46/11/13
تعدد الشرط والجزاء وتداخل الأسباب والمسببات
الموضوع: تعدد الشرط والجزاء وتداخل الأسباب والمسببات
كان الكلام في ما اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء. كيف يمكن الجمع بين الشرطيتين؟ باعتبار ان مفهوم كل شرطية جزاءه متحد «اذا خفي الاذان فقصر» و«اذا خفي الجدران فقصر» فما هو مقتضى المعالجة بين الشرطيتين؟
طبعا هذا مبحث ومبحثان آخران سيأتيان في التنبيه اللاحق متراتبان على هذا المبحث او متقاربان. لزيادة الدقة وامتحان الذهن. التنبيه اللاحق ومبحث معركة آراء اذا تعددت الأسباب أي الشروط او تعددت المسببات أي الجزاء هل الأصل تداخل الأسباب او تداخل المسببات؟ مثلا ان اجنبت فاغتسل وان حاضت المرأة فتغتسل وان نفست المرأة فتغتسل. أسباب متعددة والغسل واحدة. هل يتداخل الأسباب او يتداخل المسببات؟ ما هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة؟ هذا المبحث والمبحثان الاخران.
هذه حيثيات مختلفة في البحث. فهنا البحث تعدد الشرط ووحدة الجزاء في أصل الدلالة وكيفية المدلول بتبع الدلالة. بينما التداخل كالأغسال او الوضوء او الكفارة لموجبات متعددة مترتب على هذا البحث تعدد الشرط والجزاء في مقام الدلالة. فلابد من التدقيق في هذا البحث وبعد ذلك يأتي المبحثان الآخران.
طبعا البحث في تداخل الأسباب والمسببات ليس منوطا بالجملة الشرطية بل يأتي في الجملة الحملية أيضا. أما هذا البحث فخاص بالجملة الشرطية. اللطيف في هذا المثال اللفظة الواردة في الروايات لفظة «اذا» وليس «إن» ومع ذلك بحث الاعلام عن ذاك.
بعبارة أخرى البحث في تداخل الأسباب والمسببات في المنطوق بينما هذا البحث في المنطوق والمفهوم في دلالتهما وبعد ان تنقح تأتي النوبة للبحث عن التداخل.
نستطيع ان نقول ان تداخل الأسباب وتداخل المسببات مبحث في متن القانون الثبوتي يعني بعبارة أخرى هناك مباحث في علم الأصول في الالفاظ لا سيما او الحجج ترتبط بالدلالة ودليلية الدليل وعالم الدلالة والمدلول بلحاظ انه مرتبط بالدلالة وهو بحث اثباتي. وأما فيه مباحث الضد واجتماع الامر والنهي وشبهها وبالدقة ليس مرتبطا بالدلالة بل عمدة هذه البحوث في الضد واقسام الوجوب وغيرها بحث في عالم اعتباري قانوني غير مرهون بالدلالة متنا وذاتا. وان كان للدلالة ارتباط به. يسمونه عالم القانون وعالم اللوح المحفوظ ومتن القانون. وهذا المبحث الذي له ارتباط بالقانون ومنظومته وشئونه يسمى علم أصول القانون وهو احد علمي الأصول لان علم الأصول يشتمل على علمين. علم أصول القانون بحوث ثبوتية وهناك بحوث مرتبطة بعالم الدلالة واثباتية. من ثم سمي مبحث الالفاظ لان البحث فيه بالذات في الدلالة. مبحث الحجج أيضا في الاثبات اذا كان الحجج ظاهرية وهو اثبات تصديقي. لذلك اقتصر البعض في تعريف علم الأصول بانه علم باحث عن دليلية الدليل وهو شطر من علم الأصول وليس كله. بخلاف التعريف بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي اعم من الاستنباط الظاهري كدليلية الدليل او الاستنباط الواقعي أي توالد الاحكام من بعضها البعض. لان علم الأصول يشتمل على علمين متوازيين عالم الدلالة تصورا وتصديقا وعالم ذات المدلول بغض النظر عن اتصافه بانه مدلول يعني الحكم في نفسه.
هذا اكتشافه قد يكون مبتكرا لكنه كان موجودا من القديم كانوا يعبرون عن أصول القانون بالمبادئ الاحكامية ان المبدأ يعني الأصل والاحكام يعني القانون. كذلك أصول التشريع واصول دستورية. فيه مدارس أخرى كفقه المقاصد وروح الشريعة يبحثان ثبوتا عن التقنينات. ومدرسة أصول القانون غيرهما.
اذا البحث في تداخل الأسباب والمسببات بحث ثبوتي وفي متن القانون وطبعا القانون وهو الحكم له مراحل. ولاصول التشريع عشرة أسماء في الكتب الأصولية. هذا مبحث موجود وانصافا علم خطير مهم ويجب بلورته اكثر فاكثر. بحسب فهمي ان هذا العلم النهضة فيه يسبب النهضة العلمية في العلوم الدينية بشكل عجيب وعظيم.
اذا مبحث تداخل الأسباب وتداخل المسببات مبحث في المبادئ الاحكامية او أصول القانون ماشئت فعبر. بينما هذاالبحث الذي نحن الان في تعدد الشرط مبحث في عالم الدلالة ويختلف عن تداخل الأسباب والمسببات.
فهنا التنافي بين الجملتين الشرطيتين هل المدار على خفاء الاذان او على خفاء الجدران او على المجموع؟ وهل المفهوم يبقى للجملتين الشرطيتين او لا؟
فاحد الاقوال: هو القول بان هناك تعارض في الجملة الشرطية فيتساقط وهذا التساقط في المفهوم والمنطوق. كانما تبناه الميرزا النائيني والعهدة على المقرر.
اما المفهوم معنى سقوطه واضح والمنطوق يسقط يعني لا نعلم ان الشرط مركب او مستقل؟ فالقدر المتيقن ان الشرط مركب والجمع واوي. فهذا سقوط للمنطوق والمفهوم. نسب للنائيني في التقريرات. وصاحب الكفاية عنده احتمال سقوط المفهوم.
القول الثاني الجمع بالواو وفيه جمع باو وفيه جمع بأحدهما. هذا على صعيد الدلالة ولا صلة له بتداخل الأسباب ولا صلة له بتداخل المسببات. هذا مبحث دلالي محض.
بينما بعد الفراغ عن عالم الدلالة والوصول الى القانون هل القانون يقتضي تداخل الأسباب او تداخل المسببات او لا يقتضي كليهما. لكن هنا الان البحث في عالم الدلالة.
اما القول بسقوط المفهوم فقط او سقوط المنطوق والمفهوم فيعترض عليه السيد الخوئي باعتراض جيد ويا ليت بنى عليه في كل أبواب الفقه فكان ممشاه ممشى كل المتقدمين.
اول النقاط التي يسجلها السيد الخوئي على سقوط المفهوم او سقوط المفهوم والمنطوق، هو ان السقوط خلاف القاعدة. يعني ان التعارض ليس مقتضاه السقوط. قال لان التعارض محذور ولكن المحذور لا يوسع بل المحذور ضرورة واضطرار وتقدر بقدرها. هذا كلام متين.
فما يزعزع التناقض والتعارض حتى لو كان مستقرا بنية الظهور من رأس. هذا كلام المشهور. بمقدار ما كان في التعارض والتناقض من المحذور فيتمسك به ويزيل بنية الظهور والمقدار الزائد عليه لا موجب له. هذا الاشكال الأول جدا متين.
المفروض انه ينقح في باب التعارض. لذلك صاحب الكفاية والشيخ الانصاري الى حد ما. يقولان ان الأصل الاولي في التعارض ان احدهما لا اقل يبقى ولا يتساقط. ولو بنحو اجمالي. واحدهما بنحو اجمالي يسقط. فلدينا علم اجمالي بان احدهما حجة والآخر ليس بحجة. هذه نقطة عظيمة.
طبعا عند المشهور حتى احدهما لا يسقط أيضا. ان المحذور التناقضي يقتصر على اضيق ما هي عليه. هذا المحذور لا يوسع بحيث يهد اركان بنية الظهور في كلا الطرفين. وهذا هو كلام السيد الخوئي هنا.
نقطة أخرى يذكرها السيد الخوئي في هذا المقام ويتعامل مع بنية الظهور باقتضاء الحجية وهذا مبنى جدا عظيم ولو هو لم يبسط في هذا الكلام. لكنه واضح ان هذا السياق ان الظهور فيه اقتضاء الحجية. والتعارض يمانع الحجية الفعلية. طبعا ما قال هذه التعابير بهذه الصراحة لكن عندما يراجعون كلامه ترون ان الظهور له اقتضاء الدلالة واقتضاء الحجية وهذا الاقتضاء لايرفع عنه الا بقدر الضرورة. بعبارة أخرى يتعامل مع عالم الدلالة معاملة عالم الأسباب وتزاحم الأسباب وهذا مبنى القدمااء كالشيخ الطوسي والمفيد وغيرهم الكبار. ان عالم الدلالة وعالم الاثبات تعامل معها كانها تعامل التزاحم الامتثالي. كوجوب الصلاة وتطهير المسجد. في عالم الدلالة والاثبات يتعاملون مع الدلالات بانها تزاحم الأسباب غاية الامر انها تزاحم الأسباب في الارائة والحكاية. مثل المرآة.
اذا كانت مرآتان وكل منهما تعطي صورة عن الواقع بشكل يختلف عن المرآة الثاني او الثالث. هل العقل يحكم بان تكسر المرايا كلها. بل التعقل يقول ان تحاول ان تكتشف كيفية الوئام بين هذه المرايا وبسبب التنافي في الصورة خفي الواقع. لا انه تنافي حقيقي. هذا بالضبط في باب التعارض مسلك المشهور ان الجمع مهما امكن أولى من الطرح. يعني مادام احتمال موجود في كيفية الجمع بين المرايا واذا يمكن الملائمة بينها فلابد من الجمع بينها. لان نفس المرآة والدليل الظاهري اقتضاء الحكاية فيها والتعارض قبل علاجه غاية ما يسبب تجميد الحجية الفعلية لا اسقاط الحجية الاقتضائية.
السيد الخوئي هنا بالضبط يتعامل مع المتعارضين هذه المعاملة ويا ليت يبقى في هذا المبنى في كل الفقه والأصول. انما يبحث عن كيفية التنسيق والجمع بينهما لا انها تسقط وتفرط فيها. يقول ان العرف لا يساعد ان هذا الرأس المال في الدلالة والكواشف يفرط فيها.
هذا المبنى ليس مبناه في باب التعارض ولا في الفقه لكنه هنا افصح بلغة صناعية عن مبنى القدماء وهذا هو المهم.
نقطة أخرى يذكرها السيد الخوئي في المؤاخذة على هذا الوجه يقول ان الجمع بين المتعارضين فيه مراتب. مثلا عندنا دليل اكرم العلماء ودليل آخر لا يجب اكرام زيد العالم. هذا عام وخاص ويمكن ان نرتكب التخصيص ويمكننا ان نحمل اكرم العلماء على الاستحباب ولا يجب إكرام زيد العالم ليس نفيا للاستحباب ولا اخراجا عن العموم بل نفي الوجوب. فهو يوافق العام. هذا جمع آخر عرفي غير التخصيص.
جمع ثالث نحمل «لا يجب » على التقية فيذكر جموعا متعددة عرفية. جمع رابع «لا يجب إكرام زيد العالم» يعني ليس زيد ابرز افراده. كل هذه المحتملات عرفية ولكن عرفا ليست في عرض بعضها البعض. بل هي مراتب في الجمع ولا يسوغ العرف ان نذهب الى المرتبة الثانية والثالثة في الجمع مع وجود المرتبة الأولى. هذه نكتة ممتازة جدا.
ان الجمع بين الأدلة المتعارض فنون وانماط في الجمع وبينها مراتب ولكن اذا امتنعت وكان محذورا في المرتبة الأولى او الثانية والثالثة فننتهي الى الأخيرة والجمع مهما امكن أولى من الطرح وهذا مبنى المشهور.
والسيد الخوئي يقول هنا انه مادام ان هناك جموع عرفية لانأتي الى التساقط وان كان الجموع ليست في عرض بعضها البعض. ربما ا حد الوجوه الجمع بعيد جدا لكن بالتالي هو جمع وقد تصل اليه النوبة.
السيد الخوئي بدء هذا المبحث في بداية التنبيه وبسطه في نقاش الميرزا النائيني ولو هو ما نقح كلامه. لكنه بالدقة مبنى القدماء. لاحظ كلام الشيخ الطوسي في الاستبصار والتذهيب عنده الجمع مهما امكن أولى من الطرح ولا يفرط في أي رواية معارضة. كل هؤلاء الاعلام حتى الرواية المرسلة المعارضة مع الرواية الصحيحة لا يسقطون الرواية المرسلة بل انما يحاولون ان يكتشفوا توليفا بين الأدلة لان مجموع الأدلة اعظم من الرواية الصحيحة الواحدة. هذا مسلك المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى وابن براج وابن زهرة وابن حمزة والسلار لنفس النكتة انه لا نفرط في بنية الظهور وبنية الدلالة صدورا او دلالة او جهة في عالم الكشف والدلالة وهذا هو مبنى القدماء.
اذا ينقط كلام السيد الخوئي هو عين مبنى القدماء. واضح انه يتعامل مع الدلالة معاملة التزاحم في الأسباب لكنه تزاحم في عالم الدلالة وعالم الارائة ولا في عالم الملاك. أصلا طبيعة الحكم الظاهري والرواية والدلالة ملاكها التزاحمي في الكاشفية وهذه الكاشفية فيها تنافر وفيها تنافي ويمكن التوليف والتوؤمة بينهما. شبيه نفس مبنى المعاصرين بعد النراقي والشيخ الانصاري في انقلاب النسبة. على أي حال هذا هو الصحيح في المباني. ان سقوط المفهومين والمنطوقين لا وجه له وخلاف القاعدة بل لابد من المعالجة واذا عولج لا يأتي نوبة التساقط.