« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 الفساد العقلي او الشرعي في المعاملات/ النهي عن العبادات والمعاملات (33)/النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات (33)/ الفساد العقلي او الشرعي في المعاملات

 

كان الكلام في النهي عن المعاملات هل هو يفيد الفساد ام لا؟ ومر بنا كلام ابي حنيفة ومدرسته وفي الجملة كلام صاحب الكفاية.

كلام ابي حنيفة كان في ان النهي يقتضي الصحة لانه كيف ينهى عن شيء غير مقدور فلا بد ان يكون مقدورا وصحيحا. ووافقه على ذلك صاحب الكفاية في المسبب.

بينما الميرزا النائيني مختاره ان النهي عن المسبب يفيد الفساد والنهي عن السبب لا يفيد الفساد ولا الصحة. لانه نهي عن شيء مقدور.

بينما السيد الخوئي اختار عدم دلالته لا على الصحة ولا على الفساد.

بيان المختار: فيه تفصيل لكن غير تفصيل الاعلام وهذا التفصيل يعتمد على ان ادلة المعاملات او الايقاعات تأخذ الوجود الاعتباري للمعاملات والعقود في افق اعتبار العقلاء. وأيضا الاعتبار العقلاء يأخذ الوجود الاعتباري عند المتعاقدين. ومر بنا ان فلسفة الدين اصلاح الظواهر الاجتماعية والتقنين العقلائية فلذلك هو يأخذ موضوع دليله المعاملة العرفية. يعني احل الله البيع العرفي. فاذا ينخرط تقنين الشارع وامضاءه في الحقيقة في الجانب العرفي لا انه بعيد عنه. واذا كان هكذا فهو مقدور. يعني الشيء العرفي مقدور وليس يعني الشيء الشرعي فلا يدل على الصحة. النهي عن الشيء لابد ان يكون مقدورا لكن المقدور هو الوجود العرفي لا الوجود الشرعي. وربما في بعض الموارد يشترك الشارع والعرف في النهي عن المعاملات التي يرتكبها المتعاقدان. مثل تحريم العرف للقمار في بعض الأعراف الاجتماعية فيحرمه العرف والشارع هذه المعاملة عند المتعاقدين. «احل الله البيع» العرفي وهو البيع عند المتعاقدين. يعني الموضوعين الطوليين اخذ موضوعا للصحة والبطلان الشرعي. بالتالي الوجود الاعتباري عند المتعاقدين أيضا مأخوذ موضوعا سواء في ادلة النهي او ادلة الامضاء. إما يكون الوجود الاعتباري للمتعاقدين والوجود الاعتباري عند العقلاء معا موضوعا للتحريم والامضاء او يكون الوجود الاعتباري عند المتعاقدين هو الموضوع كما لا يقر العرف بها. فالوجود الاعتباري عند المتعاقدين هو الموضوع بمفرده او بضميمة الوجود الاعتباري المسبب عنه عند العقلاء. اذا هذا مقدور سواء بلحاظ الوجود الاعتباري عند العرف والتقنين العقلاء. او الوجود الاعتباري عند المتعاقدين.

عندما يقال التقنين العقلائي ليس من الضروري ان يكون العقلاء اقدموا على هذا التقنين من زاوية عقلانية لديهم بل قد يكون من زاوية رذيلة لديهم. كبعض التقنينات القبيحة عند العرف الان. ليس ضروريا ان يكون كل التقنينات عند العقلاء ناشئة من العقل عندهم بل قد يكون ناشئة عن الشهوة.

بعض المحرمات الشرعية هي محرمات عند كل العقلاء في كثير من الموارد. مثلا الزنا مبغوض في اغلب المجتمعات لكن يختلف المجتعات في تقنين ضابطة الزنا ومصاديقه. بالتالي بعض الأعراف تمنعه وبعض الأعراف تسوغه.

فاذا النهي عن الشيء يقتضي القدرة عليه والصحة ليس معناه الصحة الشرعية. فهذا الاستدلال ليس في محله.

كما ان استدلال الميرزا النائيني ان النهي عن المسبب يفيد الفساد. النهي عن المسبب العرفي اذا كان اجنبيا مثل « ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾( فَاسْعَوْا (فامضوا) ) » اذا بنينا على ان النهي عن المسبب لكن الظاهر عن النهي عن السبب لا المسبب. لكي لا تشتغلون بالسبب عن الصلاة. طبعا هذا النهي مرتبط بباب صلاة الجمعة كي لا تشاغب بشيء آخر وهو نهي اجنبي. لو افترض ان النهي عن المسبب. اذا كان النهي ملاكه معاملي فيقتضي الفساد اما اذا لم يكن ملاكه معاملي فلماذا يقتضي الفساد؟

طبعا بعض الموارد النهي عن المسبب يعجز المكلف عن الوفاء بالمعاملة ويحجر عليه شرعا والحجر الشرعي عن الوفاء بالمعاملة ولو اجنبيا كيف يتلائم بامر الشارع بالامضاء والمضي على المعاملة. هذا التناقض ليس من التزاحم بل نستطيع ان نعبر عنه بالتناقض. مثلا في بعض الموارد النهي الأجنبي تعجز الاجير عن ايفاء الاجارة. اذا تنهاه وتعجزه فكيف يمكن البناء للصحة. ولو ناقش بعض الاعلام قديما وحديثا من محشي العروة لكن بالتالي اذا حجر الشارع ولو شرعا الوفاء بينما دليل المعاملة يلزم ويأمر بالوفاء يكون نوعا من التناقض ولو نعبر عنه بالفساد العقلي.

ما هو الفرق بين الفساد العقلي والشرعي في المعاملات؟ هنا كيف تصويره؟

حتى من يقول بالفساد هنا مثل الميرزا النائيني هو فساد عقلي وليس شرعيا. الفساد الشرعي يعني مانعا ذاتيا مثل نهي النبي عن بيع الغرر لان الغرر والجهل بالعوضين مفسد ذاتا للبيع. او مثلا تحجير الشارع عن معاملات الصبي او المفلس. فهذا التحجير من الشارع مانع شرعي ويفسد المعاملة ويجمدها. وتشريع وضعي من الشارع.

بينما الفساد العقلي مثلما وقعت الاجارة على صباغة السيارة او صباغة الجدار لكن اتى قدر سماوي وسرقت السيارة او احترقت فموضوع الاجارة انتفت. هذا يعبرون عنه الفساد العقلي. لانه لا يمكن تحقيق الاجارة عقلا. في موارد كثيرة في البيع او الاجارة لا سيما تفسد الاجارة فسادا عقليا يعني انتفى موضوعها.

الفساد العقلي لا لاجل تشريع وضعي من الشارع. بل يعني ان الموضوع انتفي عقلا. شبيها لما مر من الفرق بين الفساد العقلي والشرعي في العبادات. الفساد الشرعي يعني الجعل الشرعي من الشارع.

في بعض الموارد نهي الشارع يعجز المتعاقد عن الالتزام والوفاء بالمعاملة. فلا يكون فسادا شرعيا بل فساد عقلي. لان المعاملة تكون مثل الممتنع. هذا الفساد العقلي في المعاملات ليس تعارضا. طبعا هذا البحث في الاجارة بين النائيني وتلاميذه مثل السيد محمد الشاهرودي او السيد الخوئي فيه تعدد نظرات ومعركة آراء في امثلة الاجارة لكن اجمالا الفساد العقلي غير الفساد الشرعي في المعاملات. الفساد العقلي يعني انتفاءها بسبب العجز عن قل بسبب انتفاء الموضوع او ما شابه ذلك. فليس هو مانعا شرعيا وضعيا. بخلاف الفساد الشرعي بسبب تشريع وضعي من الشارع فيسبب فسادا ذاتيا.

لابأس نشرح هذا المطلب: في الفساد الشرعي أيضا اقسام. يعني هذا الفارق الذي مر بنا بين الفساد الشرعي والعقلي في الفساد الشرعي اقسام كما ذكرها الاعلام.

بعضه يفسد المعاملة ذاتا ولا يمكن علاجها ذاتا ويجب إعادة الماملة السليمة عن المانع الشرعي.

لكن في بعض الموارد من الفساد الشرعي نظير صباوة المتعاقد هل يستلزم فساد المعاملة ذاتا او تجميدها؟ الأكثر الا ما ندر من الاعلام يقولون انه ليس فسادا ذاتيا بل يمكن للولي ان يصحح المعاملة التي اوقعها الصبي لا سيما المميز او المراهق.

على كل الفساد الشرعي ليس على وتيرة واحدة. كثيرا ما الفساد الشرعي يوجب فسادا ذاتيا في المعاملة ولا يمكن معالجتها ولكن هناك جملة من الفساد الشرعي بتخلف الشرط وتخلف الشرط غير المانع. هذا يمكن استصلاحها. مثل الصباوة والبلوغ. هو فساد بجعل شرعي لكن بسب تخلف الشرط. هذا قابل للتصحيح عند غالب الفقهاء.

اذا موارد عدم الصحة الفعلية وهو نوع من الفساد بسبب الشارع تارة للمانع الذاتي وتارة بتخلف الشرط. الفساد العقلي عبارة عن انفساخ المعاملة بسبب العجز او كذا او بانتفاع موضوعها. مثل تلف المبيع الشخصي قبل ان يقبض البايع مشتريه.

اذا عرفنا هذه الأقسام في الفساد الشرعي والعقلي الكلام في المبحث النهي عن المعاملة هو الفساد العقلي وليس الفساد الشرعي وهذا الفساد العقلي متى يلتزم به؟ هذه التفاصيل التي مرت بنا لا نرتضيها.

وأيضا لا نلتزم بمبنى السيد الخوئي بل في الجملة نلتزم اذا كان هناك بين النهي الأجنبي وبين الامر بالوفاء ولزوم المعاملة نوعا من التناقض بحيث هذا التنافي والتناقض لا ينحل. لا يسبب التعارض الصطلاحي والفساد الشرعي لكن يسبب الفساد العقلي. فينتفي موضوع العقد او يعدم او قل لا قدرة فيه بالتالي ينفسخ ويبطل البيع او الاجارة او العقود الأخرى ويسمى فسادا عقليا. ولا تطالب في الفساد العقلي بدليل شرعي خاص وضعي. ويقع غفلة من الاعلام فيما بينهم في النقاشات يعني يقولون لا دليل على البطلان والمفروض ان البحث في الفساد العقلي ولا يطالب الدليل الخاص.

هذا البحث في بعض موارد النهي عن المسبب. طبعا هذا ليس بحثا امرا متفقا عليه. البعض يدعون يمكن ان يكون المسبب موجودا لكن الشارع نهى عن الوفاء به. وان عصى فالمسبب موجود. لكن الحق ان الاجارة او البيع مأخوذ فيه القدرة ولما يعجز الشارع بنحو بتي دائم عن الوفاء بالمعاملة عبارة عن انفساخ عقلي بسبب النهي الشرعي الطارئ. هذا النهي دليل الانفساخ لكن بدلالة العقل. فنحن في هذه الموارد نلتزم بفساد المعاملة بالنهي الأجنبي إما بانعدام الموضوع بسبب النهي عن انعدام المالية ااو انعدام القدرة سواء في موضوع المسبب وهو العوض او في المسبب. اما السبب فغالبا لا يعجز ولا يؤدي الى فساد عقلي. فتحصل اننا نفصل في النهي عن المعاملة. بما قاله الاعلام في الفقه انه اذا اوجب النهي عجزا او اوجب سلب المالية او سلب الموضوع فيوجب الفساد. هذا تفصيل في الجملة.

نرتكز بالتالي ملخصا بكل ما مر ان النهي المفروض هو النهي التكليفي الأجنبي الملاك تارة يطرأ على السبب وتارة على المسبب وتارة على موضوع العقد وهو العوضين.

نقطة أخرى الفساد العقلي غير الفساد الشرعي وهو محل البحث

بالتالي مع مجموع هذه الموارد الفساد العقلي في موارد العجز عن المعاملة او انتفاء موضوع المعاملة فتلقائيا العقل يحكم بانفساخ المعاملة وعدم تصور بقاء وجودها.

بقي ما استشهد جماعة به بكون النهي المعاملة لا يقتضي الفساد واستدل بالنهي الوارد في نكاح العبد من دون إجازة المولى وان شاء الله نتابع هذا البحث. يقتضي الفساد المشهور يقولون ان الفساد عقلي وليس شرعيا.

يجب ان ندقق في معاني الفساد الشرعي في العبادات والمعاملات وفرقه عن الفساد العقلي. والفساد العقلي متنوع المنشأ والفساد الشرعي أيضا متنوع المنشأو هذا لب اللباب.

 

logo