46/08/25
حدود دائرة الظهور في الدلالة اللفظية
الموضوع: حدود دائرة الظهور في الدلالة اللفظية
كان الكلام في ان بنية الظهور -الذي قيل انه من أبده الحجج وجعله الميرزا النائيني رحمة الله عليه من الحجج البديهية المفروغ عنه- ما هي دائرته؟ هل هي دلالة لفظية؟ وما وراء الدلالة اللفظية ليس بظهور؟ هل الدلالة اللفظية التي تحدد دائرة الظهور تنحصر بالمطابقية ولا تشمل الدلالة الالتزامية؟ هذه الدلالة والظهور بالدلالة اللفظية مقيدة بان تكون بينة بالمعنى الأخص او الاعم؟
قد يستظهر من كلام النائيني هنا في المقام او غيره من الاعلام لكنه لا ريب انه لا يمكن الاخذ بظاهر كلامهم لأنهم عملا عندهم الظهور مع هذه الفذلكات والمنتجات الصناعية في الدلالة كثيرة في مباحث الالفاظ ومباحث التعارض فلا يمكن دعوى ان مقصودهم هذا. لان الدليلين المنفصلين كلها دلالات لفظية ولملمة هذه الأدلة أيضا لفظية ولا تخرج من الدلالة اللفظية. قد يكون هناك لملمة عقلية ومعالجة عقلية ومعالجة صناعية علمية قطعية غير لفظية لكن بالتالي هي في كثيرة من الموارد في تركيب مجموع الدلالات اللفظية المنفصلة لا تخرج عن كونها دلالة لفظية مع انها ليست دلالة بينة بالمعنى الأخص او المعنى الاعم. بالتالي حصر الدلالة اللفظية في البينة لا يمكن التعويل عليه لا عند البلاغيين ولا عند علماء الأصول والفقه والتفسير. حصر الدلالة اللفظية بالبينة ولو بالمعنى الاعم لا يمكن التعويل عليه.
نعم هنا الدلالة اللفظية المجردة عن القرائن المنفصلة بحث اخر مع ان الميرزا النائيني يختلف عن اخوند لانه عنده الدليل المنفصل والقرينة المنفصلة يتصرف في ظهور الدليل ذي القرينة ولا يبقيه على حاله في الظهور وبنية الظهور. فلابد ان يحمل كلامه على تحديد نسبي او وصف نسبي او ما شابه ذلك والا هو يقول انه لو كان عشر منفصلات تتصرف في المتن كلها عناصر مكونة لبنية الظهور نفسه.
لكن الاخوند يقول في الظهور الاستعمالي او التفهيمي القرائن المنفصلة لا دور لها وانما القرائن المنفصلة لها دور في الظهور الجدي والحجية. بالتالي أيضا نفس الكلام. الظهور الجدي وآخر المطاف هو الذي يكون حجة.
نعم اذا أراد الدلالة التصورية فهو لا يتأثر بالقرائن المنفصلة لكنه عند النائيني القرائن المنفصلة تؤثر في الاستعمالية فضلا عن التفهيمية والجدية.
الاخوند عنده ان الأدلة المنفصلة لا تتصرف في البنية الاستعمالية والحق مع الاخوند ان بنية الظهور الاستعمالي لا تتأثر بالقرائن المنفصلة. لكن الظهور الجدي لا بد ان تلاحظ مع القرائن الجدية.
بالتالي الظهور الجدي نشترط فيه ان يكون بينا بالمعنى الاعم ليس بمسلم لا عند علماء علوم اللغة ولا علماء الأصول والفقه. من ثم التعويل على الصريح او مثلها لا منطق لها. المهم ان الظهور لابد ان يستند الى مواد دلالية مرتبة ضمن قواعد علوم اللغة او علوم أخرى تشكل الظهور. لان المتكلم لا يعتمد على قرائن علوم اللغة بل يعتمد على قرائن علوم أخرى كما مثلنا ان الائمة تعوّلوا على قرائن تخصصية بموضوع الهلال او موضوع الكر او المسافة والسرعة والزمن. يعني بحسب الأبواب الفقهية كل موضوع له علوم تخصصية والائمة ربما يعتمدون على قرائن من تلك العلوم التخصصية ومن يعلم تلك العلوم بالنسبة اليه تلك القرائن واضحة ومسلمة.
مر بنا ان الوضوح ليس يستند على قدرة فهم الطرف الآخر ولا على العرف النوعي بل يعتمد على منظومة قواعد علوم اللغة ومنظومة قواعد العلوم الأخرى. يعتمد عليها الشارع في مقام الجد او التفهيم. بالتالي كل هذه الموارد قرائن. فحصر دلالة الظهور بالعرف الساذج وغير التخصصي او العرف اللغوي العام الذي يقدر على فهمه لا دليل عليه وغير سديد. لا عند سيرة أبناء اللغة ولا عند سيرة علماء العلوم اللغوية ولا عند سيرة علماء العلوم المختلفة الدينية. الكلام اشبه بمن يريد ان يكون منهجه حشويا. باب الظهور باب واسع كبير.
من ثم ندرج التأويلات مهما كانت خفية في الظهور بهذه الضابطة ان الظهور اعتمد على قرائن بحسب علوم اللغة او بحسب العلوم المختلفة او بحسب قواعد تلك العلوم هذه القرائن واضحة لكنه ظهور نسبي يعني بالنسبة الى المطلع واضح خلافا لغير المطلع
ذكرنا شواهد عديدة في الجلسات الأخيرة ونقلنا هذه الشواهد ولانعيد. بالتالي الظهور كبنيان منظومي أوسع من قدرات العلماء والفقهاء والمتكلمين والمفسرين. لانه لا يعتمد على ادراك المستظهرين او قدراتهم في الفهم وانما يعتمد على بنيان منظومة العلوم اللغوية او العلوم الأخرى.
لا سيما ان الظهور الجدي قد يتعدد الى مراتب وكلها يندرج في الظهور الجدي والصحيح بما بيناه وربما نزيد عليه في مباحث الالفاظ او الحجج ان بنيان الظهور المرتبط بواقع الالفاظ هو اشبه بموجودات واقعية تكوينية وصل اليها من وصل ولم يصل اليها من لم يصل
كما في بيان سيد الأنبياء في حجة الوداع: رب حامل فقه الى من هو افقه منه. مما يدل على قدرة الفهم تختلف. وهذا نشاهده في بيانات اهل البيت في القران انها الى الان يعرض عليها نتيجة عدم الانفتاح على الروايات كثير من المفسرين من الامامية او غير الامامية يغفلون عن نكات في الايات وهي موجودة في منصة ظاهر اللفظ الا انهم يغفلون عنها بينما المعصومون ينبهون عليه.
ذكرت هذا المطلب مرارا ان روايات اهل البيت التي تسمى عند كثير من علماء الامامية تأويلية بالدقة هي تعالج النص الظاهر لكن يغفل عنها. وقد بنى على هذا المبنى ان روايات اهل البيت جلها تعالج بنية الظاهر المرحوم الراوندي في فقه القرآن. الى درجة ان السيوري في كنز العرفان في مبحث المحارب باعتبار ان دأب الراوندي ان يتصيد من روايات اهل البيت من اين انتزعوا المعنى للآيات. طبعا هو اديب جزل. الروانديان السيد والشيخ عالمان كبيران نسب اليهما كتب وسواء ان ننسب فقه القرآن للسيد ا والشيخ فهما عالمان كبيران. الراوندي يحاول ان يستخرج بالتنبيه من الروايات الواصلة عن اهل البيت عليهم السلام الى مناشئ المعنى في بنية اللفظ الوارد في الآيات. مثلا في اية المحارب يحاول ان يستخرج كل الاحكام التي وردت عن اهل البيت. مقداد السيوري في كنز العرفان يقول ان هذا افراط من الراوندي وهذا تكلف. هذا الكلام ليس صحيحا. وان كان السيوري تلميذ ابن العلامة الحلي وكان فحلا عالما لكن لا يعني انه وقته ما كان ضيقا عن التدبر فيما تدبره الراوندي. قد يلتفت العلماء الى نكتة بعد ثلاثين سنة من المحاولة في الفهم. هكذا قدرة الانسان وهو بشر يغفل ويسهو.
نقاش ابي حنيفة مع الامام الصادق لما بين سلام الله عليه دلالات في آية. قال: يابن رسول الله كاني لم اسمعها من أحد. قال بلى سمعتها ولكن لم تعقلها.
التعقل رؤية العقل للمعنى. والانسان لما يحبس ولا يلتفت لا يفهم المعنى. فاذا ان الصحيح ان الروايات الواردة في ذيل الايات ليست تعبدية تأويلية. بل كلها او جلها اذا تدبر الانسان يفهم انه من بنية الظهور. ربما يجهد العلماء نفسه في كلمات المفسرين لكن لا يلتفت الى الروايات من انها تعالج الظهور. مشكلتهم انهم رأوا ان الروايات تعبدية. قال الامام عليه السلام لزرارة: ان تعجبت عن شيء ذكرت لك فاسألني عن مكانه في كتاب الله. او كما يقول امير المؤمنين : من عرف حقنا من القرآن زالت الجبال ولم يزل ايمانه او من عرف حقنا من القران لم يلتبس عليه الأمور.
حري ان يمتحن الانسان نفسه انه هل يمكن فضيلة من الفضائل الموجودة المتواترة او مستفيضة او المتعبرة في بيانات الروايات هل يستطيع ان يستخرجها من القرآن. انا تلمذت من احد المجتهدين رحمة الله عليه من تلاميذ الشيخ حسين الحلي والسيد الخوئي عنده كان هذه النظرية ان الفقيه كل الفقيه سواء في التفسير او الكلام او الفروع هو الذي يستطيع ان يحاذي بين أي من روايات اهل البيت وان لم تشر الى الآية من الايات. لان احد معاني المعية انهما وجهان لحقيقة واحدة. لن يفترقا يعني حتى في الحقائق والمعاني. هو اخذ على نفسه الف دورة في التفسير ولم يكمله ان كتاب الكافي من بدايته الى نهاية المجلد الخامس ما من رواية الا و حاول ان يصطادها من الآيات والف دورة تفسيرية فيه. وتلمذت عنده كثيرا في التفسير. المقصود وجدت عند بعض المعاصرين هذا المبنى وهذا المبنى في نفسه صحيح. ان الروايات التي لا تتعرض الى الآيات حتما موجود في الآيات والمفاد الموجود في الآيات حتما موجود في الروايات لكنك انت لم تجدها. في الروايات الواصلة. المقصود ان هذه المعاني ذات الأفق الواسعة في الظهور والظهور وسيع ذا موازين.
هذا مسيرة الاجتهاد الف سنة عند علماء الامامية يعني ان المتون الدينية يمكن ان تستخرج منه نفسه كثيرا من العلوم. وهذا وصف القرآن بنفسه «ما نفدت كلمات الله» وهو كلام النبي صلى الله عليه وآله ان القرآن حبل ممدود يعني غير مقطوع وهو لانهاية له. طرف منه عند الناس يستفيدون منه شيئا فشيء وطرف منه عند الله ولا متناهي. بالتالي هذا المتواتر من بيانات القرآن وبيانات حديث النبي والال ان متون القرآن والوحي بحر لا ينزف وله سبعين بطنا. يعني شيء مترابط بالدلالة لا انه بعيد.
ذهب الى هذا المبنى ملا شريف الفتوني جد صاحب الجواهر. وغيرهم من الاعلام. ولعل المجلسي الأول كان عنده هذا المبنى. انهم يتعاملون مع روايات اهل البيت تعامل التعبد بمعنى اننا لا نفهم منشأه. مع انا نفهم منشأها بتعليم اهل البيت.
بقية قضية دلالة الإشارة والتنبيه والايماء والاقتضاء اربع دلالات تعرض لها علماء البلاغة والأصول وقالوا بحجيتها وان التحاور العرفي واللغوي قائم عليها. ولكن الان الجو الموجود لا يريد ان يعترف بحجيتها. عكس مشهور اللغويين والاصوليين.
لابد ان نقف عنه