« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 مفهوم ثان في الشرط لانحلال الجزاء/ مبحث المفاهيم /الالفاظ

الموضوع: الالفاظ/ مبحث المفاهيم / مفهوم ثان في الشرط لانحلال الجزاء

 

كان الكلام في هذا المبحث من مفهوم الشرط انه اذا كان الحكم في الجزاء انحلاليا فهل يكون المفهوم كليا انحلاليا او يكون جزئيا؟

هنا وقفة: لماذا قبل الاعلام الانحلال والعموم في المفاد المطابقي للمتن الوارد «اذا بلغ الماء قدر كل لم ينجسه شيء»؟ لماذا اجروا العموم في المفاد المطابقي في المحمول؟ لانه مر بنا ان المتكلم عادة في صدد بيان عموم الموضوع وشئون الموضوع او الحكم من ناحية الموضوع؟

الجواب: لان الضابطة التي مرت ليست ضابطة عقلية بل ضابطة غالبية تحاورية وهنا قرينة موجودة على العموم في المحمول وهو النكرة في سياق النفي وهي قرينة خاصة تفيد العموم وعلى ان المتكلم في صدد المحمول أيضا.

بعد الفراغ عن هذا المفاد المطابقي والمنطوقي يأتي دور المفهوم هل هو كلي أيضا أو لا؟ فهنا معركة آراء في خصوص هذا المثال وأيضا في البحث الكلي المنطبق على هذا المثال. لان قاعدة ان كل متنجس ينجس عند متاخري الاعصار ليست ثابتة ولو ذكر هذه القاعدة وبنى عليها جملة من فقهاء الطبقات المتقدمة وهذه العمومية في المفهوم اذا تم في المقام فتتم القاعدة في النجاسة.

فلابد أولا من عمومية وكلية المنطوق وبعده تصل النوبة الى عمومية المفهوم. رغم عمومية وكلية المنطوق المطابقي لابد من توفر عناصر أخرى تنضم لكي يتقرر للمفهوم عمومية وكلية ذكرها الميرزا النائيني وهو من المثبتين للعمومية في المفهوم من جهات مختلفة جهة المفهوم الشرط وجهة القرائن الخاصة في هذا المثال.

العمدة التي يرتكز عليها الميرزا النائيني يقول ان الجزاء فيه العموم منطوقا فما الذي علق من الحكم على الشرط؟ ان علق عموم الحكم فيكون له شأن وان علق حكم العام فله شأن اخر. هذا البحث مذكور في علم البلاغة ان المضاف والمضاف اليه مثل إدارة القانون وقانون الإدارة وعموم المضاف او مضاف العموم ومر بنا ان احد أبواب المغالطة والنصب والاحتيال هو التلاعب بالتقدم والتأخير. يعني حتى تدوين القانون يمكن فيها المغالطة بحسب الكلمات. هذا البحث اثاره البلاغيون بشكل كبير وحتى تؤثر في مباحث العقائد كمطلق الوجود او الوجود المطلق والماهية المطلقة او الماهية المطلقة. هذه المباحث في العقليات لها دور كبير. وهلم جرا. هذه المباحث غامضة ومؤثرة في مباحث التوحيد وهو علم مستقل في مباحث العقائد والذي ما عنده دربة في العقليات لا يجوز له البحث في التوحيد وقراءة الوحي ويحتاج الى تضلع خاص. بحث التوحيد بحث معقد جدا ولا يمكن ان يتصدى فيه بالاستظهارات الفقهية. عالم الأسماء ترتبط بهذا البحث.

ففرق بين عموم الحكم وحكم العام. فيقول الميرزا النائيني في المنطوق ليمهد للمفهوم: ان كان الجزاء هو الحكم العام لا محالة يكون المفهوم عاما وأما اذا كان المعلق عموم الحكم فيمكن ان يكون مفهومه عاما وجزئيا.

ما هي الاليات اللفظية في عموم الحكم وحكم العام؟ في علم البلاغة وعلم المعاني يدققون في اطر المعاني خلافا لدعوى سطحية قشرية الاستنباط وجمودية الاستنباط. هناك في علم المعاني يصلون الى نتائج دقيقة وصعبة وفيه مباحث ذكرها في المطول او مختصر المعاني اعقد من مباحث فلسفية وهي مباحث دقيقة عقلية. وهذه الأمور تتاثر في العلوم الدينية كلها. هذه النتائج التي يدعوها علماء البلاغة في علم المعاني ألفاظها وآلياتها في علم البيان. علم البيان يعني الواسطة اللفظية التي تصل الى المعنى والفنون اللفظية. علم المعاني ليس خاصا بلغة خاصة بل مشتركة بين جميع المخلوقات الشاعرة. لان المعاني تتخاطر بين كل ذي نفس وذي روح. هذه التدقيقات عقلية بشكل معقد كقضايا الوصايا والتقارير والاقرار. «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» وما هو الفرق بين «لا نورّث» وبين «لا نورث» لا نورّث يعني ما نسعى للتوريث لا ان قانون الإرث بيننا وبين ارحامنا ما موجودة. هذا الحديث مستفيض بهذا المقدار. لا نورّث يعني لا نسعى وليس لدينا حرص للاكتناز والتوريث. جملة «ما تركناه صدقة» كذب على رسول الله وتناقض في الرواية. لا نورّث يعني لا نسعى للتوريث وليس «لا نورث» وهو يعني ان نظام الإرث بيننا وبين ارحامنا مقطوع. نفس الحديث يدل على ان نظام الوراثة موجود فذيل الحديث يناقض صدره. الصدر يدل على الوراثة ونظام الوراثة باعتراف علماء الجمهور. سعي الأنبياء ليس على استثمار او استغلال او الاستفادة من هذا النظام في الوراثة و العجيب في علماء الجمهور يعترفون ان هنا الوراثة ليست وراثة مادية فقط بل وراثة اصطفائية أيضا. يعني ان فاطمة سلام الله عليها ترث رسول الله اصطفاءً ويسلمون به.

المقصود ان التدقيق في الالفاظ والمعاني امر بالغ الأهمية. فالنتائج العلمية يذكرونها في علم المعاني لابد من آلياتها في علم البيان. وهذا ايضا مهم. من ثم يأتي أهمية علم البيان وهذا علم عظيم في الاستنباط في العلوم الدينية.

المرحوم السيد محمود الشاهرودي الكبير قبل ان يدرس كان يجيء قبل درسه عند درس استاد مسلم في علم البلاغة ليسمع نكات في البلاغة. وكان يستفيد من النكات البلاغية. وهذا الأستاذ القدير في علم البلاغة بعده اصبح أستاذا قديرا في علم التفسير وتخرج على يديه جملة من المفسرين بسبب علم البلاغة.

حينئذ تارة يعلق عموم الحكم فلا يكون عمومية في المفهوم حتما بل قد يكون عمومية وقد يكون خصوصية. فليس من الضروري ان يكون المفهوم عاما. اما اذا كان المعلق حكم العام فيثبت عموم المفهوم. هذا تدقيق في المعنى.

سبق ان نقلنا عن الميرزا النائيني انه يقول ان اللغة العقلية التي يستفيدها المناطقة يتقدمها رتبة اللغة اللغوية مثل علم البلاغة وهي مقدمة على المنطق ويجب ان لانخلط بين اللغة العقلية في المنطق التي تجي في المراد الجدي ومراتبها وبين عناصر علوم اللغوية التي يأتي في المراد الاستعمالي والتفهيمي<

آليات مدعى الميرزا النائيني: ان كان المعلق حكم العام فواضح يعني ان لفظ الحكم هو الذي علق والعموم تبع له.

وتعليق عموم الحكم فيه تفصيل تارة يكون المفهوم كليا وتارة يكون جزئيا. فما هي الضابطة في هذا التفصيل في الشق الثاني؟ يقول ان كان العموم استفيد من لفظ حرفي فيثبت عموم المفهوم أيضا وان كان استفيد العموم من لفظ اسمي فلا يستفاد عموم المفهوم بل يكون المفهوم جزئيا.

دليله: يقرب الميرزا النائيني ويقول ان كان المعلق حكم العام فالحكم هو العام وهذا الحكم ينحل فتكون الجملة المفهومية بلحاظ كل فرد فرد من الحكم. هذا اذا كان المعلق هو الحكم العام وبمثابته اذا عقل العموم لكن كان العموم حرفيا لانه حينئذ لا ينظر الى العموم بل ينظر الى شيء آخر وهو الحكم نفسه. فالعموم الحرفي بمثابة الحكم العام وينظر به الى الحكم.

احد الاخوة سأل: ان الانحلال ماذا ربطه بقالب اللفظ؟ صحيح ان الكلام ليس في الانحلال لكن هذا الانحلال ينظر اليه من خلال قالب المعنى فيكون هذا القالب للمعنى كعدسة تبصر بها كل الافراد فكانما المفهوم اخذ في كل فرد فرد.

اذا كان العموم الحرفي فلا تلاحظ العموم بل تلاحظ الحكم العام فيثبت عموم المفهوم واما اذا كان العموم اسميا فهنا يقول الميرزا النائيني لا يثبت المفهوم الكلي لان النظر الى العموم بما هو هو فيكون شبيه العموم المجموعي ورفعه ونقيضه بالموجبة الجزئية. هذا بحث كلي في المقام والمفهوم في تطبيقه في المثال ان النكرة في سياق النفي تركيب وهيئة والعموم يستفاد من الية حرفية واذا كان آلية حرفية يتقرر المفهوم الكلي على حسب كلامه. كما مر بنا قبل قليل انه قد يتضلع في علم المعاني لكن لابد من التضلع في علم البيان لان هذه الأبحاث في علم المعاني يحتاج الى الآليات اللفظية لها.

بعد ذلك يضيف نكات فقهية للمثال خصوصه. «اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء»

يقول: لو لم نبني على عمومية المفهوم في خصوص هذا المثال نبني على العمومية. في هذا الفرض قال الاعلام بناء على حجية مفهوم الشرط لا كلام في ان هذه الجملة لها مفهوم كلي من ناحية الموضوع وليس محل الاختلاف. هذا الخلاف في هذا التنبيه الخاص في عموم آخر في المفهوم فيستولدون المفهومين من الجملة الشرطية وقالبن عامين من المفهوم. قالب بلحاظ الموضوع وعمومية الموضوع «أي ماء» وليس بينهم شجار لمن قرر ان للجملة الشرطية مفهوم. لان اصل البحث في الجملة الشرطية بلحاظ الموضوع.

هذا التنبيه يريد ان يثبت للجملة الشرطية مفهوما من ناحية عمومية افراد المحمول وبين هذين المفهومين غالبا فرق كبير. اصل تصور البحث اهم من البحث. عموم المفهوم من ناحية المحمول مغاير قالبا وآلية عن عموم المفهوم من ناحية الموضوع. الاصوليون في صدد استيلاد مفهوم آخر. كان اصل البحث في مفهوم الشرط في استيلاد المفهوم العام من ناحية الموضوع. لكنهم هنا في صدد عمومية المحمول وهو الصعب لان المتكلم ليس في صدد بيان شؤون المحمول عادة وهنا قرينة خاصة في انه بصدد المحمول وشئونه وهو النكرة في سياق النفي.

ذكرنا ابتكار السيد الخوئي ان النسب الأربع بين الدليلين المتعارضين او وغير المتعارضين هل يلاحظ بين الموضوعين فقط او بين المحمولين فقط او بين المجموع من الموضوعين والمحمولين؟ هذه من الأمور الجيدة التي اثارها السيد الخوئي في النصف الثاني من عمره الشريف.

فهنا معركة الآراء حول هذا المفهوم الثاني لا الأول. هل المفهوم الثاني يثبت او لا. السيد الخوئي ينكر المفهوم الثاني بالمرة والميرزا النائيني يفصل بين الشقوق الثلاثة.

logo