« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

مقتضى النهي والفساد مع الشك/ النهي عن العبادات (26)/النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات (26)/مقتضى النهي والفساد مع الشك

 

مر بنا ان هناك ثنائية: الشك في المسألة الأصولية والشك في الحكم الفقهي المتولد من المسألة الاصولية.

بالنسبة الى الحكم الفقهي فهل مقتضى القاعدة الصحة او الفساد في العبادات والمعاملات؟ وكيف تصوير الصحة كمفاد اصلي عملي في العبادات؟ او الفساد كمقتضى ومفاد اصل عملي في المعاملات؟

هل الشبهة موضوعية او حكمية؟ طبعا ليست الشبهة موضوعية لان المفروض انها ما كانت بسبب التباس البيئة الخارجية وهنا الالتباس بسبب شئون الاحكام الكلية، هل النهي يتنافر مع صحة العبادات أم لا؟

هنا البحث في الحقيقة في الشبهة الحكمية. بعبارة أخرى أي عبادة او معاملة تارة الشك فيها من جهة الشبهة الحكمية وتارة من الشبهة الموضوعية.

مقتضى الأصول العملية المقررة في الشبهة الموضوعية قد تختلف عن مقتضاها في الشبهة الحكمية. مثلا في العبادات في الشبهة الموضوعية قد تجري قاعدة الفراغ او التجاوز وحتى المعاملات لكن الكلام هنا في الحقيقة في الشبهة الحكمية.

وهل مقتضى الأصول العملية في الشبهة الحكمية في العبادات والمعاملات هو الصحة او الفساد؟

لنذكر تقرير الاعلام في المعاملات أولا: طبعا هذا اذا لم يكن في البين عموم والا يتمسك به. مثل التجارة عن تراض او اوفوا بالعقود. فلا يرفع اليد عن العمومات بمجرد الشبهة.

ولو لم يوجد عموم فاصالة عدم المسبب. نشك ان المسبب الشرعي حصل فالاصل عدمه. في الشبهة الحكمية بل حتى الموضوعية ان لم يكن في البين دليل او اصل

طبعا اصل عدم المسبب يعني اصل عدم وجود المسبب بوجود واعتبار شرعي والا المسبب العرفي موجود.

اما العبادات: هناك من يقول بالصحة في الشبهة الحكمية. لانا نشك في مانعية المانع وهو النهي فيجري البراءة من قبيل الأقل والأكثر في المركب الارتباطي. المفروض ان الامر موجود بمعنى عموم لما عدا المشكوك والا اذا اشتمل المشكوك فلا نحتاج الى الأصل العملي. فالعموم بلحاظ المشكوك غير موجود. فتجري البراءة.

الا ان صاحب الكفاية ووافقه السيد الخوئي ان هنا ليس مجرى البراءة في الأقل والأكثر الارتباطي. لان النهي في البين موجود واذا كان موجودا فهو مبغوض والمبغوض لا يتقرب به.

تقريبا هذا الاستدلال لرفع الشك . بنفس الدليل العقلي الدال على مفسدية النهي للعبادة وهذا خلف فرض ان الشك موجود. لانه ليس الشك في النهي ولو وصلت النوبة الى مفسدية النهي. المفروض ان النهي اجنبي وليس مرتبطا خاصا بالصلاة والشك في مفسديته.

الاعلام يفترضون الشك او العلم؟ اذا كان دليل عقلي موجود بان المنهي عنه لا يمكن التقرب به فهذا ليس فرض الشك بل فرض العلم بالفساد. على كل هذا نوع من خلف الفرض. والامر سهل.

بقي القسم الثاني من مسألة النهي عن المعاملات هل يقتضي الفساد ام لا؟ ما مر انما هو في النهي عن العبادات. ماذا عن النهي عن المعاملات.

فهنا من يذهب الى ان النهي عن المعاملات دليل الصحة. لانه لو لم تكن المعاملة مقدورا عليها وموجودة فالنهي يتعلق بماذا؟ فالنهي دليل الصحة غاية الامر يأثم الانسان. وينسب الى ابي حنيفة وتلميذه.

صاحب الكفاية يقبله على تفصيل ان هذا النهي ان كان عن المسبب فصحيح فلابد ان يكون المسبب مقدورا وموجودا وصحيحا بحيث ينهى عنه. والا لو كان المسبب غير موجود وغير مقدور فكيف ينهى عنه. لكن في السبب لا يقبل.

هل النهي عن المعاملة يقتضي الفساد او يقتضي الصحة او لا يقتضي الصحة ولا يقتضي الفساد ثلاث اقوال رئيسية.

القول الثاني قول صاحب الكفاية بالتفصيل.

الميرزا النائيني تبنى العكس: اذا كان النهي عن المسبب يقتضي الفساد واذا كان النهي عن السبب فلا يقتضي الفساد وربما يقول بالصحة. عكس صاحب الكفاية.

السيد الخوئي يقول ان النهي عن المعاملة مطلقا لا يدل على الصحة ولا على الفساد.

محل البحث هو النهي الأجنبي عن المعاملة. والا مثل «نهى النبي عن بيع الغرر» هذا واضح انه ارشاد او يفيد المانعية الوضعية. مثل «لا تصل فيما لا يأكل لحمه» دليل مرتبط بالمركب العبادي ويدل على الفساد. في الأدلة الخاصة او العامة المرتبطة بالمركبات فالنهي يدل على الفساد وضعا وتكليفا او وضعا فقط. كل هذا الكلام في هذه المسألة في النهي الأجنبي صدفة او غير صدفة تصادق مع العبادة او تصادق مع المعاملة. هذا هو محل البحث.

كما ان الامر شيء في العبادة اذا كان مفاده جزئية او شرطية فواضح. المهم ان الامر والنهي في الأدلة الخاصة المرتبطة بالمركبات مفاده وضعي وتركيبي او وضعي فقط وواضح.

انما الكلام في النهي الأجنبي مثل النهي عن رفع المرأة صوتها ويتصادق مع الجهر في الصلاة. هذا النهي ليس مرتبطا بالصلاة وملاكه واضح انه مرتبط بالعلاقة بين الجنسين والاجنبيين ولا صلة له بالملاك الصلاتي. هذا يعتبر نهيا اجنبيا. فهذا النهي الأجنبي هل يقتضي الفساد او لا في المعاملات.

اذا النهي ليس نهيا ملاكيا معامليا. والا مثلا «احل الله البيع وحرم الربا» حرمة الربا ملاكه معاملي وهذا واضح يدل على البطلان. كما في الصلاة حرمة الصلاة في ما لا يؤكل لحمه. نهي ملاكه صلاتي. وهذا غير محل بحثنا. هذا نهي بملاك اجنبي تصادق مع العبادة او المعاملة فهل يقتضي الفساد ام لا.

لماذا يتعرض الاعلام لاستدلال ابي حنيفة باعتبار ان هنا بحث مشترك إما من جهة القواعد او الدليل العقلي وهما مشتركان بين الفريقين. هذه منهجية في البحث المقارن. البحث المقارن سواء بين المذاهب الإسلامية او المذاهب البشرية اذا كان الجهات مشتركة ليس الخروج عن الجادة. من ثم هم يفتحون النقاش معهم في النقاط المشتركة. حتى كذلك مع القوانين العقلائية والوضعية. فيها قواعد مشتركة. وهذه نكتة لطيفة أشار اليها امير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الاشتر في الثلث الأخير. مثلا عدم الوفاء بالعهد وعدم الغدر في المعاملات والعهود والعقود هذا شيء اتفق عليه البشر وانه من دون الالتزام به تؤدي الى تصدع التعايش المدني البشري. مع ان العقلاء او غير المتدينين باديان السماء انما يرونه ملزما بالسيرة العقلائية والمتدينون انما يرونه ملزما من جهة الدين السماوي. مع ذلك يقول امير المؤمنين هذه قاعدة مشتركة. اذا نكتة لطيفة ان بعض القوااعد المشتركة ف الملل والنحل وان اختلف المستند والدليل فيها لا ينافي انها قواعد مشتركة. هذا المقدار من الاشتراك يصحح الاحتجاج بين الطرفين. او يصحح التعامل في هذه النقطة المشتركة. وهذه نكتة لطيفة. رغم ان الدليل والمستند مختلف فيه بين الطرفين. هذا المقدار والاتفاق يصحح التعامل المشترك والالتزام المشترك وهكذا في العقائد والعلوم الأخرى.

فالنقطة المشتركة لها قيمة والمختلف فيه على حاله. فالمختلف فيه لا ينسف المشترك والمشترك أيضا لا ينسف المختلف فيه. المشترك لاستثماره كمشترك لا يتوقف على المختلف فيه. ولا يتوقف على إزالة الاختلاف. كما ان الاختلاف لا يزيل المشترك. كل من الامرين في دائرته صحيح. فالافراط في أي جانب خطأ. مع ان هذا المشترك في عهد امير المؤمنين لمالك الاشتر الالتزام بالعهود منشأه عند العقلاء كقانون وضعي يختلف عن المتدينين بدين السماء. لكن هذا المقدار من الاشتراك فيه استثمار مشترك. نظير محاجة سيد الشهداء يوم عاشورا. سلام الله عليه.

هذه نكات لطيفة في المنهج العلمي والإدارة السياسية والإدارة العسكرية في جانب التنفيذ او التنظير والنقطة المشتركة يمكن الاستفادة منها تنفيذا او تنظيرا. وهذا هو منطق القرآن. مرت علينا في التفسير. اذكر هذا الشيء لان هناك من ينتقد الفلسفة ويسجل عليه اعتراضات لان الفلسفة لا تكون صنما او وحيا وهذا صحيح. لكن كل هذا لا يقتضي ان بعض الأمور الصحيحة في القضايا العقلية بين الفلسفة كعلم بشري وبين الوحي يمكن الاستثمار به وكذلك العرفان والتصوف. مع انه انحراف لكن فيه نقاط مشتركة. وكذلك في مذهب المخالفين يمكن الاحتجاج في صحاح الستة. فيه افراط في الاشتراك وافراط في الاختلاف. كالاختلاف بين الاخباريين والاصوليين والانسداديين والانفتاحيين. تارة عاطفيا يتمنهج وهذا بحث آخر. ويستثمره استثمارا سياسيا هذا بحث آخر. اما فيه نقطة مشتركة ومختلف فيها تنظيرا وتنفيذا. هذا منهج عظيم في الوحي.

الآية الكريمة ﴿قالت اليهود ليست النصارى على شيء﴾ يعني أصلا ما عندهم شيء صحيح. و ﴿قالت النصارى ليست اليهود على شيء﴾ أصلا ما عندهم الصحة ﴿ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾

انظر يقرأ الآية في صدد التقريب بين الأديان. الاية ليست في هذا الصدد. لكن الآية يخطأ ان الاختلافات بينهم لا يعني عدم وجود المشتركات بينهم. بالتالي هذه الجهات المشتركة تحفظ والجهات المختلف فيها يحفظ حدودها. ليست في صدد التصحيح المطلق وكذلك التخطئة المطلقة. كل شيء بحسبه.

انما اتعرض بهذا لكي نبين انه ما هي الحكمة ان الاعلام في علم الأصول والتفسير والفقه يتعرضون بفقه المقارن سواء مع المذاهب الإسلامية او مع المذاهب الوضعية.

صاحب الكفاية ا عتمد على دليل ابي حنيفة في المسبب. لان المنهي عنه لابد ان يكون مقدورا. والمسبب المقدور صحيح. في السبب قال لأنه يمكن ان يوجده الانسان والشارع ينهى عن الايجاب و القبول وقد لا يصححه ويمانع عن تحقق المسبب. والسبب يمكن ان ينفك عن المسبب. خلاصة كلام صاحب الكفاية.

اتعرض ان شاء الله الى كلام الميرزا النائيني ثم كلام السيد الخوئي حيث ذهب الى انه لايدل على الصحة ولا على الفساد كضابطة عامة سواء عن المسبب او السبب او التسبيب.

logo