا أسباب للحدث الأكبر مثل الجنابة والحيض والنفاس ومس الميت بناء على انه نقض للطهارة ثم الحدث الأكبر يقتضي مسببا آخر في الذمة وهو وجوب الغسل. ففي مثل الاغسال والحدث الأكبر عندنا تكرر في الأسباب والمسببات. أسباب الحدث الأكبر تقتضي الحدث وهي أيضا تقتضي الاغسال في الذمة.
تداخل المسببات اسناد مجازي وهو تداخل المسببات في امتثالها بوحدة الامتثال.
ففي مثال الغسل والحدث الأكبر عندنا أسباب ومسببات كمرحلة أولى بعد ذلك هذه المسببات تكون أسباب لمسببات وراءها في الذمة. هذا من ترامي الأسباب والمسببات في الذمة وفي التقنين. هذا أيضا لابد من وضعها في الحسبان ان الأسباب والمسببات تترامى شبيه العقود ان الأسباب والمسببات فيها تترامى.
فقد دل الدليل على ان المسببات في المرحلة الثانية وهي الاغسال متعددة في الذمة لكنها تتداخل في امتثال واحد. متى تتداخل في امتثال واحد؟ بين الفقهاء اختلاف. الكثير لا يقول بتداخل الأغسال المتعددة في الامتثال بقول مطلق بل يفصلون عادة. قليل من الاعلام تبنوا على التداخل بقول مطلق ونحن أيضا بنينا عليه بدون أي تفاصيل. هذا بحث آخر موكول الى الفقه.
لذا الباحث يجب ان لا يظن بان تداخل الأسباب كعنوان ذو وتيرة واحدة وذو نمط واحد. سواء قال بالتداخل او عدم التداخل. الصحيح ان التداخل او عدم التداخل أنماط يجب التدقيق فيها. كما ان البحث في تداخل المسببات ليس على وتيرة واحدة أيضا نفيا واثباتا. يعني القول بوقوع تداخل المسببات او عدم الوقوع. فأنماط متعددة في الأبواب والموارد.
هذه نقطة ان ما يبحث في التداخل وعدم التداخل فيما اذا لم يدل دليل على الوحدة. والا اذا دل الدليل على الوحدة فتتداخل. تداخل الأسباب ليس يعني وحدة الأسباب بل لابد من تعدد الأسباب بل المعنى وحدة المسببات. كما ان تداخل المسببات ليس معناه وحدة المسبب بل معناه وحدتها في الامتثال.
ما هو مقتضى الأصل العملي لو لم يستطع الفقيه ان ينقح البحث في تداخل الأسباب والمسببات؟ وما هو مقتضى الأصل اللفظي؟
الميرزا النائيني رحمه الله لانه رأى ان بحث الأسباب والمسببات ليس على وتيرة واحدة فقال لا يمكن ضبط اصل عملي واحد يجري في موارد تداخل الأسباب. كل مورد يجب ان ينقح بحسبه. هذا بالنسبة الى تداخل الأسباب كما ان بالنسبة الى تداخل الأسباب لا يمكن تعيين قاعدة واحدة بالنسبة الى كل الموارد. سيما اذا كان الحكم تكليفيا او وضعيا وما شابه ذلك.
السيد الخوئي رحمه الله بنى على ان اصالة البراءة تجري في تداخل الأسباب واصالة الاحتياط تجري في الشك في تداخل المسببات.
هذا التفصيل بين تداخل الأسباب وتداخل المسببات من دون أن يفصل السيد الخوئي بين الاحكام التكليفية والوضعية. سواء في الشك في تداخل الأسباب او في تداخل المسببات.
اجمالا ضابطة البراءة هي الشك في اصل التكليف وضابطة الاحتياط هي الشك في المكلف فيه وفي الفراغ عنه وعن التكليف والفراغ عن أداء المكلف به. فكيف ينطبق هنا؟
هكذا يقرر السيد الخوئي: معنى الشك في تداخل الأسباب ان الأسباب هل تسبب في الذمة مسببا واحدا او مسببات متعددة؟ فالشك في تسبيب وتأثير الأسباب المتعددة او تأثيرها مسببا واحدا. يعني ان الشك في اشتغال الذمة بمسبب واحد او مسببات متعددة. فتجري البراءة في نفي التكليف عن الذمة.
اما اذا كان الشك في تداخل المسببات فهو يعني أداء المسببات وامتثال المسببات، هل تمتثل بامتثال واحد او متعدد؟ فاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني. هذا كلام السيد الخوئي بالنسبة الى الأصل العملي.
قال بلافرق بين الحكم التكليفي او الوضعي. الحكم التكليفي بيان وتفصيل السيد الخوئي واضح فيه. لكن بالنسبة الى الوضعي ماذا؟ جريان البراءة في الحكم الوضعي محل كلام وليس محل الاتفاق. سيما اذا كان الحكم الوضعي من الحقوق ذات الطرفين. فإجراء البراءة محل الكلام.
كما ان الشك في تداخل المسببات في الحكم الوضعي قال بالاشتغال فيه مطلقا وهو أيضا محل كلام. اذا كان الحكم الوضعي حقوقيا ذو طرفين. على أي حال هذا البحث موكولا الى بحث البراءة. لعل يقال ان الحكم الوضعي ذو طرفين لابد من ملاحظ كل مسألة في نفسها كما رأى الميرزا النائيني. سيما اذا كان حدثا يعني امرا مرتبطا باشتغال الذمة فتجري البراءة في الحكم التكليفي المترتب على الحكم الوضعي لا في الوضعي نفسه. والا اجراء البراءة في الوضعي نفسه محل تأمل. بالنسبة الى الحكم الوضعي سواء في تداخل الأسباب او المسببات ليس الامر على وتيرة واحدة وربما الحق مع الميرزا النائيني كل مورد بحسبه من حيث الحكم الوضعي بنفسه. لا من حيث تنقيح الحكم التكليفي المترتب على الوضعي.
الشك في التكليف او أداء التكليف امر يتناسب مع الحكم التكليفي لا الحكم الوضعي ولا يمكن البت بنمط مطلق فيه لان الموارد والابواب تختلف عن بعضها البعض.
اما تنقيح البحث في نفس المسألة بعد توضيح هذه النقاط.
ظاهر الكفاية انه يذهب الى ان الأصل تداخل الأسباب بخلاف المسببات فلا تتداخل. في قبال الميرزا النائيني والسيد الخوئي وتلاميذهما الذين يذهبون الى عدم التداخل لا في الأسباب ولا في المسببات من حيث الأصل الاولي والأدلة الاجتهادية ومن حيث البحث الثبوتي.
يمكن ان ننسب الى السيد اليزدي قولا ثالثا بحسب فتاواه في أبواب العروة انه يذهب الى ان مقتضى القاعدة في الأسباب عدم التداخل وفي المسببات قد يقال ان الأصل هو التداخل الا ان يدل دليل على عدمه. او يمكن ان ينسب اليه أنه يفصل تفصيل اغلب يعني اذا اتحد الجنس مع النوع او النوع مع الصنف فيقول بالتداخل الا فيما دل دليل على عدم التداخل في المسببات. هكذا أيضا يمكن ان ينسب الى السيد اليزدي.
سنتعرض الى كلام السيد اليزدي في نهاية المطاف لانه من الاقوال المهمة المتينة.
ما الدليل عند الاخوند على ان الأسباب تتداخل بخلاف المسببات. يقول لان المتعلق واحد يتوارد عليه أسباب متعددة فما يعقل أن يقال انه وجودات متعددة على طبيعة واحدة. لان الأسباب تسبب حكما تكليفيا في المسبب. فاذا كان مسبب واحد وهو متعلق واحد فلا يمكن طبيعة واحدة كالصلاة يكون موردا او موضوعا لتوارد وجوبات متعددة. يعني عنده ان الاحكام متضادة ومتدافعة.
فيقول لابد ان نلتزم بان الوجوب او الحكم الذي يأتي في الجزاء ليس متعددا. تتداخل الأسباب في التسبيب في إيجاد وجود و احد وحكم واحد. لانه لا يمكن لطبيعة و احدة ان يتوارد عليها حكمان سواء من نوع واحد او نوعين. الاحكام متضادة ومتدافعة. هذا كلام الآخوند رحمه الله.
نسيت في النقاط التمهيدية نقطة مهمة
نقطة ذكرها فخر المحققين وهو أستاذ الشهيد الأول وهو يقول ان بحث تداخل الأسباب او المسببات مبني على ان الأسباب الشرعية كالاسباب التكوينية. حينئذ يتأتى البحث هل انها تتداخل او لا؟ ان الأسباب الشرعية بمثابة الأسباب التكوينية.
اما لو قلنا ان الأسباب الشرعية ليست كالاسباب التكوينية بل هي معرّفات وليست أسبابا. اذا بنينا عليه يقول ان القاعدة الأولية هي التداخل في الأسباب والمسببات لا محالة. هذه دون الاعتبارية. يقول معرفات. فهي معرفات عن واقع واحد وشيء واحد وسبب واحد. فصورة متعددة لكنها واقعا واحدة. هذا الضابطة التي ذكرها فخر المحققين اشتهرت بين الفريقين انها معرفات او أسباب؟ هل الأسباب الشرعية معرفات او هي بمثابة الأسباب التكوينية؟ بناء على انها معرفات فهي كواشف عن مكشوف واحد اما بناء على انها أسباب شرعية كالاسباب التكوينية حينئذ يتأتى الخلاف فيه. هذا البحث قاعدة مهمة في علم الأصول وعلم الفقه. ماذا يقصد من المعرفات والأسباب؟ يجري في أبواب أصولية وفقهية عديدة.
لذلك نخصص كلاما فيه ان شاء الله