« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

أنواع الفساد الشرعي والعقلي في العبادة/ النهي عن العبادة والمعاملة (12)/النواهي

الموضوع : النواهي/ النهي عن العبادة والمعاملة (12)/أنواع الفساد الشرعي والعقلي في العبادة

 

كان الكلام في لب ومتن مسألة ان النهي عن العبادة يقتضي الفساد حيث قسم النهي الى صور منها النهي عن العبادة برمتها ومر ان حاصل تقريب الاعلام انه فساد عقلي وليس تشريعيا وشرعيا.

اما النهي عن جزء العبادة فذكروا ان مقتضى النهي أيضا فساد الجزء فسادا عقليا وليس فسادا شرعيا. بنفس التقريب الذي مر في الصورة الأولى والنهي عن مجموع العبادة.

فحيث ان الفساد هنا فساد عقلي مع ان الفساد العقلي عدم مطابقة المأتي به للمأمور به بخلاف الفساد الشرعي الذي هو تشريع المانعية والمانع اذا يقع على الكل يبطل الكل. بينما هذ االفساد فساد عقلي يعني عدم المطابقة لان المأتي به مبغوض ولا يمكن ان يتقرب به. فحيث انه فساد عقلي يمكن ان يستبدل هذا الجزء المنهي عنه بفرد آخر من طبيعة الجزء غير منهي عنه وتصح العبادة. فمن حيث نفس النهي يمكن علاجه لكن يمكن ان يبطل لمحذور آخر كزيادة مبطلة عند استبدال الجزء بالجزء. لكن صناعيا ومقتضى القاعدة اذا فسد الجزء فسادا عقليا قابل للعلاج والاستبدال. هذه قاعدة صناعية مهمة في خلل المركبات.

لكن الميرزا النائيني رحمة الله عليه حاول ان يقرب ان النهي عن الجزء بمقتضى القاعدة فساد شرعي ايضا وليس فسادا عقليا فقط. يعني ان هذا الجزء الفاسد مانع عن صحة الصلاة ومانع عن الكل لا انه يفسد في نفسه، ففاسد ومفسد. فالميرزا النائيني خالف المشهور في النهي عن الجزء فيريد ان يدعي ان الفساد شرعي ومر بنا خلال الجلسات السابقة ان تفكيك الفساد العقلي والشرعي بحث صناعي بالغ الدقة والاهمية.

سنذكر وجهين للميرزا النائيني لكن المحذورات في المراحل العقلية يصاعدها الميرزا النائيني الى مرحلة الانشاء ويجعل التنافي تنافيا في المراحل الانشائية. هذه نكتة مهمة ان الفساد العقلي لا تعارض فيه بين دليل النهي ودليل الامر بل فيه تمانع في الامتثال. بينما الفساد الشرعي يقيد كتعارض الخاص والعام وتقييد العام بالخاص. فهذا فارق جوهري آخر بين الفساد العقلي والشرعي.

دائما المحذور في المسائل العقلية الخمس يوسع عند الميرزا النائيني الى المراحل الانشائية والعجيب ان السيد الخوئي هنا لم يتابع استاذه وتحرر من وفاقية استاذه ويقول ان المحذور انما في المراحل العقلية والتطبيقية وامتثال الحكم وليس يرتقيها الى التعارض بنحو التقييد.

ان التخصيص والتقييد تعارض بالمعنى الاعم يعني نوع من التصرفات والمعالجات بين دليلين في مرحلة الانشاء لكن ليس تعارضا مستقرا. لذلك سموه تعارضا لكن غير مستقر والتعارض يعني التصرف في مرحلة الانشاء. فالتخصيص نوع من التعارض والتقييد كذلك وهنا السيد الخوئي لم يرتض وقال ان المحذور يبقى في المراحل العقلية ولم يصعد الى المراحل الانشائية. اذا ارتضاه السيد الخوئي هنا فهلا يقبله في اجتماع الامر والنهي مع انه يعترف ان باب الاجتماع صغرى لهذا البحث. هذه غفلة وتدافع بين المبنيين. هنا النهي يقتضي الفساد لم يرتض السيد الخوئي بالتعارض وغاية الامر فساد عقلي بينما في باب الاجتماع صاعد البحث الى التعارض. اذا كان المحذور في باب النهي عن العبادة في مقام الامتثال او المراحل العقلية فبطريق أولى في باب التزاحم لان ذاك الباب في التزاحم في مقام الامتثال لا في مقام الفعلية والفاعلية. من ارتضى بان التنافي في مقام الفعلية والفاعلية ليس من التعارض بل فساد عقلي فضلا عن محذور في مراحل متاخرة وهو الامتثال. فالذي تنبه السيد الخوئي اليه ووافق المشهور فيه المفروض ان يوافقهم في كل المسائل الخمس.

لننظر هنا كلام النائيني وردود السيد الخوئي الجيدة المتينة. استدل النائيني بوجهين دقيقين والرد عليهما ادق ويحتاج الى تدبر.

ذكر النائيني ومعه السيد الخوئي صناعيات في خلل الصلاة وذاك البحث يشتمل على صناعيات في الاستنباط وكذلك خلل الطواف والحج. السيد اليزدي ذكر ستين مسألة او سبعين مسألة في خلل الصلاة وكثير من المسائل التي ذكرها لا يقع الابتلاء بها. لكن هي مباحث صناعية في الخلل ويريد ان يبين كيف تشتبك القواعد الفقهية مع بعضها البعض وما هو حلال المشاكل عند اشتباك او تجمع القواعد الفقهية في الفروع الفقهية وان الفرع الفقهي ربما يحتاج الى مراتب من التنقيح كي يصل الانسان الى النتيجة. لذلك بحوث جيدة خاض فيها الاعلام في مسائل خلل الصلاة.

الوجه الأول عند الميرزا النائيني قال ان النهي عن الجزء يقيد عموم طبيعة الصلاة والعبادة أي لا تنطبق على الجزء المنهي فحيث لا تنطبق فهي مقيدة بعدم ذلك. «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» وعموم قراءة السورة بعد الفاتحة يقيد بعدم قراءة العزائم. فلا تقرأ العزائم يقيد عموم «اقرأ سورة بعد الحمد» فاذا كان نتيجته التقييد للطبيعة فمعناه ان الصلاة مقيدة بعدم الجزء المبغوض واذا اوجدت الجزء المبغوض تنتفي الطبيعة. فالصلاة مقيدة بعدم الجزء المبغوض المنهي عنه والكلام في الشرط أيضا هكذا و النتيجة فساد شرعي أيضا لان النهي والمبغوضية للجزء تقيد المراحل الانشائية للمتعلق. هذا تقريب الميرزا النائيني.

تقريب آخر قريب من التقريب الأول ذكر ان القران منهي عنه وفيه اختلاف بين الفقهاء يعني ان تقرن بعد سورة وسورة بعد الحمد يعني ان تقرأ بعد الحمد سورتين. كما ان عندنا نهيا عن القران بين الطوافين يعني ان تأتي بهما بلا فاصل صلاة او مدة زمانية. البعض استظهر من النهي عن القران انه نهي ارشادي يعني ارشاد لفساد السورة والطواف وفيه محتملات واقوال في فساد أي منها. القول الاخر ان النهي تكليفي محض وليس وضعيا. يعني ارتكاب السيئة لكن السورة والصلاة صحيحتان. القول الثالث ان القران في السورة في الصلاة مكروه وهو الصحيح فليس تحريم تكليفي ولا تحريم وضعي وفي الطواف تفاصيل كثيرة لا ندخل فيها.

فيه مثال آخر النهي عن قراءة آيات العزائم او السورة التي فيها آية العزائم. أيضا الكلام في ان النهي وضعي او تكليفي او ارتباطي او اجنبي؟ لاحظ احتمالات الفقهاء المتعددة هل هذا النهي مفاده ارشادي ووضعي أي السورة التي جزء الصلاة هي غير السورة التي فيها آيات العزائم او ان النهي تكليفي محض او النهي تكليفيي وضعي وليس وضعيا خاصا.

بين القوسين فائدة معترضة ان الزيادة في الصلاة فساد عقلي او فساد شرعي؟ الزيادة مبطلة «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» الزيادة التي ذكرت في الأدلة مبطلة للصلاة هل الابطال فساد عقلي او شرعي؟

بعبارة أخرى لتوسعة الفساد العقلي والشرعي وهذا مهم في بحث المركبات ولتنقيح دعوى الميرزا النائيني: مر بنا ان كل قيد وجوب هو قيد الواجب وما هو معناه؟ وكل قيد واجب هو قيد الوجوب وما هو معناه؟ كل قيد وجوب قيد الواجب هل يعني قيد الصحة الشرعية ام ماذا؟ ماذا يصنع تخلف قيد الوجوب؟ هل يفسد العبادة او تكون الحج غير حجة الإسلام؟ اذا لم يستطع فلا تصح هذه الحجة عن حجة الإسلام على المشهور. هل لا تصح شرعا او عقلا؟ او للفساد هنا معنى ثالث من نمط آخر. ذكر الاعلام ان تخلف قيد الوجوب وهو الاستطاعة في الحج يخل بان الفعل وهو الحج غير واجد لملاك حجة الإسلام وملاك الوجوب. بتخلف قيد الوجوب ليست حجة الإسلام. من باب عدم الأرضية وعدم القابلية. اذا هنا عدم الصحة الشرعية بمعنى آخر. لا انه لم يأت بأركان حجة الإسلام بل بسبب ان قيود وجوب حجة الإسلام غير متوفرة وقيود الوجوب دخيلة في أرضية الملاك وقابلية الملاك. فهنا الفساد شرعي لكن بمعنى اخر.

لم تصح منك أيها المكلف بعد عناءك وجهدك هذه الحجة مع انه ليس خلل في الأجزاء والشرائط بل الخلل في قيود الوجوب. فهذا الفساد شرعي لكن بمعنى آخر. فلاحظ ان هذا الفساد ليس من قبيل المانع كالحدث. من ثم قالوا فيه فرق بين خبث الحيض ان عدمه قيد الوجوب وبين حدث الحيض المعنوي ان عدمه قيد الواجب. تخلف قيد الوجوب سنخا يختلف عن تخلف قيد الواجب. اذا بهذا المقدار عندنا ثلاث معاني للفساد والفساد مقابل الصحة فيتكثر معاني الصحة.

الأول الفساد لتخلف قيد الوجوب والثاني الفساد لتخلف قيد الواجب والثالث الفساد العقلي من عدم المطابقة بين المأتي به والمأمور به.

عندنا تعبير متسالم عليه: قيود الهيئة غير قيود متعلق الهيئة. هل المقيد مقيد بالوجوب والهيئة او مقيد بالواجب. كل منهما تقييد لكنه ماذا المقيد؟

نرجع الى كلام الميرزا النائيني: الميرزا النائيني يقول انه في النهي عن القران او النهي عن ايات العزائم تقييد عموم اقرأ السورة ويقيدها بعدم العزائم ويقيدها بعدم القران. فاذا اتى بها فالمفروض ان عدمه مأخوذ في الطبيعة فتفسد الطبيعة. هذان وجهان صناعيان اصوليان.

سنرى ان السيد الخوئي في هذا المبحث لا يرتضي ما ادعاه من ان الشهادة الثالثة كلام آدمي مع انه ادعاه احتمالا.

logo