« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

النهي عن المعاملة يقتضي الفساد/النهي عن العبادة والمعاملة (32) /النواهي

الموضوع: النواهي/النهي عن العبادة والمعاملة (32) / النهي عن المعاملة يقتضي الفساد

 

بقي الحديث في النهي عن المعاملات هل يقتضي الفساد ام لا؟ وفيه اقوال.

منهم من يذهب الى انه يقتضي الصحة باعتبار انه منهي عنه ولابد ان يكون مقدورا ومعنى انه مقدورا يعني أنه موجود ومعنى وجوده يعني صحته. فبالتالي النهي عن المعاملة يقتضي الصحة غاية الامر نهي تكليفي.

هكذا نسب الاستدلال الى مدرسة ابي حنيفة. صاحب الكفاية وافق هذه الدعوى فيما كان النهي عن المسبب. حينئذ يقتضي الصحة يعني أنه كاشفا عن الصحة. أما النهي عن السبب عنده لا يقتضي الفساد ولا يقتضي الصحة.

الميرزا النائيني قال ان النهي عن المسبب يقتضي الفساد والنهي عن السبب لا يقتضي الفساد.

بينما السيد الخوئي اختار ان النهي مطلقا لا يقتضي الفساد.

طبعا مورد البحث هو النهي التكليفي المحض الأجنبي والا النهي الخاص الوضعي بملاك معاملي فواضح انه يدل او يرشد على الفساد.

استدلال صاحب الكفاية: قال ان السبب وجوده تكويني وقدرة عليه تكوينية ولا يدل على الصحة ولا على الفساد. يعني يمكن ان يقدر عليه المكلف من دون ان يمضيه الشارع. من ثم لا يقتضي عليهما. هذا بالنسبة الى النهي عن السبب.

اما النهي عن المسبب عند النائيني يقتضي الفساد لان الشارع اذا كان يبغض المسبب فلا يمضيه ولا يعتبره موجودا.

في السبب عنده لا يقتضي الفساد لان السبب وجوده تكويني وليس فيه امضاء ووجود وعدم. هو وجود خارجي ويمكن للمكلف أن يقدر عليه ويوجده وينهى عنه الشارع.

أما مبنى السيد الخوئي فعنده لا يقتضي النهي الأجنبي التكليفي المحض على الفساد في السبب والمسبب.

استدل عليه باستدلال مبنائي في حقيقة الانشاء والمنشأ واخذ بها بعيدا. لان السيد الخوئي رحمة الله عليه في الانشاء لا يبني على السبب والمسبب وإيجاد اعتباري وموجود اعتباري بل يبني على ان الانشاء حقيقته افتراض في الذهن. غاية الامر يشترط فيه عقلائيا أن يبرز وبدون الابراز لا يعول عليه. فابراز هذا المعنى المفترض الذهني هو حقيقة الانشاء حينئذ النهي عن المعتبر والابراز لا يدل على الفساد. لان المعتبر يقدر عليه تكوينا والابراز أيضا مقدور تكوينا. فاستدلال ابي حنيفة ليس صحيحا. واستدلال الميرزا النائيني أيضا ليس صحيحا. والمفروض ان ملاك النهي أيضا ليس ملاكا معامليا ولا يدل على البطلان.

اما الصحيح في الانشاء هو مبنى المشهور وهو ان الانشاء إيجاد اعتباري وموجود اعتباري. وهذا مبحث مبنائي في حقيقة الانشاء.

يمكن مواقع نظر في هذه الاقوال جملة.

اما قول ابي حنيفة فهنا محطة جدا مهمة مرت في الفقه ولم نكملها في الجلسة السابقة واستعرضناها مرارا وكرارا في المكاسب المحرمة او البيع.

الاصوليون شرحوا هذه المحطة في الصحيح والاعم اتم مما استعرضوها هنا في النهي عن المعاملة. مبحث صحيح واعم مبحث موسع ودسم وخطير ومبحث ثبوتي اكثر مما هو مبحث اثباتي. يعني مبحث من بحوث أصول القانون بامتياز. سواء كلام الاعلام في الصحيح والاعم في العبادات او الصحيح والاعم في المعاملات. وربما خمسة او اكثر معاني للصحة والفساد. وتفيد جدا في مباحث المعاملات وهلم جرا.

في بداية المعاملات او بداية الخيارات كبار المحشين على المكاسب ذكروا هذه النقطة. ان الاعتبار في المعاملات مثالا يبدأ من اعتبار المتعاقدين او صاحب الإيقاع لو كان الامر الانشائي شيءً ايقاعيا. ثم بعد ذلك اذا كان مع الشرائط يندرج في تقنين العقلاء. فالعقلاء لهم الاعتبار. ربما اعتبارات الأعراف العقلائية تتعدد. وبعد ذلك يأتي دور الاعتبار الشرعي.

طبعا الاعتبار وجود افتراضي حسب مبنى المشهور لكن على مبنى نظرية الاعتبار عندنا هو اعتبار تكويني ابهامي مجمل. الان بنينا على انه اعتباري فرضي او معنى اجمالي ذهني يحكي عن الواقع. فاذا عندنا اعتبار شخصي لدى المتعاقدين واعتبار عقلائي ثم يأتي اعتبار شرعي.

الاعتبار الشرعي ثلاث اقسام: الامضاء أي الاعتبار والثاني عدم الاعتبار والثالث اعتبار العدم. ثلاث مسارات.

اعتبار الوجود يعني الصحة وعدم الاعتبار يعني الفساد لكن يختلف عن اعتبار العدم. فالنهي الوضعي او التكليفي المرتبط بالنهي الوضعي يكون من القسم الثالث أي اعتبار العدم. بخلاف القسم الثاني وعدم الامضاء وعدم الاعتبار.

الفرق بين القسم الثاني والثالث يجب ان نركز عليه وبينهما ثمرات في موارد.

دور الشارع كهادي الى الدين القويم والكمال والسعادة الاخروية في القانون والتقنين العقلائي ان يشذبه ويهذبه ويمنع ويمضي ويحدث اعرافا جديدة قانونية عقلائية. «من سنة سنة حسنة» يعني يفعّل قانونا موجودا في الشريعة او دليلا خاصا متروكا في الظاهرة الاجتماعية. «سنّ» يعني شيد في الممارسة الاجتماعية بالمعنى الاعم.

مثلا المؤمنون يتكاسلون عن التدريب العسكري مع انه ورد في الروايات الحث عليه شديدا. وموجود في باب المراهنة. نصوص كثيرة تحث المؤمن على التدريب العسكري. والمؤمنون يتكاسلون والنائمون. المقصود ان هذه سنة شرعية ميتة بل الان صار تعفف عن التدريب العسكري والانزواء عنه. والحال انها توصية الدين ورسول الله.

المقصود لو سن انسان هذه السنة الحسنة فجزاه الله خيرا وكان له اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة. وهي مصدر القوة عند المؤمنين. وكم من آداب شرعية متروكة.

الامام الصادق لما قتل معلى بن خنيس امر إسماعيل ابنه أن يذهب بالسيف الى رئيس شرطة دولة العباسية. نستطيع ان نقول مؤسس الامن في الدولة العباسية. لا نفكر ان الائمة عليهم السلام كانوا وادعين. مع ان الامام الصادق عرف عنه ما عرف. لكن نفسه له نوع من النزاع والمواجهة العسكرية حتى مع الدولة العباسية. واكثر اقرب داهية في الدولة العباسية كان والي المدينة المنورة. وقتل إسماعيل رئيس الشرطة.

فالشارع اذاً في صدد تهذيب وتشذيب الأعراف الاجتماعية. لا انها مدائن مختلفة بعضها دولة دينية وبعضها دولة عرفية. ليس هكذا بعث الأنبياء. بل بعثوا لأن يقتحموا المجتمعات ويغيروا سنن المجمعات. لا أن يرحلوا الى مكان يخصهم. «اذهبا الى فرعون» كذلك إبراهيم ونمرود وداود وجالوت وطالوت. والنبي يوسف وملك مصر. أصلا الأنبياء يقحمون في التغيير الاجتماعي. هذه الأعراف البشرية سواء العسكرية او السياسية او الأخلاقية دور الأنبياء ان يقفوا سدا حائلا للتغيير الاجتماعي. لا أن يجعلوا لهم مدينة مستقلة.

سيد الأنبياء في عقر الحجاز والمكة المكرمة من هناك يبدأ التغيير. قالوا قد حرض العبيد على الاسياد. سنته صلى الله عليه وآله كان يشذب الاجتماع البشري آنذاك.

المقصود ان هذا الكلام لاجل هذا المطلب ان الشارع هدفه في الممارسة البشرية على صعيد المعاملات ان يدّخل ويقف سدا على أمام الأعراف الفاسدة. ويشكل اعراف صحيحة بشكل منطقي وحكيم بجرعة وشجاعة ودهاء.

اذا اتى الشارع وقال: «حرم الربا» ليس معناه أن الشارع يؤسس دولة مهدوية في منطقة خاصة لها دون ان يدخل في الأعراف في الدول الأخرى. بل هي دولة يملأ الأرض عدلا وقسطا. فيقف على أمام هذا الظلم المعاملي على العباد. هذا ظلم فاحش لا يسمح به الشارع.

كذلك «احل الله البيع» يعني هذا القانون العقلائي رشيد عند الشارع بشروط معينة وقيود كأن لا يكون بيع الضرر وكذلك. فاذا ما قاله الاصوليون والفقهاء من ان هناك اعتبار شخصي ثم اعتبار عقلائي ثم اعتبار شرعي نهيا او امضاء هذا الاعتبار الشرعي موضوعه الاعتبار العقلائي. وليس موضوعه مدينة معينة مهدوية مستقلة غير المدائن الأخرى. بل المراد كل الأرض وكل المستضعفين وكل المحرومين.

يعني حتى ان كان الفقهاء عدا السيد الخوئي والمحقق السبزواري قالوا ان الجهاد الابتدائي في الغيبة الكبرى غير مقرر لانه خاص بالمعصوم من الجانب العسكري لكن من الجانب الثقافي الواجب على كيان المسلمين والمؤمنين انكار الظلم حتى في الشعوب الأخرى وعدم التعاون على الاثم والعدوان بل اللازم التعاون على البر والتقوى. على صعيد الخطاب لا يصح للمجتمع المسلم او المؤمن التماهي مع الجبابرة والدجالين. في الخطاب لا يجوز تقريرهم او التماهي لهم والا يحشر في القيامة معهم.

اذكر هذه الأمثلة على أساس التذكر الى حساسية باب المعاملات وباب الفقه السياسي والفقه العسكري والفقه الاسري وباب الاخلاق نحن لا نعيش في جزيرة منعزلة. والإسلام اتى ليظهره على الدين كله وان لم يكن في الغيبة الكبرى اظهار عسكري فلابد من الاظهار الثقافي. وهذا ليس ممنوعا. وللأسف هذه الأمور ما مبحوثة في الأبواب.

فاذا هذا الاعتبار الشرعي يريد ان يتدخل في الاعتبار العرفي وموضوعه الاعتبار العرفي. لا انه شيء منعزل عن الاعتبار العرفي. اذا كان هكذا فاستدلال ابي حنيفة فاسد. لان الاعتبار العرفي مقدور مع النهي. الاعتبار العرفي والشارع يحرم الاعتبار العرفي. صحيح ان الاعتبار العرفي بيد العقلاء لكن سببه الاعتبار الشخصي. مثلما اذا قلنا ان الدم منجس وهذه معادلة كلية. لكن اوجد المكلف صغراها ونجّس الأرض. فهو اوجد الموضوع. بالتالي اذا هذه المعاملة العقلائي اوجد مصداقه المتعاقدان والشارع ينهى عن وجود معاملة ربوية عقلائية. فمقدورة. لا ان هذه المعاملة بوجودها الشرعي ينهى عنه الشارع. المقدور هو المعاملة العرفية وليست شرعية. وهذا كاف. فصار خلط بين اقسام الاعتبار. هذا بحث جدا حساس ومهم في الفقه السياسي والعسكري و الفقه الاسري والمعاملات.

هذا المبحث في اليوم وامثلتها بالدقة هي منظومة أصول القانون ولابد من فهم الدين والعقائد وغاية تدخل الشارع في العرف والا ما فهمت الأدلة التفسيرية. الدين اتى ليغير العرف الى السبل السليمة. لا ان له شارعا له وللعرف شارعا مستقلا عن بعضها البعض.

ان الأنبياء كلهم وقفوا امام الفساد بانحاءها المختلفة وكل نبي من الأنبياء يتولى بيئة من البيئات ويريد ان يعالج فسادها.

 

logo