« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/22

بسم الله الرحمن الرحيم

معاني تداخل الأسباب و تداخل المسببات

الموضوع: معاني تداخل الأسباب و تداخل المسببات

 

كان الكلام في تداخل الأسباب وبعده في تداخل المسببات. ومر ان بحث تداخل الأسباب والمسببات بحث ثبوتي او قل بحث قانوني، بينما البحث الذي مر في الجمل الشرطية اذا تعدد الشرط كان بحثا في الاثبات واللفظ.

يعني هذا البحث في تداخل الأسباب والمسببات بحث في تداعيات تعدد القضية القانونية والسببية والمسببية. يعني بعد الفراغ عن وجود قضيتين قانونيتين في السبب والمسبب هل تتداخلان في السبب او تتداخلان في المسبب.

اما في البحث الذي سبق فالبحث كان في وجود القضيتين القانونيتين وكشفهما بالجملتين الشرطيتين. فالبحث في التنبيه السابق سنخا يغاير هذا البحث.

لاحظوا هذا البحث: ان صدور أسباب الحدث كالنوم و البول والغائط وغيره لا شك انها قضية قانونية ومجعولة. انما الكلام في ما تواردت هذه الأسباب هل تتداخل ام لا. مثلا الحيض سبب للغسل والجنابة سبب للغسل ويوم الجمعة سبب ومس الميت سبب آخر هل تتداخل الأسباب ام لا؟ فاذا بحث تداخل الأسباب بعد الفراغ عن تعدد الأسباب تقنينا وتشريعا. بخلاف الجملتين الشرطيتين انها في القضيتين القانونيتين او قضية واحدة. هل تدلان على تعدد الثبوت او قضيتين قانونيتين ام لا؟ اذا البحث في التنبيه السابق سنخا يختلف عن البحث في التداخل.

كما انه يحدث كثير من الاعلام الخلط بين تداخل الأسباب وتداخل المسببات ومر بنا ان تداخل الأسباب بالدقة يعني تداخل الأسباب في أثرها. الأسباب لها أثر وهو المسبب، فهل تتداخل الأسباب في المسبب او لا؟ الاسناد مجازي بحذف المتعلق وما اكثره في كلمات العلماء. ليس المراد تداخل ذات الأسباب. بحيث يكون للأسباب مسبب واحد. هذا يسمى تداخل الأسباب بمعنى وحدة المسبب في الذمة مع تعدد السبب تقنينا.

المكلف إذا نام وبال وتغوط فالأسباب متعددة للحدث لكن الحدث الأصغر واحد. هذا يعبر عنه بتداخل الأسباب.

تداخل المسببات أيضا بحذف المتعلق وما اكثره في باب التعبير عن العناوين كما ان كتابة العناوين دائما فيه حذف المتعلق ويأتي بها بقلب البحث. هذا يسمون أسلوب الاشاري. لما الله أراد ان يفهم قابيل ارسل غرابا يبحث في الأرض. لب القضية. ليريه كيف يواري سوأة أخيه. ارسله لب الرسالة. واستلمه قابيل ونفس المعنى حكمة وحجة ولا حاجة بحجية غراب. فقال يا ويلتي أ عجزت أن أكون مثل هذا الغراب.

الصوفية والعرفاء والفرق الباطنية حاولوا ان يقلدوا في ذلك أئمة اهل البيت والا اسود هذا الباب في التفسير الاشاري هم اهل البيت لكنها طبق الموازين والفرق الباطنية عندهم استحسانات بلا موازين. والصحيح من هذا العلم عند اهل البيت عليهم السلام وهم مدينة هذا العلم. يعبر عنه بالتفسير الاشاري وهو احد مناهج التفسير للقرآن الكريم. ما هي معنى آية «يس» و «الم» هذه رموز. يقول أئمة اهل البيت هذه الحروف المقطعة برهان على ان شطر من القران ليس المخاطب به علماء الأمة فضلا عن جهلاءهم بل المخاطب فيه اهل البيت. لا يدعي كل مدع ان أفهم كل القرآن. المقصود هذه أسلوب الإشارة والرمز وهي نظام في الظهور ولها موازين وقواعد ومنه شيء مبده ومنه مساحة نظرية ويستخدمه العقلاء فيما بينهم في الشفرات الأمنية ومضطرين باستخدامه.

تداخل المسببات بالدقة يعني تداخل المسببات في الامتثال والأداء. مثل ما لو اجتمع على المرأة في ذمتها عدة اغسال فهل يسوغ لها ان تغتسل من الجنابة، ورد النص أنه يجوز ويتخفف الحدث الأكبر. كانت مجنبة وحائض والان بعد الغسل حائض فقط. هذه كدورة الحدث الأكبر تتخفف. طبعا لا يرتفع الحيض لان سبب الحيض لا زال موجودا. الحيض عنوان فقهي يطلق على شيئين. يطلق على سبب الحيض وهو خروج الدم وتارة يطلق على المسبب لذلك وهو الحدث الأكبر وهو حالة معنوية. فالحيض في استعمال الروايات يستعمل في معنيين.

يشترط خلو المرأة الزوجة في الطلاق عن الحيض وهو بمعنى انقطاع الخبث لا ارتفاع الحدث. وهلم جرا. هذا استعمال في المعنيين يجب الالتفات اليه.

فاذا اجتمعت في ذمة المرأة او الرجل عدة اغسال هل تتداخل المسببات في ذمته؟ هل تتداخل في الامتثال.

نفس كلمة التداخل الذي يسند الى الأسباب والمسببات فيه صغير وكبير وليس بالضرورة ان يكون التداخل بقول مطلق. قد يكون التداخل بقول وسط او دون الوسط او ليس فيه تداخل قط. الاعلام هنا يبحثون بمقتضى القاعدة الأولية الكلية اما بحسب الأبواب والأدلة الخاصة قد تجد درجات من التداخل.

مثلا يقرر في باب الحدود درجة من التداخل. لا هو تداخل مطلق ولا هو عدم تداخل المطلق في الأسباب وكذلك في تداخل المسببات. هذا في الحقيقة مطلب حساس وهام لا نغتر ولا نكتفي بهذا البحث الكلي.

اذا سرق انسان وزنا بذات البعل وقتل نفسا محرمة وقذف انسانا فالجلد عليه وقطع اليد عليه والرجم عليه والقصاص عليه. النصوص وردت انه يقام عليه الاخف فالاخف من الحدود. لكي لا يعدم الحد الأشد موضوع الحد الاخف. هذا نمط من التوفيق والتوليف بين الأسباب في المسببات. فكثيرا ما في الأبواب لا هو تداخل الأسباب بقول مطلق ولا هو عدم تداخل الأسباب بقول مطلق. تارة درجات متلونة ومتعددة بحسب الأدلة.

قاعدة موجودة لدى الاعلام وإن لم يصرحوها وهي قاعدة عظيمة وربما ذكرناها في بحث التعارض وهي ما مختصة ببحث التعارض وهي ان الفقيه كل الفقيه هو الذي يسعى الى عدم التصرف في الأدلة ولا في المدلول ولا في الامتثال ولا في الأداء ان لا يفرط في الحكم الشرعي والاحكام الشرعية المتزاحمة او المتداخلة او المتجاذبة وفي حكم من الا حكام وفي دليل من الأدلة قدر الاستطاعة. هذه القاعدة ليس فقط للفقيه في مقام الفتيا والسلطة التشريعية. بل حتى الوالي ذو الصلاحية السلطة التنفيذية له الجمع مهما امكن أولى من الطرح واولى من التصرف. في السلطة القضائية هكذا والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية هكذا.

فراسة الفقيه في ان لا يتصرف ولا يطرح الأدلة. لكن أيا ما كان تداخل الأسباب ليس على درجة واحدة. فعدم تداخلها ليس على درجة واحدة. فمن الضروري ان لا يغتر الباحث ويظن انه نقح تمام درجات التداخل بمسألة واحدة .

احد الورثة او أولياء الدم يريدون ان يسقطوا حق القصاص وبعض الورثة لا يريدون ان يسقطوه. هل حق القصاص هنا استغراقي او مجموعي؟ او بعضهم يريد ان يعفو فلا يريد القصاص ولا الدية. لاحظ هنا مع استقلال الأسباب المسبب غير قابل للتعدد لكن بمثابة القابل للتعدد. يتعامل معه. فلو أراد ان يقتص احد الورثة له حق ان يقتص لكن عليه ان يدفع دية بمقدار ما عفا الورثة عن القاتل. فبالتالي هذه الأسباب ملحوظة انها متعددة ومستقلة لكنها كيف توازن بين آثار هذه الأسباب. فالتداخل ليس بقول مطلق وكذلك عدم التداخل بل نسبي. في بعض الاثار فيه تداخل وفي بعض الاثار ليس فيه تداخل. هذه النكات في الأبواب موجودة.

شيء تنجس بما يغسل سبع مرات وتنجس بما يغسل مرة. مثلا اناء تنجس بنجاسة وتنجس بولغ الكلب. من جهة ما فيه تداخل ومن جهة فيه تداخل. وهل النجاسة قابلة للتكرر؟

النكتة الام في بحث تداخل الأسباب او تداخل المسببات بعد تمييزه عن الجملتين الشرطيتين والبحث الاثباتي، النكتة الام ان يتفحص الباحث ان التداخل خلاف القاعدة والضرورات تقدر بقدرها. القاعدة الام في الأبواب الكثيرة سواء التعارض او الأبواب الأخرى في تمام المراحل ان الجمع مهما امكن أولى من الطرح.

السيد الخضر والنبي موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بين الخضر للنبي موسى اني لم افرط في حكم من الاحكام ولا قاعدة من القواعد. سأنبئك بما لم تسطع عليه صبرا. فالاصل عدم التفريط.

نكتة نفيسة جوهرة ثمينة لم يصرح بها الفقهاء كثيرا بل غالبا بل ان كانوا أشاروا اليها فنادرا وهي قاعدة ان العلاج بالادلة الثانوية والحكم الثانوي علاج ليس دائما بل علاج مسكن. المسكن ليس دواء واذا تستخدمه كثيرا يكون سما. القواعد الثانوية والأدلة الثانوية اكبر خطأ للفقيه ان يستعملها كثيرا او دائما. لان في حقيقة الاحكام الثانوية تفريط للاحكام الأولية وفتح باب الاحكام الثانوية والقواعد الثانوية محق للاحكام الأولية وهذا ما لم تشرع الاحكام الثانوية لأجله. أنها لم تشرع لمحق الاحكام الأولية.

هذا سر ان امير المؤمنين تشدد في الاحكام الأولية ولم يسوغ لنفسه ان يتمسك بالاحكام الثانوية التي كان تصر عليها عبد الله بن عباس او فلان او فلان. لان موقعية امير المؤمنين كاول وصي لسيد الأنبياء الحفاظ على قدسية الاحكام الأولية وعدم التفريط في الاحكام الأولية. من اعظم الأمور التي تفسر ان سيد الأنبياء لم يستعمل الرخص الثانوية. كما ان سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله هو أساس التشريع ولا يستخدم الاحكام الثانوية لانه المشرع الأول بعد الله وكيف يستخدمها. لذلك من صفات امير المؤمنين في بعض الزيارات التي تبين فلسفة التشريع المأمور بها امير المؤمنين انه تبع رسول الله في سنته وطريقته ومنهاجه ورويته وتسع عناوين. لان امير المؤمنين سلام الله عليه مأمور من قبل الله ورسوله ان يحافظ على الاحكام الأولية. فتح باب الاحكام الثانوية على قدم وساقه في السلطة التنفيذية فضلا عن السلطة التشريعية يسبب الضياع. من ثم التقية في حين انها مأمور بها من الله في القرآن لكنه يستغفر منها. لانه واجب ثانوي يفرط في الاحكام الأولية. امير المؤمنين عندما لم يواجه أصحاب السقيفة لامر ثانوي من الله يستغفر من الله لاجل امتثال الامر الثانوي. معذرة الى الله والى رسوله. الامر الثانوي والتقية مأمور بها لكن لازم ان تستغفر بها. لان فيه تفويت الاحكام الأولية. من ثم تمكين صاحب الأرض والزمان حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق ويعبدك لا يشرك بك شيئا. التقية شرك خفي لان فيه الطاعة للطواغيت لكن مأمور بها. هذا مثل قول النبي إبراهيم حيث قال: هذا ربي وهذا اكبر. هذا في التوحيد.

المقصود ان الحكم الثانوية في التطبيق والسلطة التنفيذية هكذا فكيف في العقائد والسلطة التشريعية. استعمال الثانويات يطمس الدين ولو كان بمسوغ. اذا كان في الامة الامام الحسن فلابد من الامام الحسين حتى يصير التوازن. اذا فيه موقف امير المؤمنين عليه السلام فلابد من موقف السيدة فاطمة سلام الله عليها للتوازن والا يمحق الدين. فمعية خاصة بين امير المؤمنين وفاطمة متوازنة. بعد مرحلة سيد الأنبياء ثنائية الدور ضرورية. سجلت موقفها ورحلت الى الرفيق الأعلى. ستة اشهر او ثلاثة اشهر او تسعة اشهر. هذا هو المطلوب منها. كما ان مع الامام الحسن الامام الحسين.

التقية ليست عند الأئمة عليهم السلام فقط. كلام الصدوق في الشهادة الثالثة بالله تقية والا هو مؤسس الاذان والشهادة الثالثة في بغداد وفي ايران. انما قال هذا في اخريات حياته تحت ظل حاكم سمرقند وهو كان من الجمهور وا لفتنة كانت على اشدها بين الطرفين في الشهادة الثالثة. لكن غفلة العلماء بعد الصدوق جرت الى البحث العلمي ما جرت. عشرة قرائن قطعية دامغة على ان كلام الصدوق تقية كما يقول المجلسي الأول وكلامه صحيح. هذه التقية يغطي الحقيقة.

ارجع الى قاعدة مهمة ان الفقهاء في الحكم الثانوية على صعيد تبيين العقائد والسلطة التشريعية والتنفيذية دواء مسكن وليس علاجا حقيقيا. اياك ان تكثر من استعماله او ان تجعلها مستدامة .هذا يزعزع الاحكام الأولية وملاكات الاحكام الأولية.

 

logo