46/11/21
معاني لتداخل الأسباب وتداخل المسببات
الموضوع: معاني لتداخل الأسباب وتداخل المسببات
یقع الکلام فی التنبیه اللاحق فی تداخل الاسباب والمسببات
مر بنا ان هذا التعبیر والترکیب اسناد مجازی. في تداخل الاسباب ليست الاسباب تتداخل وكذلك تداخل المسببات في الحقيقة ليست المسببات تتداخل. لو كان المراد ظاهر الاسناد واللفظ فيكون المعنى دخول السبب في سبب آخر واندماج الاسباب فيما بينها او المسببات فيما بينها. والحال انه ليس المراد منه اندماج الاسباب والمسببات ذاتا في بعضها البعض.
فما هو المراد من التداخل؟ المراد من تداخل الاسباب هو التداخل في تأثيرها في المسبب يعني مع انها متعددة وليست مندمجة لكنها هل تؤثر في تسبيب مسبب واحد فتتداخل؟
كذلك تداخل المسببات ليس المراد منه تداخل المسببات اندماجا بل المراد تداخلها في تأثيرها لان كل مسبب يقتضي امتثالا خاصا فهل المسببات المتعددة في الذمة تقتضي تعدد مرحلة الامتثال او لا؟ نستطيع ان نفسر ان تداخل الاسباب يعني ان الاسباب المتعددة في مرحلة الموضوع او السببية تقتضي تعدد المسبب وهو الحكم وتقتضي تعدد الحكم فلا تتداخل او ان الاسباب المتعددة من جهة الموضوع لا تؤثر في الاحكام المتعددة فتتداخل وانما تسبب حكما واحدا ومحمولا واحدا في الذمة.
فاذا المراد من تداخل الاسباب يعني تداخلها في تأثيرها وتسبيبها للحكم والتداخل يعني حكما واحدا. سواء حكما تكليفيا او وضعيا. وعدم التداخل فالاسباب كما هي متعددة فالمسببات ايضا متعددة.
بالدقة تداخل الاسباب بمعنى تداخل المسببات بالمعنى اللغوي والحقيقي لا الاصطلاحي فالمسبب واحد. وان لم تتداخل فالمسببات متعددة كالاسباب. فالبحث عن تداخل الاسباب بالدقة بحث عن مرحلة المسببات وبحث في ما وراء الاسباب وهو المسبب. هل المسبب واحد او متعدد؟
اما البحث في تداخل المسببات فهو اسناد مجازي كاصطلاح اصولي. انما تتداخل في مرحلة ما بعدها وهي مرحلة الامتثال.
فلاحظ عندنا اربع مراحل: مرحلة الدلالة وهي التنبيه السابق، دلالة الجملة الشرطية. واذا بنينا في التنبيه السابق على التعدد في المدلول فتصل البحث الى تداخل الاسباب وهذه المرحلة بلحاظ مرحلة بعد الاسباب وهي مرحلة المسببات. في بحث تداخل الاسباب بالدقة يبحث في المسبب هل هو واحد او متعدد. يعني تسبيب الاسباب في مسبب واحد وتداخلها في تأثيرها او ان الاسباب لم تتداخل فكل سبب يسبب مسببا على حده. فالبحث دائما في كل مرحلة هو البحث في المرحلة اللاحقة.
حتى البحث في الجملة الشرطية اللفظية التركيبية الذي مر بنا. ان نفس الجملة الشرطية متعددة لكن هل ما بعدها وهو المدلول المنشأ متعدد ام لا؟ حتى التنبيه السابق ايضا بالدقة بحث في المرحلة اللاحقة للجمل الشرطية واللفظ وهو المدلول والمنشأ.
هنا ايضا البحث في تداخل الاسباب بحث في تعدد المرحلة اللاحقة للاسباب يعني في تأثيرها. كذلك البحث في تداخل المسببات يعني ان في ذمتك مسببات مثل الاغسال المتعددة من الحيض والجنابة وغيره. هل في مقام الامتثال وهي مرحلة لاحقة عن مرحلة الذمة هل يمتثل بغسل واحد للاغسال الموجودة في الذمة ام لا؟
اذا بالدقة تداخل الاسباب هو بحث في تداخل المرحلة اللاحقة عن الاسباب وكذلك تداخل المسببات بحث في المرحلة اللاحقة عن المسببات وهو مرحلة الامتثال.
مثلا اذا كان في ذمتك صلاة نافلة المغرب اربع ركعات ركعتين ركعتين. وفي ذمتك امر آخر وهو المسبب وهو صلاة الغفيلة. هل يجزئ ان تأتي بركعتين تنطبق على صلاة الغفيلة وصلاة نافلة المغرب؟ السيد الخوئي يفتي بالجواز. مع ان النص ما موجود. تتداخل المسببات. صلاة الغفيلة في الذمة امر في الذمة على حده وصلاة النافلة امر في الذمة على حده فالاسباب متعددة وغير متداخلة. لكن المسببات تتداخل يعني في مقام الامتثال والاكتفاء بامتثال واحد.
مثلا الحدث الاصغر والنوم والذهاب الى الخلاء كل هذه اسباب متعددة للحدث. هل يا ترى الحدث وهو امر وضعي متعدد ام واحد؟ على صعيد الذمة.
رجل قام بعدة اسباب توجب الحدود وكل هذه الاسباب كلها تقتضي القتل. هل عليه قتل واحد او عدة قتلات.
فالاسباب تتداخل يعني في مسبباتها. فالاسناد لما هو غير له في مرحلة لاحقة وتداخل المسببات يعني التداخل في الامتثال والاداء. هذه نقطة اولى.
ان شاء الله سيأتي ان هذا التداخل في الاسباب او المسببات فيه تداخل صغير وفيه تداخل كبير. ماذا يعني؟ هذه نقطة ثانية. ذكروا في الفقه.
يعني ان كلا من تداخل الأسباب وتداخل المسببات فيه الصغير والكبير. ما المراد منهما؟ المراد بالتداخل الكبير انه لو ارتكب مثلا في الحدود زنا محصنة واللواط وارتكب أيضا سب المقدسات فيجب عليه القتل. هل يجب عليه عدة قتلات او قتل واحد؟ تداخل الأسباب الكبير يعني انه صحيح ان المكلف الذي ارتكب الأمور يجب عليه القتل ولكن هذا القتل يستند الى زنا مستقلا ويستند الى اللواط مستقلا ويستند الى السب مستقلا بحيث لو ظهر خلل في اثبات احد الأسباب او الاثنين منها فيبقى السبب الأخير ويسبب الحد. عدم استقلال هذه الأسباب المتعددة في التأثير في المسبب تداخل كبير وليس تداخلا صغيرا. بالنسبة الى التداخل الصغير ليس بينها تداخل. التداخل الكبير يعني عدم التعدد لان القتل ليس متعددا. لكن باستقلالية كل سبب كانما القتل بمثابة المتعدد.
في الضمان مثلا. هذا الشخص ضامن للعين لغيره إما بسبب اليد او بسبب الاتلاف او بسبب آخر فالضمان للعين غير متعدد لكن اليد او الاتلاف او غيره كل من هذه الأسباب مستقل في الضمان. فهذه الأسباب صحيح تداخلت في مسبب واحد لان الضمان لا يتكرر وهو ضمان واحد للعين. لكن هذا الضمان للعين بمثابة المتعدد يعني ان كل سبب من الأسباب مستقل عن السبب الاخر. بحيث لو اصبح عرقلة ومانع وظهر الاشتباه في السبب الثاني او الثالث فالسبب الأول يؤثر اثره. هذا المقدار من الاستقلال قد يقال عنه عدم تداخل الأسباب الصغير. يعني انه صحيح انها متداخلة في مسبب واحد ولا يتعدد هذا المسبب فتداخلت بالتداخل الكبير لكن لاتتداخل بالتداخل الصغير يعني ان كلا منها مستقل في التأثير.
بخلاف ما إذا كانت انضمامية فاذا بطل احدها يبطل تأثير الجميع. فهذا تداخل صغير. فالمهم تداخلان.
الأولى التسمية هكذا: تداخل الأسباب في المسبب وفي تأثيرها كسبب في المسبب وهذا تداخل الأسباب الكبير. بحيث يكون انضمامية. بحيث لو ينفي احد الأسباب فالتسبيب ينتفي. على عكس ما ذكرنا فوق.
تارة في التسبيب كل منها مستقل لكن المسبب لا يتعدد فهذا يسمى التداخل الصغير عكس ما ذكرناه فوق. فالتداخل الكبير تداخل في المسبب وفي تسبيب المسبب اما التداخل الصغير تداخل في المسبب وهذا البحث طرف علمي بل له آثار في باب الضمان وباب الغصب وباب الإرث.
ربما يكون شخص له سببان للارث فهل يرث متعددا وارثا واحدا. فهذا بحث محل الابتلاء. تداخل الأسباب يعني تداخل الأسباب في المسبب وهذا التداخل فيه الكبير والصغير. التداخل الصغير فقط في المسبب ووجود واحد والتداخل الكبير تداخلها في المسبب والوجود الواحد وفي تسبيبها أيضا. فتكون انضمامية. وهذا بحث له ثمرات في موارد عديدة.
لذلك ورد عندنا في النص ان المحارب اذا قتل يجب عليه القتل وعدة احكام أخرى. في الاختصاص منه في القتل يقدم حق الناس أولا. يعني يطلبون من أولياء الدم هل يريدون القصاص او لا. فإذا أراد فبها. وإن لا يريدون القصاص وعفوه وأخذوا منه الدية لكن القتل بسبب الحد لا يسقط. هذا يسمى عدم التداخل الكبير. يعني ان القتل لا يتعدد لكن سبب القتل يتعدد. واذا انتفى سبب من الأسباب لكن السبب الآخر باقي على حاله. فلاحظ قتل واحد ولا يمكن ان يتعدد القتل. لكن هذا القتل يمكن ان يكون سببه متعددا. فتداخل صغير في القتل وليس تداخلا كبيرا في التسبيب.
أولياء الميت اذا كانوا متعددين. فواحد يعفو وواحد لا يعفو. فلا يسقط القتل. لأن هذا مثل الأسباب. حق القصاص يتعدد ويتكثر. هذا نوع من أنواع تعدد الأسباب.
اذا تداخل الأسباب في المسبب على نمطين وربما ثلاثة او اكثر. ارث الورثة فيه تداخل من نمط ثالث. او عدم التداخل من نمط ثالث. اذا هنا نكتة مهمة في هذا البحث. الاعلام في الفقه ركزوا عليه وفي الأصول اختصروا.
عندنا عدة معاني في تداخل الأسباب في المسبب.
أيضا اذا اتينا الى تداخل المسببات وهو أيضا على معاني وليس على معنى واحد وذكروها في الفقه ولم يذكروها هنا اختصارا او لعدم التشويش.
نفس تصور البحث مهم ومحل الابتلاء.
تداخل المسببات أنواع. التداخل المجمل البسيط يعني ان امتثالها واحد في الخارج. فتداخل المسببات في الامتثال والأداء. سواء مسببات احكام وضعية او تكليفية. وهذا هو المعنى الصحيح وكلمة محذوفة من العنوان. ما اكثر عند الفقهاء عندما يصيغون الجملة يحذفون بعض المفردات في الجملة اتكالا على الوضوح وحتى الوحي هكذا.
ابن الزنا ليس ابنا. مقصودهم ليس ابنا حلالا وليس ابنا طاهرا. لا الابن الشرعي. حذفوا هذه الكلمة في كل الأبواب الى حد ان الاكابر اشتبه عليهم هذا الامر. ورتبوا عليه آثار. بينما المراد ليس ابنا طاهرا وحلالا. لا انه ليس ابن مطلقا. هو ابن لكن ليس ابنا طاهرا. لكنهم حذفوا. هذا مهم عندهم حذف المضاف لوضوحه بحث يخفى على بقية الاعلام. بقية الاعلام افتى او مال علميا ان الاب من الزنا يجوز له ان يتزوج من ابنته من الزنا. هذه غفلة عظيمة وسببه هذا التعبير. ليست بنتا يعني ليست بنتا طاهرا وحلالا. اما حرمت عليكم بناتكم اعم من البنات من الحلال والحرام. حذف المضاف عند الاعلام في الأصول والفقه والكلام والتفسير والعلوم العديدة بل حتى الوحي ما شاء الله.
فوجدك ضالا فهدى. أجاب الامام الرضا عليه السلام المراد ضالا عند قومك.
زيد طويل ابوه لا هو. زيد سمين ابوه لا هو. فسموه زيد الطويل السمين وهو لا سمين ولا طويل. فالتسمية بلحاظ المتعلق.
الحلبي صفة لعائلة الحلبيين وهم كانوا تجار واثرياء من كوفة وتجارتهم كانت بين كوفة وحلب في أيام الامام الصادق عليه السلام. وما شاء الله الأبناء والآباء كلهم كانوا فقهاء وكانوا من بيت مبارك. فالحلبي صفة الى شغلته.
حريز بن عبدالله السجستاني. وهو سيستان. هو كان تجارته في سجستان وليس سيستان وكان من فقهاء كوفة ومن تلاميذ زرارة. حذف المضاف العلوم الى ما شاء الله. «ليغفر لك ما تقدم من ذنبك» والمعنى ذنب أمتك.
هنا لما يقال تداخل المسببات بالدقة يعني تداخل المسببات في الامتثال وتداخل الأسباب يعني تداخلها في مسبباتها. كما مر في النقطة الأولى. ومر ان الاندماج والتداخل في الأسباب على انحاء متعددة.
طبيعة العناوين وباب العنوان دائما فيها حذف. حذف المضاف فيها كثير وهذا نمط من أسلوب الكتابة ونمط من أسلوب الحوار. القرآن اعتمد على الكلام بالرمز والاشارة خلافا للحشوية والقشرية في تفسير القران. ثمانية أساليب في القرآن وبمعنى أربعة وبمعنى ثمانية وبمعنى عشرة وبمعنى اثنا عشر أسلوبا في القرآن. ليس كل المعاني في القرآن صريحة.
بعث سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله كما يقول امير المؤمنين ومن اعظم ما ذكره احد بعد رسول الله ان الوحي لغته عند سيد الأنبياء لغة التعريض وليس التصريح. وهي لغة التعريض حتى في أصول الدين. الأنبياء السابقين كالنبي عيسى وموسى على نبينا وآله وعليه السلام. اذا تقرأ وصاياهم ترى وصاياهم صريحة وواضحة. وصايا سيد الأنبياء من باب التعريض. انما الاعمال بالنيات. ما المقصود بالنيات. الشيخ حسن زاده آملي يقول ان هذه الكلمة استنبط منها العلماء منذ عشرة قرون ستة وثلاثين قاعدة. وقد يصل الى خمسين قاعدة فيضمنها في جملة واحدة بأسلوب التعريض.
لكن باقي الأنبياء كلهم كان اسلوبهم التصريح. لكن سيد الأنبياء كان أسلوبه التعريض وفيه فوائد كثيرة.
فتداخل الأسباب فيه الحذف ولا تأخذ المعنى على ظاهره. اكبر قاتل للاستنباط هو الجمود على الظواهر. وان يحتاج الغوص بالشواهد والضوابط.