« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

المنهج الحشوي والمنهج الاستنباطي في الدلالة

الموضوع: المنهج الحشوي والمنهج الاستنباطي في الدلالة

كان الكلام في تعريف المفهوم في مقابل النطوق وفي المفاد المطابقي في مقابل المفاد الالتزامي.

هذه التعاريف في كلام الأصوليين من الفريقين او البلاغيين ليست متطابقة. كل يعرف هذه العناوين بنحو غير الآخر.

دلالة اللفظ لها درجات في الظهور والخفاء وبالتالي هذا يصب في ان بنيان الظهور الذي هو حجة وبنيان الدلالة يتحدّد بأي تقدير؟

من باب المثال في التعاريف: بعض الأصوليين من العامة عنده ان كل الاستنتاجات والاستنباطات التي يقوم بها المجتهد و الفقيه مهما توغلت في النظرية والغموض وربما هو يلتفت اليه والآخرين لا يلتفتون اليه فيندرج لديه في دلالة الايماء والتنبيه والاشارة.

المظفر شيئا ما أشار الى هذه الدلالة ومختلف فيها بين البلاغيين والاصوليين ان هذه الدلالات الثلاث ودلالة الاقتضاء من الدلالات اللفظية او العقلية؟

حري ان يكتب باحث في هذه الأربع من الدلالات لانه بحث في بنيان الظهور. بعض التفاسير للقرآن الكريم يعبر عنه بالتفسير الاشاري، يعني انه يعتمد على دلالة الإشارة ويقال الإشارات القرآنية والايماءات القرانية والتنبيهات القرآنية. حتى ابن سينا عبر عن كتابه في الفلسفة بالاشارات والتنبيهات.

المجتهد والفقيه عندما يفتي يسند الحكم الى الشارع. يعني انه يخبر عن الشارع. أي نوع من الإخبار هذا؟ ما هو المفاد المخبر به؟ هل الشارع أخبر به بنفس اللفظ؟ ليس بنفس اللفظ لكن اخبر به بالمعنى وليس افتراء ولا كذب. (آلله أذن لكم ام على الله تفترون) هذا المعنى صدر من الشارع. هل المعنى بحده صدر او بالمعنى الكلي الذي تولد منه صدر؟

ما معنى الصدور؟ صدور اللفظ الخاص او صدور المعنى بحده او المعنى بالمعنى الذي فوقه؟ اذا هذه المباحث مع مسلك الحشوي والقشري والجموي من الأصوليين والاخباريين يعتبرونها هلوسات.

احد إشكالات الاخباريين على الأصوليين انكم تنسبون للشارع معاني والفاظ لم يصدر من الشارع.

فالمعنى فيه طبقات. المهم ان توالد المعاني يكون منضبطا.

حجية الصدور. ما معناها؟ هل الصدور بمعنى سماع اللفظ ومعناه؟ فكيف يتولد التواتر المعنوي؟ او تريد المعنى لا بحده. فيه تواتر لفظي وفيه تواتر معنوي وفيه تواتر اجمالي واحد معاني التواتر الإجمالي يعني ان هذا صدر بالمعنى الإجمالي الذي يستولد منه هذا المعنى. بالتالي الدلالات درجات. هل هذه الاستيلاد ولادة عقلية او عرفية او ولادة من الظهور لفظية او ولادات أخرى؟ فهذه أبحاث لم يثيروها الأصوليون بكاملها في مبحث الحجج بل اثاروها متوزعا في الأبواب. لكنها مرتبطة ببحوث الحجج.

هذه الظنيات من شئون باب الالفاظ. لاحظ علم المعاني في البلاغة وجعلوه العلم الأول في البلاغة والعلم الثاني هو البيان والثالث هو البديع وهو الديكور اللفظي.

نفس المعنى في نفسه جعلوا له الصدارة. لا يحتاج في علم المعاني بالالفاظ بل ينطلق من المعنى الى المعنى ويبحث فيه عن خصوصيات وشئون المعنى.

علم البيان بينا بين يعني بين اللفظ والمعنى الأول والثاني والثالث. بالتالي الانطلاق من اللفظ. لكن المعاني يعني اطر وقوالب وحدود المعاني ومباحث غامضة ودقيقة عقلية. عندما يراجعون كتاب المطول في علم المعاني مباحث دقيقة وترتبط بشئون اللفظ ومعركة اراء بين البلاغيين.

فالبحث في بنية الظهور والدلالة ليس كما يتوهمه هؤلاء الجموديون والحشويون من الأصوليين او الاخباريين من الفريقين. طبعا لابد من الانضباط والقواعد والضوابط. هم يبنون على ان التشريع على اللفظ بحده. هذا ليس استنباطا بل هو راوي ويفتي بالرواية لا بالفقاهة. لا الآية الكريمة تقبله ولا الروايات. (لينفروا) يعني رووا و(ليتفقهوا) يعني الفقاهة والفهم. حتى آية النبأ (تبينوا) أي تثبتوا.

ذكر الاصوليون خمس مسائل في الالفاظ وهذه الاحكام العقلية غير المستقلة لا تنحصر بخمس. بحوث الظهور اذا فيه دلالات عقلية كلها احكام عقلية لكنها غير مستقلة والباب مفتوح.

سندخل في مفهوم الشرط وعناصر أربعة او خمسة وكل هذه العناصر عبارة عن تحليل دقي عقلي. وهذا هو الذي ذكرنا الان ان الانسان ربما يستظهر بالتحليل الدقي العقلي ذو مراحل كثيرة وربما يستظهر بالحدس الإجمالي. لكن الحدس الإجمالي أيضا هو تراكم معلومات وسرعة في الاستنتاج. كالذكاء الاصطناعي. فاذا مسلك الحدس الإجمالي لا ما يقال انه بحث حدسي لا منشأ له ومجرد استذواقات. اجمالا المقدمات والصغريات والكبريات بنحو تراكمي او بنحو اجمالي او بنحو تفصيلي لها دور في الاستنتاج اعدادا او قوة. بالتالي تراكم المعلومات يزيد في النور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء. كسب العلم مؤثر بلا ريب. ربما يكتسب الانسان علما لا يكتسبه اهل البرزخ او اهل القيامة او اهل الجنة. ما له ربط بالبدن. بل يرتبط بالتعقل وهو فوق الجنة والقيامة.

اذا عالم الدلالة فيه انضباط وموازين. هذه البحوث النظرية في علم الأصول وتراكمات استدلالات ومقدمات والكل يخوضون فيه ولا يقولون انها هلوسة. والمحققون من الاخباريون يغوصون.

بعض العامة يقولون ان كل استنباطات واستنتاجات في الحقيقة عبارة عن الغوص في الدلالات الخفية. لذلك نفس العلماء يتفاوتون ويتخالفون بين النتيجة بينما الأدلة هي نفسها بسبب التفاوت بينهم في قدرة الالتفات الى الزوايا وقد يلتفت واحد من زاوية والأخر من زاوية ثانية والأخر من زاوية ثالثة يعني ان البحوث العلمية ليس افقها محدودا. مثل ان يكون مسألة رياضية لها ثلاث حلول من زوايا عديدة. على كل هذا باب عظيم.

فالبحث عن الدلالة الحجة إما دخلت في الدلالة اللفظية المحضة او في الدلالة العقلية غير المستقلة. هذه الدلالة الممتزجة بين الدلالة اللفظية والعقلية هل تدرج في الدلالة العقلية او الدلالة اللفظية؟

احد أبحاث المسيرية الغامضة في علوم الشريعة ان التأويل هل يندرج في الظهور او غير الظهور؟ مثلا من باب المثال: لماذا جانب الادب وعلوم الادب واللفظية تعجز البشر؟ القرآن معجزة في البلاغة ومعجزة في العلوم الكثيرة واحدها بلاغة والبلاغة كما مر ليست ديكور لفظي محض. هذا علم البديع واحد علوم اللغة. علم المعاني لا ربط له تركيزا على اللفظ بل بالذات يركز على المعاني. انما اللفظ وسيلة للوصول الى المعنى ثم ينطلق من المعنى الى المعنى. بالتالي لما يكون القرآن معجزا فيكون فوق قدرة البشر. فهو قطعا يستخدم قواعد علوم اللغة لكن يستخدمها بقدرة لا يستطيع ان يستثمرها البشر. حينئذ لم ينفوا هذه المعاني التأويلية من القرآن من علم اللغة.

هذه جدلية سبق ان مرت بنا ان جملة كبار من الاعلام يعتبرون ان حجية الظهور تدور مدار قدرة العرف في الفهم. هذا خطأ كبير. ما ربط للظهور بقدرة الظهور والا القرآن خرج من الظهور وخرج من الاستعمال العربي. (انزلناه حكما عربيا) قدرة العرف وقدرة فهم العرف ليست ميزانا. بل العلوم التي يحملها العرف هي الميزان. ولا نخلط بين قدرة العرف على استثمار تلك العرف وبين نفس العلوم.

مثلا العلوم التي نشأت جديدا مثل التكنولوجية والنانو والرياضيات العديدة والحيوية الكيمياوية والفيزيايية والعلوم الخطيرة جدا. القواعد الموجود قديما تنتج هذه العلوم الجديدة لكن البشر آنذاك ما كانت لديهم قدرة لاستخراجها. فتطورت شيئا فشيء. والان استخرجوها والان صارت بديهية لديهم. فالبداهة بلحاظ العلم انفسه والأدلة والمعلومات نفسها.

السيد المرتضى لما يقول ان الامامة من اصل الدين وضروري الدين بحسب ذات الأدلة لا بحسب اذهان البشر. ليس البشر معيارا لها. اذهان البشر يمكن ان يشاغبها أمواج كثيرة. المقصود ان الضروري بحسب العلم والبديهي بحسب العلم شيء والبديهي بحسب الاذهان شيء اخر.

هذه العلوم من الرياضات يمكن ان يتعلم منها اسرار ما وراء والبشر ليس عندهم قدرة لاستخراجها. لا يعني انها ليست موجودة بل موجودة لكن عالم التكوين لا يختلف. استخراج البشر يختلف في الازمان.

هكذا بالضبط في علم اللغة. لا انه يحبس في قدرات الفقهاء او قدرات العلماء قدرات العرف. انما يتحدد بنيان الظهور بحسب علوم اللغة. علوم اللغة أيضا في حالة التنامي. الان كانما العلوم اللغة صار فيها افول والحال انها لازم ان يتطور وتقوي. لانها مرتبطة بلسان الوحي.

اذا لا نرهن ولا نوكل الظهور بقدرات الاذهان. ولها شواهد كثيرة عديدة.

كلامنا في واقع الحكم والمعلومات ولا ربط له بالتكليف والتعذير والتنجيز. لا نخلط بين عالم التكليف والتعذير والتنجيز وبين عالم الحكم نفسه. هذه المراحل مختلفة عن بعضها البعض. بعض شئون الصلاة لم تشرح حتى زمن الامام الحسن العسكري عليه السلام. وحتى أصحاب الامام الصادق عليه السلام ما كانوا يعرفونها. بعض احكام الصلاة لم يفقهوها أصحاب الصادق عليه السلام بل فقهها أصحاب الامام الحسن العسكري. البيان تدريجي. لا معنى لو يقال: لو كان لبان. التدريج في العقول والتدريج في البيان. هذا المنهج يخالف دور اهل البيت. فما معنى لدور اهل البيت. سلمان لا يتحمل قطعا ما يتحمله الامام الحسن العسكري. ولو كان في زمن الامام الحسن العسكري يتفاجئ بامور واحكام لم يكن يعلم بها. هذا يعني ضرورة الامامة. لازم ان يوضح الدين تدريجا. البيان التدريجي باقي الى يوم القيامة. يأتي صاحب العصر والزمان بأحكام لم يفقها الفقهاء.

كما يقول رسول الله لأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما: الدين متين فأوغل فيه برفق. يعني ان الدين عميق.

دين الله لا يصاب العقول القاصرة يعني ان الدين لا يحدد بالعقول لان العقول محدودة.

هذا بحث جدا مهم لا هو إفراط ولا هو تفريط لكن يحتاج الى الموازين والضوابط.

 

logo