« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

بين النظام الديني والنظام المدني/ النهي عن العبادة والمعاملة (38)/النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادة والمعاملة (38)/ بين النظام الديني والنظام المدني

 

كان البحث في كلام المرحوم العراقي من ان التشريع والتقنين غير المنسوب الى الشارع لا تشمله ادلة حرمة التشريع او البدعة، لأنه لا ينسب ولا يسند الى الشارع.

كثير من البحوث العلمانية (مع احترامنا للمرحوم العراقي) عند الحداثويين المبرر لهم أطروحة القوانين الوضعية او البشرية ان هذا ليس تدخلا في مسار الدين ومنظومة الدين وانما هو بحسب توافقات اجتماعية او ما شابه ذلك وبالتالي ليس تصرفا في الدين ولا منابذة به. بل كل في سبيله.

مر بنا انه لا سيما مع ان الشارع في جملة من الموارد امضى التقنين العقلائي ومر سابقا ان هذا التقنين لا يقتصر على التقنين المعاصر للشارع بل هذا القوانين الامضائية تتسع للتقنينات المستقبلية للعقلاء بالضابطة التي حددها الشارع. فان هناك تخويلا.

هذه البحوث بحثها الاصوليون في مبحث الحجج في السيرة بذريعة البحث عن حجية خبر الواحد او الظهور او بعض الامارات العقلائية فبحثوا هناك بهذه المناسبة اصولا فوقية حول السيرة العقلائية ومقصودهم من السيرة العقلائية أي التقنين العقلائي وبهذه المناسبة توسعوا في هذا البحث. وكل اخذ زاوية معينة منه وبالتالي بحثوا في أصول فوقية حول العلاقة بين نظام التقنين العقلائي والتقنين الشرعي.

فجماعة توصلوا الى هذه النتيجة: ان الأصل في التقنينات العقلائية ان لم تردع فهو ممضاة والبعض وسعوا اكثر من ان المراد كفاية عدم الردع في الامضاء أي لا نحتاج الى امضاء وجودي خاص بل يكفي عدم الردع وعدم النهي وعدم الزجر.

شبيه المرأة في الزواج ان سكوتها رضاها. السكوت يعني عدم الرفض وهو كاشف عن الرضا. فهم يقولون ان عدم الردع يعني عدم الامضاء فلا نحتاج الى امضاء ملموس.

البعض توسعوا الى ان عدم الردع ليس يقتصر على التقنينات العقلائية المعاصرة للمعصوم وعصر النص. طبعا عصر النص بين الامامية والشيعة وبين المذاهب العامة اختلاف. عندنا عصر النص ليس 26 سنة. أولا عمر النبي صلى الله عليه وآله 63 سنة وكلها وحي وليس خاصا بسن الأربعين. سن الأربعين سن بعثة الرسالة وليس سن بعثة النبوة. بل النبوة منذ ولادته بل منذ كان في بطن امه صلوات الله عليها.

قاعدة في القرآن يغفل عنها المتكلمون ان أي نبي ملزم بالخطوط العامة ويدعو لها ولذلك قام بالصلح بين القريش وكان صلى الله عليه وآله في الكتمان يقوم بامور عظيمة وهو كان امام الأرض امام كل الاولين والآخرين. بيانات موجودة عند اهل البيت تختلف عن المتكلمين تماما. جملة من اطر كلام اعلام الامامية شبيه بأطر رسمية عند الجمهور وهذا ليس بصحيح.

البيانات الموجودة عند اهل البيت نبوة سيد الأنبياء من صلب آباءه وهو نور يتناجى مع نور علي عليه السلام. النور هنا يعني الروح.

المهم: هذا الكلام دخيل في علم أصول. فعصر النص عند الامامية 340 سنة بل على قاعدة اللطف عند الشيخ الطوسي والسيد المرتضى الى يومنا هذا كلها عصر النص بمعنى وان لم تكن هناك نيابة خاصة وسفارة. على قاعدة اللطف التي يقررها الشيخ الطوسي والسيد المرتضى برعاية الامام الثاني عشر عليه السلام.

المقصود ان التقنين العقلائي المعاصر لعصر النص يختلف عن عصر النص عند العامة. لذلك عرض تراث الحديث لدينا وحفظ الحديث وصيانة الحديث عندنا ليس فقط في غيبة الصغرى فقط بل اعظم منها في زمن الائمة عليهم السلام بالكتب التي كانت تؤلف في زمنهم ويعرض عليهم وما شابه ذلك وكانت متداولة.

فالمقصود من امضاء السيرة العقلائية أي التقنين العقلائية ومنظومة نظام القانون العقلائي وهذا البحث من البحوث الثبوتية في علم الأصول وعلم الفقه والقوانين الفقهية وليس من البحوث الاثباتية فقط.

جماعة توسعوا في عدم الردع الذي يدل على الامضاء وقالوا ليس المقصود خصوص القوانين العقلائية المعاصرة لعصر النص بل يشمل المتجددة. لان الشارع لما يأتي بالاوامر والنواهي لا يلحظ عصر النص فقط بل يلحظ كل العصور الى يوم القيامة. وبالتالي هذا نوع من التوسعة.

زيادة على ذلك نضيف ما قاله المرحوم الاصفهاني وقوله سمين جدا. انا في صدد التقنينات العقلائية وهذا كله من بحوث الأصول القانون وحجية التقنين العقلائي.

اضف الى ذلك شيئا ثمينا من المرحوم الاصفهاني حول الارتكاز العقلائي. كما ان السيرة حقيقته التقنين أيضا يفسر المرحوم الاصفهاني الارتكاز العقلائي او العرفي في قبال الارتكاز المتشرعي بالتقنين العقلائي وهذا صحيح. مثلا الارتكاز اللغوي يعني علم اللغة المحفوظ في صدور أبناء اللغة. أي العلم الإجمالي الموجود في حافظة صناديق البشر. المراد من العلم الارتكازي يعني نفس التقنينات ويقال له الارتكاز باعتبار ان التقنين العقلائي على طبقات.

فلما نشاهد سيرة معينة عندنا ننقب عن الارتكاز يعني هذا القانون العقلائي الذي جرى عندهم في الظاهرة الاجتماعية منشأه القانوني ما هو. لان المنشأ القانوني شيء خفي. الجلي هو الجري العملي عند العقلاء لكن هو مستند الى قانون اكبر منه لذلك يسمى الارتكاز. حتى القانون الأسبق اذا ندقق فيه هو يستند الى قانون اسبق اكبر منه وهلم جرا وهناك سلسلة من الأصول التشريعية لدى العقلاء.

يقول المرحوم الاصفهاني ان امضاء الشارع لقانون عقلائي ليس امضاء لهذا القانون الذي يرى فقط. بل هو امضاء لسلسلة طبقات القانون العقلائي الذي انشعب وتوالد الى ان يصل الى أصول دستوري عقلائية وتلك الأصول ليست خاصة بمواليد انحدرت في عصر النص بل يشمل ما يتجدد من مواليد في العصور المختلفة. فامضاء القانون الفوقي امضاء الكبرى وتشمل الصغريات المتعددة. هذا تقريب صناعي جزل متين.

لكن هذا التقريبات اذا ندقق فيها ليست كالطرح العلماني او المدني او الطرح الذي ذكره المرحوم العراقي. هذه البحوث التي ذكرها الاعلام مرتكزة على ان التقنين العقلائي من حيث هو من دون امضاء سوا الامضاء بعدم الردع ا الامضاء الوجودي بدون النسبة الى الشارع لا ملزم للتعاطي مع هذه القوانين. فالصحة ليست للتقنين العقلائي ذاتا بلحاظ ترخيص الشارع وامضاء الشارع. فاذا هذا غير الطرح الذي ذكره آغا ضياء وغير الطرح الذي ذكره العلمانيين. العلمانيين او غيره يقولون ان هذا مسار وذلك مسار وليس البشر ملزمين بان يأخذ اللون الأخضر من الشارع. لو كان الزجر أيضا موجودا لا يعبأون لان هذا الزجر لمن أراد ان يتمسك بالدين لكن الذي لايريد ان يسير مسير الدين فما عليه.

شبيه ما ذكرنا مرارا في الحلول الربوية انها دائما يعتمد على هذا المطلب انه حتى لو ا بطل الشارع عقدا ربويا او غير ربوي فالمتعاقدان لا يتعاطيان بالعقد والتعاقد بنسبته واسناده الى الشارع. هم تراضيا من نفسهما. هكذا تقريب موجود لكنه ليس بسديد. لان المتعاقدين يتعاطيان ويتقابضان ويلزم كل منهما الآخر بلحاظ العقد العرفي والشارع يحذر عن نفس هذا العقد العرفي. لا ان الشرع يحرم العقد الشرعي. «حرم الربا» يعني هذا الربا العرفي ويريد ان يسد عنه الشارع وهو يتدخل. «ان لم تنتهوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله» الشارع له الولاية والتحكم ويتدخل.

هذا البحث يتوسع في النظام السياسي والفقه السياسي من الدولة المدنية في قبال الدولة الدينية. لا معنى له. نعم من باب التقية او من باب الاضطرار هذا بحث آخر. كذلك الاضطرار الذي اسسناه بايدينا بحث آخر. هذا حرام في نفسه ولابد ان يكون كل شيء له صبغة من الدين. الامر الصغير هكذا فكيف بك في النظام الاجتماعي الكبير.

بل الله تعالى في موارد عديدة وصف تقحم هؤلاء الأمم بالتقنين لانفسهم مع انهم لا ينسبونه الى الله تعالى وصفه الباري تعالى بالافتراء. مع انهم لم ينسبونه الى الشارع. قالوا ان ديننا غير دينك يا نبي الله. مع ذلك يقول الله تعالى هو افتراء.

وكذلك تخريجات أخرى من ان هذه صلاحية الله تعالى وكيف تتدخلون فيها وتقتحمون في مساحة صلاحية الله تعالى. «ان الحكم الا لله»

او بتقريب آخر انك لما تقول هذا حرام يعني فيه مفسدة والله تعالى لم يحرمه. فتكذب او توجب شيئا والله تعالى لم يوجبه فانت تكذب بحسب الواقع في نفسه.

فمن و جوه عديدة انعزال التقنين العقلائي عن المسار الشرعي بان هذا ليس تشريعا محرما وان هذا جانب مدني وزواج مدني وقانون مدني لا صحة له وهو فارغ عن الحقيقة. لانا ملزمون بالاخذ بالدين. «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فهو في الاخرة من الخاسرين» وسيما في النظام السياسي «افغير حكم الله يبغون» «من لم يحكم بما انزل الله...» هذه الدعوى فارغة من الحقيقة والصحة ومن الثواب والسداد.

هذا تمام الكلام في هذا المبحث وهو مبحث مهم

المرحوم الاصفهاني يؤكد من انه لابد من ارجاع التقنين العقلائي الى الامضاء الشرعي والاخذ من الشارع. لاحظوا مسار الأصوليين في جوابهم عن الاخباريين. الاصوليون قالوا ان حجية العقل بالدقة وهم لم ينكروا على الاخباريين ما زعم الاخباريون من انه لابد من رجوع المآل الى الدين والشرع. قالوا لابد من ان يرجع الى آلشرع.

الميرزا القمي عنده تقريب لطيف في رده الصغروي على الاخباريين والا كبرويا هم يتفقون معهم في القوانين. كتاب القوانين في الحجج اذا تقرأها الان تقول كانما كاتب عصري كتبها الان في هذا العصر ولغته لغة كلامية ورد شبهات كلامية عصرية في فلسفة التشريع يردها الميرزا القمي بلغة كلامية. لانه كان قويا جدا في علم الكلام. كالشيخ المفيد والمرتضى والطوسي والعلامة الحلي والشيخ جعفر كاشف الغطاء وبحر العلوم امتازوا بالجمع بين العلوم الدينية.

الميرزا القمي في بحث الحجج عباراته عصرية ويدفع شبهات كثيرة. عنده في تقريب الرد الصغري على الاخباريين قال ان العقل البديهي نبوة ووحي فطري ويرجع الى الوحي. هذه قناة نبوية صغيرة. لا نقول ان كل البشر انبياء بل نقول ان هذه الفطرة قناة غيبية وحيانية في الفطريات والبديهيات.

عندنا روايات ان العقل حجة باطنية يعني وحيانية. او التعبير بالرسل. فلاحظ حتى الأصوليين في نزاعهم مع الاخباريين لا يناقشون في اصل الرجوع الى الدين والشرع. «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم» وآية أخرى في سورة المائدة «يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وأمروا ان يكفروا به» سمى كل حكم لا يستند الى الدين والشرع حكم الطاغوت. حتى لو كان مطابقا لحكم الشرع لكن الحاكم لا يأخذ شرعيته من الشارع. سماه الله تعالى حكم الطاغوت. لان السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية خاصة بالله تعالى. طبعا كل هذا البحث بحث السلطة التشريعية ونفسه سلطة القضائية ونفسه سلطة التنفيذية. نفس هذه النغمة بالدقة خلاصة الحكومة الدينية. سلطة التشريعية المحرم وسلطة التنفيذية وسلطة القضائية عين هذا البحث والنظام نفسه والفكرة نفسها. هذا ملخص بحث الحكومة الدينية. سواء في الحكومة الظلية التي أقامها الفقهاء طيلة الغيبة الكبرى وقبلهم أئمة اهل البيت صلوات الله عليهم. هذا تمام الكلام وان شاء الله يقع البحث في المفاهيم.

logo