« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/10/09

بسم الله الرحمن الرحيم

بنية الظهور واركانها وضوابطها/ مبحث المفاهيم/الالفاظ

الموضوع: الالفاظ/ مبحث المفاهيم/بنية الظهور واركانها وضوابطها

 

وصل بنا المقام الى مبحث المفاهيم في مباحث الالفاظ ووقع كلام الاعلام في تفسير هذا المصطلح (المفاهيم) لان مرادهم من المفهوم مصطلح خاص غير المعنى اللغوي وان كان يستعملون أيضا عنوان المفاهيم بمعناه اللغوي لكنهم ههنا يستعملونه بمصطلح خاص.

بهذه المناسبة دخلوا في ضوابط بنية الدلالة والظهور وهذه الضوابط في الحقيقة اهم بكثير من اصل مبحث المفاهيم وان كان ظاهر كلامهم أنها مباحث روتينية في علم الأصول لكنه بالدقة هنا مبحث دقيق مثمر.

مثلا بحثوا في ضابطة الدلالة اللفظية التي تندرج في الظهور وهذا مبحث حساس جدا في حجية الظهور. وبحثوا في ضابطة هذه المسألة من المسائل الأصولية اللفظية او المسائل الأصولية العقلية وما الفارق بين القسمين من المسائل كما سيتضح عما قريب.

لذلك أعطوا ضوابط في الدلالة اللفظية وفرقها عن الدلالة العقلية وان ذكر السيد الخوئي وجماعة انها لا ثمرة فيها. وسنرى ان المبحث في غاية الأهمية واهم من مباحث المفاهيم برمته. وبالمناسبة بحثوا عن دلالة الايماء والتنبيه والاشارة والاقتضاء أربع أنواع هل هي دلالة لفظية او عقلية.

منهج لتفسير القرآن يسمى بالتفسير الاشاري أي يفسر القرآن بلحاظ الإشارات وهذه الدلالة بالاشارة حتى في الروايات والاستنباط. يأتي ان العبارة للعوام والاشارة للخواص واللطائف للاولياء والحقائق للانبياء.

مثلا ابن سينا سمى كتابه في العقليات بالتنبيهات والاشارات. فهذا المبحث في انه ما هي الأسس في الظهور الذي هو حجة وما هي بنيته؟ لما مر بنا في بداية هذا المبحث فيه جدل قوي علمي بين الاعلام انه هل من الضروري ان يكون الظهور عرفيا في الاستنباط سواء في الفقه او المعارف او التفسير او بقية العلوم الدينية ام لا؟ او الظهور من اللازم ان يفهمه بقية العلماء او لا؟ مثلا ستة قرون او اكثر الروايات الواردة في الوضوء «لا تنقض اليقين بالشك» لم يلتفت فحول العلماء انها واردة في الاستصحاب وبعدهم والد الشيخ البهائي التفت ان الروايات واردة في الاستصحاب وانقلب البحث في الاستصحاب من القرن العاشر من كونه سيرة عقلائي الى ان يبحث بحسب النصوص والروايات. من هذا القبيل قواعد كثيرة استنبطها المتأخرون وغفل عنها المتقدمون. والمتقدمون لم يكونوا مجتهدين وفقهاء عاديين بل كانوا من الفحول. وعدم تنبههم لا يجعل الأدلة غير حجة. أصلا مسير الاجتهاد هو هذا. ان الفقهاء يفتقون ويفصلون المسلمات المجملات بأمور كثيرة. ويختلف عن البدعة. ان البدعة ان يكون خلاف الضرورة او ان يكون بلا دليل. اما اذا استند الى دليل ولا سيما اذا استند الى مسلمات مجملة عند المتقدمين ولكنها تفصل عند المتاخرين فهذا نوع من احياء لمسلمات الدين بشكل مفصل. فهذه القضية حساسة وان ضابطة الظهور ما هي؟ المتاخر استنادا الى الشواهد والمسلمات والأدلة استخرج منها ما لم يستخرجه او لم يتنبه اليه فحول المتقدمين. هذا لا يخرجه عن الضوابط والظهور. فليس كل غريب شاذ وليس كل جديد بدعة. لو كان البدعة مجرد الاختلاف في الأنظار والآراء والأدلة لبدع كل مجتهد الى آخر. لانهم مختلفون في الاستنباط.

الدقة في المواد وكيفية الاستنباط يغفل عنها الكثير. مر بنا في مسألة النهي عن العبادة ان الميرزا النائيني استظهر ضرورة عند الاعلام والحال انه نفسه بعد مباحث كثيرة لم يسلم بهذه الضرورة مثل ما ادعاها. تارة استظهار الضرورة والتسالم أيضا فيه كلام. يستظهر الاجماع وليس اجماعا. يعني استنبط الاجماع استنباطا لا انها اجماع صريح وبديهي ومسلم. وقد يستظهر فقيه بالبداهة ويتبعه أجيال من الاعلام لكن لما تراجع الأدلة ترى ان الرأي ليس في محله. من هذا القبيل كثير. لذلك التدقيق في المواد امر هام جدا.

عبارة قرأتها منذ ثلاثين سنة في المستمسك وهذه الأيام دققت فيه ورأيت ان السيد يذهب الى غير ماهو منسوب اليه. اذا تراجع مع الدقة في العبارة ترى غير ما هو فهمتها. لذلك التدقيق جدا مهم.

اذا قضية الضرورات والتسالمات واستظهارها لابد فيها من التمعن والتدبر.

فبنية الظهور ما هي؟ عرفية الظهور ما هو معناها؟ يؤكدون ان الظهور لابد ان يكون عرفيا والحال انه نفس الاعلام بينهم تفاوت ودرجات في الاستظهار.

صحيح ان حجية الظهور محمولا بديهي اجمالا ولكنه ما هو الظهور؟ ماذا ضوابطه وآلياته؟ ناقشنا مرات وكرات في الدورات الأصولية لكن مع ذلك نثير زوايا أخرى جديدة فيه ومهمة.

احد النقاط التي يجب ان نلتفت اليها هو الفرق بين قدرة العرف على الاستظهار وبين ان يقال ان العرف صندوق ووعاء وحافظ لعلوم اللغة. هذا شأن آخر. هل المراد من الظهور العرفي هو المعنى الثاني او الأول؟ ان الظهور العرفي بمعنى ان العرف صندوق ووعاء لعلوم اللغة لا ان الظهور بقدرة العرف. بين البعدين بون بعيد.

قد يستخرج فقيه واحد معاني خارجة عن قدرة العلماء فضلا عن العرف. يقول الإمام الباقر عليه السلام في ذيل سورة التوحيد لفظة الصمد «لو شئت لاستخرجت الدين كله والشرائع والمناهج من لفظة الصمد» ليس الاستخراج من البديهيات والمحكمات في القرآن والسنة بل الاستخراج من لفظة الصمد. هذا لا يخرجه من الظهور. مثلا ان العلامة الحلي هو اول من استظهر ان الروايات الواردة في نزح البئر محمولة على الاستحباب او ارشاد الى كيفية تطهير البئر. وهو خالف كل من هو قبله من المحقق الحلي والطوسي والسيد المرتضى. لكن خالف استنادا بالشواهد واستظهر ما لم يستظهروا. يعني في القرن الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع قريب أربعة قرون سيرة عملية عند كافة المؤمنين جارية على ان البئر ينفعل بمجرد الملاقاة ولزوم النزح. مع ذلك يأتي العلامة الحلي ويقوم بالشواهد والأدلة ويخالفهم. كون السيرة كذا وكذا لا تجعل الامر خلاف ضروري الدين. وامثلة كثيرة من هذا القبيل.

المقصود ما هي ضابطة الظهور؟ بعض الأحيان المجلسي الأول رحمه الله يقول عدم تدقيق الكبار في مواد علم الحديث يسبب الاستظهارات لا صلة لها بواقع الأدلة. يعني مراجعة يسيرة الى مواد علم الحديث الموجودة في المصادر الاصلية القديمة يسبب تغيير الحكم.

المقصود ان الظهور العرفي يستند الى قدرة العرف او قدرة العلماء في الاستظهار او يستند الى العلوم اللغوية التي يحملها صندوق ووعاء العرف وبين الامرين بون شاسع.

نقلت فتوى للسيد محسن الحكيم قبل سبعين سنة ونشرت في مجلة الأضواء وطبعا جملة من الباحثين ناقشوا ووجدنا كثيرا من الفقهاء ان الذي كتب الفقهاء في باب فلان ليس كل ما يقولون في ذاك الباب بل هو بعد من ذاك الباب والابعاد الأهم ما تطرق لها الاعلام. يقول السيد محسن الحكيم بجزم.

فما هي ضابطة الظهور؟ شواهد كثيرة على ان المراد من الظهور هو المعنى الثاني والا ان العرف ليس لديه ان يستخرج كل معاني ظاهرة في القرآن. ترصيع وتركيب القرآن الكريم اعجاز يعني لا يصل اليها قدرة العرف. ولكنه يستند الى العلوم اللغوية. هذا برهان واضح ان الظهور ليس له صلة بقدرة العرف بل له صلة بالمعادلات الموجودة في علوم اللغة. من المعادلات يمكن ان تتركب معادلات الى ما لا نهاية له. المعادلات شبيه بشبكة خوارزمية ولا تصل الى حد. فيعجز عنها البشر والكامبيوتر في واقعها.

سبق ان ذكرنا شواهد كثيرة من النقد الادبي في الجاهلية والناقد الادبي يكون اكفأ واقوى من اشعر الشعراء. الشاعر ينشأ الشعر لكنه لا يفهمه كل زوايا من الشعر تفصيلا وان يفهمه ارتكازا. والناقد الادبي يفهمها. وبين النقاد درجات من القوة. اذا نقول ان هذا الظهور الذي فهمه الناقد الادبي من هذا الشعر لايفهمه الشاعر تفصيلا وان يفهمه ارتكازا.

كذلك ما تسالم عليه كل البشر ان المقر يلزم باقراره ولو بعشرين واسطة ولو هو غافل عن هذه اللوازم. وهذا أيضا مسلك عرفي ومرتبط بعلم المعاني لا علم البيان.

وهناك شواهد أخرى في ان الظهور هو المعنى الثاني.

يبقى هذا المطلب ان هنا الاعلام قالوا ضابطة الدلالة اللفظية ان تكون بينة وسيأتي تعريفها. وهو مبحث مهم واهم من مباحث المفاهيم في الحقيقة. مباحث بنيوية جزرية. مرتبط بكل مباحث الالفاظ وحجية الظهور والمنهج في التفسير والفروع والعقائد وكل العلوم الدينية.

هل يمكن القبول من الاعلام أن الدلالة اللفظية هي دلالة تكون بينة؟ ان لم تكن بينة فلا تكون لفظية بل يعبرون عنها الدلالة العقلية. هذا بحث حساس. وان كان الاعلام ههنا أيضا ذكروا ان تسميتنا للدلالة انها عقلية وغير لفظية لا يسقطها عن الحجية. هي حجة لكنها ليست لفظية. السيد الخوئي يقول ما فيه ثمرة لانها بالتالي حجة. بل فيه ثمرة لانها ان كانت لفظية لابد ان تخضع لضوابط الدلالة اللفظية وان كانت عقلية فلها ضوابط عقلية خاصة. فالدلالة اذا استندت الى اللفظ فمجرد استنادها الى اللفظ لا يعني انها لفظية. هكذا عند الاعلام. بل لابد زيادة على ذلك ان تكون بينة. سواء عند بعضهم البينة بالمعنى الأخص وعند بعضهم مطلق البينة.

logo