« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

ثنائية المسألة الأصولية والمسألة الفقهية/ النهي عن العبادات والمعاملات/النواهي

 

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات/ ثنائية المسألة الأصولية والمسألة الفقهية

 

قبل ان ندخل في النهي عن المعاملات، وصل بنا المقام الى الأصل العملي في المسألة الأصولية.

تارة يراد الأصل العملي اجراءه في المسألة الأصولية وتارة يراد اجراءه في المسألة الفقهية الفرعية. بغض النظر عن هذا المبحث في النهي والفساد نفس هذا المبحث تنظيرا جدا حساس ومهم. انه كيف يميز الباحث بين الشك الجاري في المسألة الأصولية والحكم فيها بحسب مقتضى القاعدة وبين الشك الجاري في الحكم الفرعي والمسألة الفرعية ومقتضى الأصل فيها.

معنى ذلك ان الباحث في القواعد الأصولية والمسائل الأصولية تسمي المسألة أصولية لانها تؤدي الى نتيجة استنباط الحكم الفرعي، فإذا كان الحال غامضا على الباحث ولم ينقحها اثباتا ونفيا فلم يصل الى نتيجة الحكم الفقه الفرعي. فمن ثم لديه شكان؛ شك في المسألة الأصولية وشك في النتيجة التي تترتب من القاعدة الأصولية وهي الحكم الفرعي الفقهي.

فإذا أيها المستنبط لابد ان تركز نظرك في المباحث الأصولية الى وجود حيثيتين: حيثية المسألة الاصولية كيف تنقح عند الشك وحيثية الحكم الفقهي الفردي كيف يمكن تنقيحها واتمامها.

ايهما مقدم على الآخر؟ هذا بحث. المفروض لو تقررت المسألة الأصولية والقاعدة الأصولية انها مقدمة على القاعدة الفقهية لانها باعتبار المسألة الأصولية ينقح الحكم الفرعي.

فهذا المبحث بغض النظر عن خصوص هذا لمبحث في النهي عن العبادة وهل هو يقتضي الفساد بغض النظر عنها هذا المبحث مهم ولابد ان يعود الباحث ويمرس ذهنه في كل المسائل الأصولية على فرض التمييز بين المسألتين المترابطتين في كل المسائل. قاعدة أصولية وتداعياتها الحكم الفقهي الفرعي الذي يترتب عليها. فدائما هناك ترابط بين كل مسألة أصولية ومسألة وحكم فقهي وفرعي.

«النهي عن العبادة يقتضي» كلمة الاقتضاء مسألة أصولية و«الفساد» حكم فقهي فرعي. لذلك الباحث في كل المسائل الأصولية يجب ان يميز في المسائل الأصولية بين الحكمين: حكم اصولي وحكم فقهي.

فإذا لابد في فرض الشك تنقيح المسألة ولابد من الممارسة في الأبواب الأصولية على ذلك. وطبعا يمكن فرض ترامي المسائل مثلا المسألة فقهية تتولد من مسألة أصولية وهي تتولد من مسألة أصولية وراءها وفوقها.

مثلا في حجية خبر الواحد وحجية الطرق، ما هي المسألة الأصولية وما هي المسألة الفقهية؟ اذا لاحظنا المفاد الخاص لخبر خاص فهذا حكم فقهي وإذا لاحظنا كبروية وكلية حجية الخبر فهي مسألة أصولية. ويمكن ان تتولد من مسألة أصولية فوقها.

المهم ان الباحث عندما يبحث في المسائل الأصولية، هذه المسألة الفوقية الهيمنية الموجزة لكل البحث وهذه الخارطة الموجزة يجب ان يضعها او يركز ويلتفت اليها بمحط نظر، لانها قوت خارطة البحث. دائما الخارطة الكبرى تتحكم في التخطيط الوسط وهي تتحكم في التخطيط التفصيلي.

فإذاً سنبين في مبحث حجية الخبر كيف ان متاخري الاعصار غفلوا عن هذه الخارطة الرئيسية وسببت إخفاقات عجيبة في تراث الحديث. فاذا هذه المسألة تتكرر في كل المسائل، التمييز بين المسائل الأصولية والفقهية المتولد عنها والمستنتج منها.

فيجب ان نلاحظ الميز في كل المسألة الأصولية: اين الحكم الاصولي وأين الحكم الفقهي التابع له؟ هذا مبحث سيال ومتكرر في الأبواب العديدة. وترابطه شيء مهم.

مثلا عندما يقال: مقتضى الشك في ان النهي عن المعاملة ااو العبادة يستلزم ويقتضي ويسبب الفساد هل يجري الأصل او لا؟ هذا هو الشك الاصولي. عندنا شك آخر فقهي وهو انه هل الفساد موجود او لا؟

بالتالي حتى لو نقول ان هذا مقتضى القاعدة لكنه عند الشك وليس مقدما على الأدلة. قد تكون الأدلة تامة عند الشخص لكنها في بعض الشقوق فيها إبهام او ليس بتام في بعض الموارد. فتنقيحه على مقتضى الشك امر فرضي لا انه امر وقوعي بالضرورة.

للأسف في جملة من المسائل الأصولية جعل فرض الشك هو قاعدة فوقية هي فوق كل القواعد وهو ليس بصحيح. ويسبب غفلات او خلطا في التقديرات.

المهم قبل ان ندخل في خصوص مسألتنا وهو انه كيف نميز بين المسألة الأصولية والفقهية، هذا المبحث وثنائية المسألتين الأصولية والفقهية في كل بحث أصولية التدقيق فيه مهم. في فرض الشك وغير الشك وهلم جرا. تداعيات المسألة الأصولية على الفقهية وتداعيات المسألة الفقهية على الأصولية في كل مسألة وكل باب من الأبواب الأصولية. هذا المبحث مهم بغض النظر عن خصوص المقام.

فكل مسائل الأصولية يبنى عليها بعد الإذعان بوجود الأدلة واثبات المسائل الأصولية والكلام في انه لو لم تكن تلك الأدلة وبقي تلك المسألة مبهمة. هذه الثنائية تعطي بصيرة صناعية مهمة في يوميات الاستنباط.

مثلا في التعارض «فتخيّر» بحث الاعلام فيما بينهم في المتعارضين، هل التخيير في المسألة الأصولية او التخيير في المسألة الفقهية؟ وبالتالي قالوا ان التخيير هل هو تخيير اصولي او فقهي؟ لان هذه الثنائي متلازم اصولي او فقهي ولازم ان نفهمه. ما الفرق سنخا بين التخيير الاصولي وبين التخيير الفقهي؟ وايهما مقدم وايهما مؤخر؟ ايهما حاكم وايهما محكوم؟ كلاهما مجعولان او احدهما؟ هذه الثنائية جدا مهمة<

الترجيح غير التخيير: ما هو المعنى من الترجيح؟ الترجيح الاصولي او الترجيح الفقهي. «خذ بما اشتهر بين اصحابك» «اخذ بما خالف العامة وما وافق كتاب الله وسنة المعصومين» هذا امر اصولي او امر فقهي؟

التقليد مسألة أصولية او فقهية؟ البحث ليس في كل الفارق بين المسالتين. ما الفرق بين علم الأصول وعلم الفقه. هذا بحث آخر غير مانحن فيه. اما الذي نحن فيه في الثنائية المتلازمة فيما كان احدهما سبب و الاخر مسبب. النهي يقتضي مسألة أصولية والفساد فقهية . كلامنا في الثنائية الخاصة. وليس كلامنا في كلي علم الأصول وكلي علم الفقه. هذا بحث آخر وإن له ارتباط وتأثير فيما نحن فيه.

اذا البحث في المقام عن خصوص مسألة أصولية في كل باب مع مسألة فقهية بعينا مترابطتان ومن شدة ترابطتها نفهم انهما شيء واحد والحال ليس هكذا بل بحثان ثنائيتان متلازمتان.

حقيقة حجية الخبر وحجية طريق الخبر وحجية دلالة الخبر هل هي حكم فقهي او حكم اصولي؟ البعض فسر حجية الخبر بحكم فقهي.

هل يمكن ان يتفوه كل حكم وضعي كل حكم اصولي وكل حكم تكليفي حكم فقهي؟ هذا اشتباه وغير سديد. الحكم الاصولي يمكن ان يكون تكليفيا ووضعيا والحكم الفقهي كذلك. المهم عندنا ثنائي تلازم وهذا المقدار كافي لتوضيح الثنائي.

الان نريد ان نجري الأصل العملي عند الشك، هل الشك في المسألة الأصولية او المسألة الفقهية؟ اذا اردنا منه الشك في الفساد وعدم الصحة فهذا شك في المسألة الفقهية وتحرير للاصل العملي في الحكم الفقهي والمسألة الفقهية. واذا اردنا ان نقررر الشك في الاقتضاء او عدم الاقتضاء فهو تنقيح للبحث في المسألة الأصولية.

اكثر الأصوليين كالاخوند قالوا في مسألة أصولية في خصوص هذه المسألة الاقتضاء وعدم الاقتضاء ليس عندنا اصل عملي ينقح البحث. لماذا؟ قالوا ان الاستصحاب لا يجري لان الحالة السابقة لا تفرض فيه. لان هذه المعاني ازلية وما له حالة عدم. مثل «لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا» هذا التلازم والملازمات يعبرون عنها الازلية. المتكلمون والفلاسفة كلهم. هذه القضية ليست شيئا حادثا بل ازلي. هذا التلازم ازلي يعني هذا التلازم في نفس الامر ليس بلحاظ الوقوع الخارجي لا عدمه لا وجوده. لا ربط له بالوقوع الخارجي. تلازم الروجية مع الرباعية تلازم ازلي. يسمونه عالم العلم. مع ان نفس الامر دون العلم وان اشتهر بين المتكلمين هكذا. يعني جملة من طبقات العلم فوق عالم الامر ونفس الامر. «يا ممتنحة امتحنك الذي خلقك قبل ان يخلقك» النسخ متعددةاو الطرق متعددة فيها. «فوجدك صابرة» هذه البحوث عجيبة. لذلك غالبا المسائل الأصولية يقولون انها ازليات فلا تجري استصحاب العدم. ولا تجري اصالة البراءة والاحتياط لانها لا تجري فيها التنجيز او التعذير. لذلك غالبا في المسائل الأصولية اذا أراد الاصوليون او لو افترضنا ان الاصولي عجز عن تنقيح مسألة لا يحكم بشيء ويتوقف. ليست ازلية لها واقع وراء الله. المقصود ازلية محكي بها شيء ازلي وليس شيئا حادثا. هذا جدل كلامي فلسفي عرفاني موجود. المتكلم يحاجج الامام الرضا فقال ان الله يعلم الممتنعات ويعلم لوازم الممتنعات ولوازمها. هذا لا يعني منطقة خارجة عن هيمنة الهية. بل هي شأن من شئون العلم الإلهي. تنصبغ بالازلية.

المقصود في المسائل الأصولية هكذا وحينئذ يوقعون البحث في المسألة الفقهية.

المهم لب البحث اليوم في ثنائية المسألة كيف نشخصها وبعد ذلك طبيعة المسائل الأصولية ازلية.

 

logo