« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الانحلال في ابعاد القضية القانونية/ مبحث المفاهيم/الألفاظ

الموضوع: الألفاظ/ مبحث المفاهيم/الانحلال في ابعاد القضية القانونية

 

وصل بنا الكلام في مفهوم الشرط الى مبحث الانحلال في مفهوم الشرط. لو كان الجزاء حكما واحدا كأنما لا خلاف فيه وأما إذا كان الحكم في الجزاء انحلاليا فكيف يكون؟

مثال: اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء. يعني لم ينجسه شيء من الاعيان النجسة او من المتنجسات.

العكس: اذا لم يبلغ الماء قدر كر فينجسه كل شيء من النجاسات والمتنجسات.

فالبحث يعتمد على جملة من النقاط التمهيدية.

منها ان القضية القانونية الشرعية تعتمد على أربعة أعمدة؛ الموضوع أو قيود الوجوب والحكم والمتعلق ومتعلق المتعلق.

لهذه الأعمدة الأربعة انحلال. فالموضوع له الانحلال والتكثر «اقم الصلاة لدلوك الشمس» تدل على الوجوب في كل دلوك وكل مكلف وهناك انحلال من جهة متعلق الحكم وهو الفعل يعني الصلاة في المسجد والصلاة اول الوقت وآخر الوقت. فالقضايا والاحكام تتكثر أيضا بلحاظ انحلال المتعلق. والانحلال الرابع مثل لا تشرب الخمر. ان الخمر متعلق المتعلق. فتتكثر حرمة شرب الخمر بتكثر الخمر.

فالقضية القانونية الشرعية تنحل بسبب تكثر اعمدتها الأربعة. هناك جهات أخرى من العموم كالعموم الزماني والاحوالي لتكثر وانحلال الحكم. هذا الامر لا اضطراب فيه.

هل الانحلال عموم استغراقي او عموم بدلي او عموم مجموعي؟ هذا امر آخر. كثيرا ما عمومية الحكم وشمولية الحكم من جهة احد الاعمدة استغراقي وشمولي ومن جهة أخرى عموم بدلي. فالعمومات والتكثرات الموجودة في الاعمدة الأربعة ليس من الضروري ان تكون على وتيرة واحدة في نمط العموم. ربما يكون استغراقي وربما يكون امتداديا وربما بدليا وهلم جرا. هذا بعد آخر يجب ان نلتفت اليه.

والبعد الاخر سبق ان نقلناه عن البلاغيين والاصوليين ان المتكلم في صدد بيان عموم الموضوع يعني قيود الوجوب ولك ان تقول انه في صدد بيان عموم الحكم من جهة شئون الموضوع وقيود الحكم طبعا.

بعبارة أخرى ان هذه القاعدة ليست مرتبطة بقيود الوجوب والموضوع الاصولي بل المراد من الموضوع هو الموضوع في اللغة يعني ما يبتدأ به المتكلم في الكلام. «زيد مؤمن» هو في صدد الاخبار عن زيد في كل حالاته. حتى الأصوليين تارة يستخدمون الموضوع بمعناه اللغوي وهو يعني ما يبتدأ به الكلام يعني المبتدأ سواء يكون اسما او فعلا مؤولا. وليس المتكلم في صدد بيان عموم المحمول.

نقطة لغوية: «أقم الصلاة لدلوك الشمس» قد يؤولها البعض الى «عند دلوك الشمس تجب الصلاة» يعني قد يكون تركيب القضية ما حقه التقديم يؤخر وما حقه التأخير يقدم. فلا ينغر الانسان بظاهر التركيب. هذا ليس بموضوع لغوي ولا موضوع اصولي. هذه القاعدة تعني ان المتكلم في صدد بيان الموضوع اللغوي يعني ما يبتدأ به وليس ما يبتدأ به ما يتلفظ به مقدما. قد يؤخر ما حقه التقديم. الكلام هنا في ما حقه التقديم. يعني الجملة بلبّه وحقيقته لا ظاهره الصوري.

اذا ما يبتدأ به المتكلم فيكون المتكلم في صدد شؤونه وليس في صدد بيان شؤون المحمول الا من ناحية شؤون الموضوع. هذه ليست قاعدة عقلية وليست دائمية كما مر بنا مرارا بل قاعدة عرفية محاورية بلاغية غالبية وليست دائمية. يعني قد تتخلف وقد تكون قرائن خاصة في البين. القواعد اللغوية اقتضاءات دلالية وقد يأتي دليل خاص يمانع هذا الاقتضاء. فربما يكون المتكلم بقرائن غير هذه القاعدة.

مر بنا ان العموم في الابعاد الأربعة للقضية وهي قيود الوجوب والحكم والمتعلق ومتعلق المتعلق. ربما يكون المتكلم في صدد بيان الموضوع ولنفترض ان الموضوع الذي ابتدأ به الكلام هو قيود الوجوب وربما يكون المتكلم في صدد بيان المتعلق كما يقول: «الصلاة أولها التكبير وآخرها التسليم» وهذا لا ربط له بالحكم. الصلاة متعلق وجعل المتعلق مبتدأ الكلام ولم يتعرض لقيود الوجوب ولا الحكم. مثلا «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» الكلام الكلام. كذلك «الصلاة ثلثها السجود ...» يعني بعض القضايا ليست في الابعاد الأربعة بل مركزة في البعد الواحد وبعد المتعلق. ولو تقدر ان تفكك بعد المتعلق.

«الاستطاعة هي المال وصحة البدن وتخلية السرب» هذه القضية في صدد قيود الوجوب فقط. لا الحكم ولا المتعلق ولا متعلق المتعلق.

مثلا «حجة الإسلام مرة في العمر» في صدد الحكم فقط. قد ترد بعض الأدلة في بيان بعد واحد من الابعاد الأربعة ولا تتطرق القضية للأبعاد الأخرى.

او لمتعلق المتعلق «الطواف بالبيت حده دون المقام» و«السعي ما بين جبل صفى وجبل مروة» والوقوف حدوده كذا. اذا ترد قضايا في كثير من الأبواب الفقهية ان المتكلم والشارع في صدد بيان بعد من الابعاد الأربعة.

حتى في هذا البعد أيضا لما يقول: الصلاة أولها التكبير وآخر التسليم» أي صلاة؟ هنا لم يقيد ويتمسك بالاطلاق واطلاق الموضوع الذي يبتدأ به. هنا نتمسك بالدليل انه لم يقيد الصلاة بصلاة خاصة. فكل صلاة بكل أنواعها ضابطتها هكذا. انها أولها التكبير وآخرها التسليم.

من ثم صلاة الميت جملة من الاعلام المعاصرين قالوا انها ليست صلاة لانها ليست آخرها التسليم. ولو وردت روايات تقية في ذلك وان كان الصحيح ان صلاة الميت صلاة لكنها ليست فيها الركوع والسجود وتختلف احكامها خلافا لمتاخري العصر.

على كل لما يقول «الصلاة ثلثها الركوع وثلثها السجود وثلثها الطهور» فصلاة الميت تخرج تخصصا او تخصيصا على قولنا. فابتدأ في القضية بالصلاة ورتب عليها احكام. فلو لم يكن دليل خاص لقلنا بلزوم الفاتحة في صلاة الميت على انها صلاة.

هذه ضوابط في الاستظهار يجب ان نتقيد بها الا ان يأتي دليل مخرج عن هذه الضوابط. لما يقول ان التشهد كذا يعني ان التشهد في كل مكان. في الصلاة والاذان والتلقين .التشهد هو الشهادات الثلاث وآيات المائدة تبين لك التشهد. هي اطلاق في الحقيقة الشرعية ومبتدأ به الكلام. ويشمل كل ما فيه التشهد. والمخرج يحتاج الى دليل. لنفس النكتة بلغة دلالية اطلاق وبلغة أصولية أخرى نقول حقيقة شرعية واحدة والمخرج يحتاج الى دليل.

لذلك في الروايات الواردة في تشهد الصلاة يسأل السائل: هل التشهد في الصلاة شيء موقت؟ يعني موقت بتوقيت خاص في باب الصلاة. قال لو كان موقتا لهلك الناس.

حتى الشيخ الطوسي في النهاية لا يشرح التشهد ويقول انه حوالة على نفس ماهية التشهد المطلقة. لا ان التشهد في باب الصلاة اخذ ماهية أخرى وحقيقة شرعية أخرى. او يقال ان عمومات التشهد لا تشمله. هذه صناعة يجب ان نلتفت اليها والاعلام اسسوها.

لذلك في صحيحة فضل بن شاذان عن الامام الرضا قال ان التشهد اخذ في الصلاة قبل التكبيرة وبعد التكبيرة. هذا التشهد في الاذان هو التشهد في الصلاة. اذا وردت باعتراف الصدوق والشيخ الطوسي في تشهد الاذان الشهادة الثالثة فهو نفسه ورد في تشهد الصلاة وفي كل أبواب الدين. ليس شيء آخر.

«رضيت لكم الإسلام دينا» احد شؤون هذه الآية باعتراف كل الاعلام انها في صدد بيان الشهادة الثالثة. بتعبير السيد الخوئي في بحث العروة في شهادة الاذان ان هذه الآية يستفاد منها بضرورة الدين استحباب ورجحان اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين. وهذا طبيعة التشهد. نعم بحث قصد الجزئية شيء آخر ولأنه يدل على الاقتران ولو اقتران الخارجي مع الصلاة وليس داخلي ماهوي.

بالجزم اسند الى السيد الخوئي من ثلاث مواضع من كلامه في المنهاج وشرح العروة وعلم الأصول عندما قال ان الكلام الذكري لا ينقلب الى كلام آدمي انه يفتي بجواز الشهادة الثالثة في الصلاة وحتى كل من افتى بنفس ما افتى به السيد الخوئي وكذلك السيد محسن الحكيم. اجمالا هذه الضوابط في الاستظهار يجب رعايته. ان الموضوع يجري فيه الاطلاق والمراد هو الموضوع اللغوي أي ما يبتدأ به الكلام. الا ان تأتي قرينة خاصة تمانع عنه.

بناء على هذا البحث: فالمحمول في القضية لا يكون المتكلم في صدد بيانه من كل جهاته. «الصلاة ثلثها الركوع» ليس في صدد بيان الركوع. التشهد بحسب آيات المائدة فيه رضى الله تشريعا لان الرضا يعني التشريع والتشهد ثلاثي وهذا هو الدين. الأدلة الأخرى تنزل الشهادتين صوريا كالمنافقين والله يشهد ان المنافقين لكاذبون. هذا اسلام صوري يتعامل معه الإسلام. لذلك قال الله تعالى «لا تصل على احد منهم مات ابدا ولا تقم على قبره» الإسلام الظاهري شيء آخر. اما الإسلام الواقعي يختلف.

المقصود اذا هذا البحث في الاطلاق والموضوع يجب الالتفات والتقيد به.

الكلام في ما لو كان كلام المتكلم في صدد بيان قيود الوجوب «اقم الصلاة لدلوك الشمس» هل نجري الاطلاق؟ اين نجري الاطلاق؟ فيما ابتدأ به المتكلم. حتى لو اخر المتكلم قيد الوجوب لكنه يقدمها لبا. وهو في صدد بيان قيود الوجوب. هذه القاعدة تنضبط بلب تكلم المتكلم. فاذا كانت قيود الوجوب متقدمة والحكم متأخر ومتعلق الحكم في طرف المحمول وليس في طرف الموضوع.

قد يكون المتكلم في صدد بيان المتعلق فيجري الاطلاق «الحج كذا كذا» «النسك كذا» وما قيده بالحج والعمرة والتمتع والإفراد وانواعها الأخرى. لازم ان تمسك بالإطلاق. فلاحظ هناك ماهية مشتركة بين كل أنواع العمرة وكل أنواع الحج. بنى الاعلام على انه اذا بطل الحج لا ينفسخ النسك بل تبدله الى عمرة لان فيه ماهية جامعة بين العمرة والحج وهي النسك. «لا يجوز دخول مكة ولا الحرم المكي الا بالنسك» وهذه ماهية جامعة. قال: «تروك الاحرام» يعني النسك. الاحرام طبيعة عامة سارية لذلك كثير من بحوث الخلل حلها المشهور عدا جملة من متاخري الاعصار بهذه الاطلاقات. هذه ضوابط في الدلالة.

هنا يأتي الكلام اذا تعرض المتكلم وهو الشارع الى ابعاد ثلاثة او أربعة هل يتعرض لعموم الحكم من غير ناحية الموضوع ومن ناحية المتعلق ام لا؟ هنا بحث صعب ودقي. ان شاء الله سنتعرض اليه.

واثرها في الدليل «إذا بلغ الماء قد كر لم ينجسه شيء» وقضايا أخرى.

logo