46/07/07
الفساد والصحة وباب التعارض والتزاحم الملاكي/ النهي عن العبادات والمعاملات (15)/النواهي
الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات (15)/ الفساد والصحة وباب التعارض والتزاحم الملاكي
وصل الكلام الى متن مسألة النهي عن العبادة هل انه يقتضي الفساد. قسم الاعلام النهي الى خمسة اقسام والقسم الثاني والثالث هو النهي عن جزء العبادة وشرط العبادة الا انه وقع الاختلاف بينهم ان مقتضى هذا الوجه الذي ذكر في القسم الثاني هل يقتضي الفساد الشرعي او العقلي؟ الفساد الشرعي يعني اخذ عدم الجزء المنهي عنه في مقام مراحل الحكم الانشائي أي مراحل التشريع. وهو يعني ان النهي الذي تعلق بالجزء او الكل او الشرط هذا النهي وإنك كانت مصادقته مع العبادة اتفاقية فضلا عما لو كانت دائمية يجعله الميرزا النائيني بمثابة المخصص في مرحلة الانشاء. بالتالي يقتضي ان يكون هذا الجزء مانعا شرعيا عن الكل. مسألة النهي التكليفي المحض يقتضي الفساد عند الميرزا النائيني يتصرف كالمخصص في مرحلة التشريع.
طبعا بين القوسين يجب ان نلتفت ان التخصيص ولو نسلم مدعى الميرزا النائيني من تصاعد النهي المتصادق مع الواجب والوجوب في مرحلة الفعلية و الامتثال الى مرحلة الانشاء ولو نسلم هذا الامر فماذا يصنع المخصص في العام؟ هذا مبحث سيتم بحثه مفصلا في بحث العام والخاص والمطلق والمقيد. هل يضيق العام حسب او يضيف اليه قيدا؟ طبعا عندنا العام والخاص في مجال موضوع الحكم وقيود الحكم مثلا «اقيموا الصلاة» وتأتي ادلة شرعية أخرى تقيد هذا العموم في موضوع الوجوب وقيوده. وتارة العام والخاص في مجال متعلق الحكم كالصلاة. فتارة العام والخاص بلحاظ قيود الوجوب والوجوب وتارة بلحاظ الواجب والمتعلق وتارة العام والخاص في نفس متن المحمول.
القضية الشرعية ذات ثلاث أجزاء: قيود الوجوب وهو الموضوع والحكم والمتعلق وقد يكون أربعة بمتعلق المتعلق. العام والخاص من أمور والعناصر الاجتهادية وعملية الاستنباط ان يميز المجتهد ان العام والخاص ورد في الموضوع وهو الاكثر او في المحمول وهو نادر وقليل او في المتعلق. من ضروريات ونواميس الاستنباط ان يميز الباحث في الاستنباط ان مورد العام والخاص أي من الاضلاع الثلاثة. غالبا في الضلع الأول أي الموضوع او الغالب في المتعلق اما وروده في متن الحكم هو قليل.
بحث العام والخاص هندسة صعبة وكذلك المطلق والمقيد. فأحد البحوث المهمة في عملية التخصيص والتقييد ان الخاص او المقيد ماذا يصنع بالعام والمطلق؟ هل يضيقه فحسب او يضيف له القيد؟ ثم القيد الذي يضيفه هل بنحو النعت او بنحو التركيب؟ هذه بحوث صعبة مهمة يذكره الاصوليون متاخروا العصر في بحث العام والخاص.
طبعا هناك تصرفات أخرى يقوم بها الخاص في العام. كلها تبحث في العام والخاص. عملية التخصيص عملية معقدة وليست سهلة. ما هي حقيقتها؟ والاخوة يتذكرون ان احد البحوث في حقيقة التخصيص انه فرق بين القدماء ومتاخري الاعصار. ان القدماء عندهم التخصيص تجميد بينما التخصيص عند المتاخرين محو للعام في منطقة الخاص. اذا التخصيص حقيقته والتقييد فيه بحوث معقدة كثيرة. من يوميات الاستنباط لكن يحتاج الى نباهة اجتهادية استنباطية. هذه جملة معترضة.
الميرزا النائيني لما يقول ان النهي يتصرف في العام ماذا مراده؟ مراده انه يخصصه. نحن الان في صعيد العام والخاص في المتعلق والفعل والعبادة. عندما يقول انه يتصرف مع انه نهي تكليفي محض وتصادقه مع العبادة تصادق اتفاقي كثيرا ما ولو في بعض الموارد نهي بنحو دائم. مر بنا هذا البحث ان النهي التكليفي المحض تقارنه مع العبادة اتفاقي او دائمي او كلاهما؟ مر بنا ان الصحيح كلاهما. فليس يختص البحث في النهي الذي يتصادق اتفاقا بل يشمل النهي الذي يتصادق دائما مع العبادة. لكنه نهي تكليفي محض وليس ارشاديا.
ميرزا النائيني مبناه ان هذا النهي بمنزلة الدليل الخاص. يعني يقوم بعملية التخصيص وهذا هو الفساد الشرعي. بينما المشهور هو الصحيح ان النهي التكليفي المحض لا صلة له بالتخصيص وانما هو متدافع في مراحل التطبيق والفعلية مع العبادة. هذا البحث لب المسألة في النهي عن العبادة. مشهور طبقات الفقهاء يقولون ان النهي تكليفي محض سواء تصادق مع العبادة صدفة او يتصادق مع حصة من العبادة دائما.
بين القوسين لتوضيح مركز البحث: طبعا هذا النهي التكليفي المحض هو في مفاده وفحواه ليس مرتبطا بشؤون العبادة. يعني ليس في صدد بيان شرط العبادة او جزء العبادة او مانع عن العبادة. لو كان هذا فواضح انه تكليفي ووضعي. ليس محل الكلام فيه. بل محل الكلام ان هذا النهي اجنبي عن ماهية العبادة بل تكليفي محض لكنه يتصادق مع العبادة او المعاملة إما دائما مع انه ليس متعرضا للعبادة. هذه نكتة مهمة ان النهي الذي يبحث في المقام نهي تصادق صدفة مع العبادة او تصادق حتى بنحو الدائم بنحو العموم والخصوص من وجه. رغم انه تصادق صدفة او دائما الا انه ليس في صدد العبادة بل في مجال آخر. مثلا بنى احد الاعلام ان رفع الصوت للمرأة امام الأجنبي حرام. فاذا كان الجهر في الصلاة رفع الصوت حرام وهذا قد يقال بنحو الدائم. لكن هذا النهي عن اسماعها صوتها للأجنبي ليس في صدد الصلاة والعبادة. بل مرتبط بالعلاقة بين الجنسين وما له ربط بالعبادة لكنه يتصادق مع جهر المرأة في قراءة القرآن والصلاة بنحو دائم. وهذا النهي ليس في صدد الصلاة ما هي الصحة والفساد بل في صدد ملاك باب آخر. حينئذ محل البحث في النهي يقتضي الفساد كما قال صاحب الفصول واصر عليه وكلامه صحيح انه ليس النهي الذي يتصادق صدفة بل يشمل النهي يتصادق بنحو العموم والخصوص من وجه. رغم انه يتصادق بنحو العموم والخصوص من وجه بنحو دائم المشهور قالوا انه ليس مخصصا. ليس معناه التعارض والتخصيص. هذا تدافع في مقام الامتثال او الفعلية. هذه نكتة نفيسة عند المشهور. يقولون هذا النهي تدافعه في مقام الفعلية او الامتثال. اذا ليس كل نسبة الدليلين او التباين او الخصوص والعموم من وجه حتى بنحو دائم من التعارض. انصافا فذلكة المشهور اعظم مما ذهب اليه الميرزا النائيني. ليس كل تدافع وتنافي تعارضا. بل يمكن ان يكون التدافع في مقام الامتثال او الفعلية. باب النكاح عبارة عن نظام الحكم بين الجنسين والنهي عن اسماع الصوت في باب العلاقة بين الجنسين وباب النكاح وملاكه شيء آخر وما له ربط ببحث الصلاة ولو كان النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه او التباين. اذا التنافي في باب التعارض تنافي من سنخ آخر.
السيد الخوئي تابع استاذه في كل الأبواب الا هذا الباب انه وافق المشهور الا ان مجرد التنافي الدائم عند الميرزا النائيني تعارض خلافا للمشهور.
عند المشهور قيد آخر في التعارض وهو ان يكون التكاذب بلحاظ الملاك. ملاك العلاقة بين الجنسين غير ملاك الصلاة. انصافا هذه جوهرة ثمينة جدا في أبواب الفقه والاستنباط الفقهي. جدا مهمة في علم أصول القانون. ان بحث التعارض وعدم التعارض في منظومة القوانين امر مهم.
فاذاً مجرد التنافي الدائم التباين او العموم والخصوص من وجه عند المشهور ليس تعارض بل تزاحم ملاكي غير التزاحم الامتثالي. الميرزا ما ان يرى تنافيا بين الدليلين سيما بنحو دائم يصعد به الى كونه تعارضا. مر بنا قبل يومين ان التعارض بالمعنى الاعم سواء بدوي ابتدائي او مستقر سنخه يختلف عن التزاحم وأنواع التزاحم. لان التعارض حتى البدوي الابتدائي تصرف في مرحلة التشريع كالتقييد والتخصيص. فالتعارض سواء كان بدويا او مستقرا كله تصرف في مرحلة الانشاء. بينما التزاحم ولو لم يكن امتثاليا من الأنواع الأخرى ليس من سنخ التعارض بالمعنى الاعم لا البدوي ولا المستقر. هذا بحث مهم جدا.
دعني اذكر هذا المثال وسيأتي تفصيله في الفقه. رجل اشترى أمة مغصوبة وما يدري انها مغصوبة والبايع ليس مالكا حقيقيا. منصوص ومفتى به. سيأتي في بحث الضمان في فقه البيع. فأولدها فاتضح ان هذه الأمة مغصوبة وجاء صاحبها يأخذها. عندنا قاعدتان. قاعدة ان النماء ملك مالك الأصل. انت اذا ملك العين ملكت نماءه. وقاعدة ثانية عندنا من كان احد ابويه حرا يتشبث بالحرية ولا يمكن ان يكون مملوكا. هذه القاعدة الثانية قاعدة ما مرتبطة بالبيع ولا بالضمان. بل لها ربط بباب المواطنة في الإسلام والنظام المدني في الإسلام. بينما قاعدة من ملك شيئا ملك نماءه مرتبطة بباب الماليات. ملاكان مختلفان.هذان القاعدتان متنافيتان. اذا قلنا بالقاعدة الأول فيسترق النماء والولد والقاعدة الثانية يحكم بحرية الولد. لكن في النص الخاص وحتى الفتوى المشهور وحسب القواعد لم يجعلوا هذا من باب التعارض. بل جمع بين الحقين ان يكون هذا الولد حرا ووالد الولد يضمن لمالك الأمة قيمته لو كان عبدا. كما لو تلف عليه. هذا جمع بين الحقين. هذا الجمع بين الحقين المتنافيين لكن ليس كل تنافي تعارض بل من باب التزاحم في الملاكات وفي التزاحم قاعدة ان الجمع مهما امكن أولى من التفريط. المشهور هذه القاعدة. الحاكم السياسي والمواطن لابد من الجمع بين المصالح.
فلاحظ في موارد عديدة في الأبواب الفقهية هذه التنافيات بين الأدلة والاحكام لا يعتبره المشهور تعارضا. تنافي دائم لكن ما دام الملاكان من بابين لا يعتبروه تعارضا. خلافا للميرزا النائيني والسيد الخوئي وتلاميذهما.
مثال آخر التزم به الشيخ الانصاري وصاحب الجواهر وغيرهما. من اشترى ابويه نص عندنا ينعتقان عليه. نص موجود ومفتى به. هذا النص يواجه على اقل تقدير ثلاث او اربع او خمس قواعد متنافية. هو نص لكن لا يغمض المشهور عينهم ويفتون به. مع ان السند صحيح لكن لابد من المضمون يلاحظ انه مطابق مع القواعد او لا. هذا البحث صار زلزلة البحث عند الاعلام. غدا ان شاء الله نواصل ونشرح انهم كيف لم يلتزموا بالتعارض. البحث مهم ونفيس وان شاء الله نواصل.