« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

المسائل العقلية الخمس والفساد العقلي والشرعي/ النهي عن العبادات والمعاملات (8)/النواهي

الموضوع: النواهي/ النهي عن العبادات والمعاملات (8)/المسائل العقلية الخمس والفساد العقلي والشرعي

 

كان الكلام في الصحة المجعولة شرعا والصحة بحكم العقل والفساد كذلك. وبالتالي تقدمت اقوال للاعلام وذكرنا شيئا من المختار وهو الذي مر في باب الصحيح والاعم ان الصحيح في جملة كثيرة من الأقسام المذكورة عند الاعلام من انها منتزعة بحكم العقل هي مجعولة شرعا مثل الصحة بمعنى تمام العبادة لما مر بنا انه لابد من اعتبار الشارع عنوان الصلاة وضعا أجزاء ثم يأمر بها مثل ما قرروه في قصد الامر فكيف يكون الصحة متأخرة رتبة عن الامر فلا يمكن ان يقرر ومن ثم ذكروا ضرورة تصوير الجامع للصحيح والاعم حسب المباني وذاك المبحث في الصحيح والاعم دليل على مبناهم الارتكازي على ان الصحة مجعولة شرعا سواء في العبادات بنحو الكلية او في المعاملات وليس فقط المسبب في المعاملات بل حتى الصحة في السبب و الايجاب والقبول عبارة عن تمام الأجزاء في السبب. أيضا هو مجعولة شرعا فاذا في الجانب الكلي الصحيح ان الصحة والفساد بمعنى اعتبار تمام المركب في السبب والمسبب في المعاملات او العبادات مجعولة شرعا وحكم وضعي وليست بإدراك العقل انتزاعا.

في مقام التطبيق هناك صحة انتزاعية عقلية لكن في مقام الجعل الكلي الصحة مجعولة. هذا من جانب.

جانب آخر في هذا المضمار الانحلال في الامر الكلي المجعول سواء للحكم التكليفي او الحكم الوضعي. الانحلال التكويني او العقلي يعني التكثر والتعدد صحيح ولكن المنحل هو شيء شرعي. يعني الكلي المجعول ينحل الى افراد. لذلك وجوب صلاة الظهر هذا اليوم وجوب شرعي وليس وجوبا عقلي منتزعا من الحكم الشرعي غاية الامر المدرك للانحلال هو العقل وهذا صحيح. الانحلال تكويني وعقلي صحيح ولكن المنحل افراد شرعي. فالحاكم بالانحلال عقل والانحلال تكويني لكن المنحل شيء شرعي وليس بجعل شرعي وراء الجعل الكلي بل هو نفسه لكنه بالتالي ينحل طبيعته. بهذا اللحاظ الصحة شرعية في مقام الجزئيات سواء في المعاملات او العبادات نعم الصحة بمعنى انطباق المأتي به للمأمور به عقلي ونقبله. فمن زاوية هي صحة عقلية انتزاعية ومن زاوية نفس الصحة والتمام نفس الكلية المجعولة. هذا مجمل المختار في هذه الدورات الثلاث الأصولية وهذا طبعا له آثار ان الصحة مجعولة او الفساد مجعولة او غير مجعولة واي زاوية منهما مجعولة ولها آثار وثمرات في الأبواب الأصولية والفقهية الكثيرة وليس امرا علميا محضا.

من باب المثال جريان البرائة الشرعية او العقلية في الأقل الأكثر الارتباطي مرتبط بان الصحة عقلية او شرعية وا لاشكالات ترد على الصحة الشرعية لا على الصحة العقلية. الصحة العقلية ليس شيء وراء ذات المأمور به. ومكانه سيأتي في محله وفيه ثمرات.

بعبارة أخرى ان هذا البحث ان النهي عن العبادة يقتضي الفساد لب هذه المسألة تمييز الصحة العقلية عن الصحة الشرعية والفساد العقلي عن الفساد الشرعي. الثمرة هي ان الفساد العقلي تداعياته اقل من الفساد الشرعي والصحة العقلية اهون من الصحة الشرعية. اما الصحة الشرعية والفساد الشرعي تداعياتها ذات مؤونة وكلفة. فلب المسألة في هذه المسألة النهي التكليفي المحض هل يقتضي الفساد أي يقتضي مفادا وضعيا او لا. هو نهي تكليفي محض هل يقتضي عقلا مفادا وضعيا؟ هذا النهي ليس له مفاد وضعي بحسب الشارع او بحسب الدلالة الوضعية هل يقتضي بالتنظير النظري عقلا مفادا وضعيا وهذا المفاد الوضعي ما نمطه وسنخه ودرجته. فلب هذه المسألة هي هذه. ولو كان بحسب الدلالة الاستعمالية او الظهور ليس محل البحث وليس فيه مفاد وضعي. فاذا محل البحث ولب البحث والنخاع فيه ان النهي التكليفي المحض بحسب الدلالة وجعل الشرع هل من باب العقل النظري غير البديهي او البديهي يقتضي مفادا وضعيا وهذا المفاد الوضعي فساد عقلي او فساد شرعي؟ مما ينبه على ان الاحكام العقلية والعقلائية تنقسم الى احكام تكليفية واحكام وضعية. ولو غالبا تقنين العقلاء الوضعي يركز على الوضعيات اكثر ما يركز على التكاليف واهتمامهم بالامور الوضعية بخلاف القانون الشرعي ان تركيزه على التكاليف اكثر من الوضعيات. المهم هذه نكتة مهمة وفي نفسها مستقلة ان الاحكام العقلية تنقسم الى تكليفية ووضعية. وان الاحكام العقلائية كذلك بطريق أولى تنقسم الى احكام تكليفية ووضعية وهذا التقسيم الى التكليفي والوضعي ليس خاصا بالشرع السماوي ويشمل الحكم العقلي ويشمل الحكم العقلائي.

فلب البحث في مسألة النهي عن العبادات هو ان النهي التكليفي المحض بحسب الدلالة والشرع يقتضي مفادا وضعيا شرعيا او مفادا وضعيا عقليا ام لا؟ شبيه مسألة اجتماع الامر والنهي ان لبها ان التنافي بحسب المراحل الفعلية ليس تعارضا في مرحلة الانشاء بل تستطيع ان تقول ان المسائل العقلية الخمس كمبحث التزاحم والمقدمة وغيرها كلها بحوث في الاطوار العقلية التكوينية للحكم الشرعي وليس هو بالدقة في المرحلة الانشائية للحكم.

لذلك في مسألة التزاحم والضد الميرزا النائيني يصاعد المحذور من المراحل الفعلية الى مراحل الانشاء مع ان المشهور يحصرونها في مرحلة الفعلية. الميرزا النائيني يقول ان تداعياتها تنسحب على مرحلة الانشائية. فيعترف انه ليس ابتداء التنافي والمحذور في المرحلة الانشائية لكن تداعيات لهذا المحذور الذي هو من اطوار العقلية تتصاعد الى مرحلة الانشاء وهنا أيضا كذلك ان النهي يستلزم الفساد الشرعي بينما المشهور يدعون ان النهي يستلزم الفساد العقلي والعجيب ان السيد الخوئي هنا لم يساند استاذه وقبل مبنى المشهور ان المحذور لا يرتقي الى مرحلة الانشاء.

هذه التفرقة ان الفساد عقلي او شرعي له تأثير كثير في الأبواب الفقهية ومنها كيفية معالجة الخلل في العبادات واذا كان عقليا فالمعالجة سهلة واذا كانت شرعية فالمعالجة صعبة الا باللتيا والتي. الفساد العقلي قابل للعلاج وقابل للاستدراك اما الفساد الشرعي ورطة وغالبا لا يمكن ان يعالج الا ما استثني. وكذلك في المعاملات اذا كان فسادا عقليا قابل للتدارك والعلاج لكن الفساد الشرعي لا يمكن علاجه غالبا.

هنا النهي يقتضي الفساد المراد منه النهي التكليفي المحض سواء تعلق بالعبادة او تعلق بالمعاملات. اذا يقتضي الفساد العقلي قابل للتدارك والعلاج واذا لم يتدارك يفسد العمل واذا كان شرعيا فيكون غير قابل للتصحيح والعلاج.

الفساد العقلي في العبادات او المعاملات يعني يقول ان هذا الذي اتيت به ليس بتام لا انه غير قابل للتصحيح وغير قابل للتدارك. هذا العمل بحده و بمجرده فاسد لا انه فاسد غير قابل للتصحيح.لذلك ورد لدينا في الروايات ان الفقيه يحتال للعبادات ويدبرها حتى لا يعيدها. ليس المراد من الفساد هو الفساد الشرعي بل الفساد العقلي. كثير من اهل الفضل او الكبار يحصل عنده غفلة بين الفساد العقلي والفساد الشرعي. تدارك الفساد العقلي استثمار صحيح للقانون.

اذا تراجع مسؤول إدارة ويقول هذه المعاملة باطلة لازم ان يبين ان هذا البطلان هل للمانع القانوني او للنقص الذي يمكن ان يتم ويكمل. وفي الروايات ان من عسر على مؤمن عسر الله عليه وان يسر على مؤمن يسر الله عليه. فرق بين ان يكون المعاملة باطلة للمانع القانوني كغسيل الأموال او للنقص الذي يمكن ان يتدارك. تارة القانون يمنع غسيل الأموال وهو ممنوع ومحذور وتارة هذه المعاملة فيها نواقص ويمكن ان يكمل. فرق بين الفساد العقلي والفساد الشرعي والقانوني. ان الفقيه يحتال للعبادة ويدبرها حتى لا يعيدها وهذا هو الفساد العقلي وقابل للتدارك. فلابد ان لا نخلط بين الفساد العقلي والشرعي سوا ءفي هذه المسألة و مسألة اجتماع الامر والنهي او مسألة الضد او مسألة التزاحم او غيرها. الصحة والفساد في مقام الفعلية والفاعلية والتنجيز في الأصل صحة وفساد عقلية وليست شرعية. فكيف ادعى الميرزا النائيني وقبله الشيخ الانصاري ان الصحة الظاهرية مجعولة؟ كلامهم صحيح. ان الشارع قد يتصرف شرعا غير مراحل الانشاء في مراحل الفعلية والفاعلية وا لتنجيز ومرحلة التعليقية ومرحلة احراز الامتثال والامتثال. مثل لاتعاد وهي عند المشهور تصرف واقعي في مقام الامتثال وليس تصرفا تشريعيا. النائيني جعل هذا التصرف في مقام الامتثال يصعد الى مرحلة الانشاء والسيد الخوئي أيضا هكذا في لا تعاد وفي قاعدة لا تنقض السنة الفريضة والسيد هادي الميلاني أيضا هكذا. المقصود عندما يقرر ان في مرحلة الفعلية التعليقية والفعلية الناقصة والفعلية التامة ثم الفاعلية والتنجيز والامتثال واحراز الامتثال يعبر عن هذه المراحل جملة من الأصوليين كالعراقي والاخوند بالمراحل العقلية والاطوار العقلية او التكوينية للحكم. مر بنا قبل قليل ان الانحلال عقلي لكن المنحل شرعي. عندما يقال ان الاطوال عقلية لا تتفكر ان الحكم عقلي بل الحكم لا زال شرعيا والحاكم بهذه الاطوار هو العقل. طبعا ان التنجيز حكم عقلي ويمكن ان يخصص بالحكم الشرعي. لزوم الامتثال حكم عقلي والامتثال تكويني ولزوم احراز الامتثال حكم عقلي والشارع يتصرف في هذه المراحل لكنها في الأصل هذه المراحل تكوينية عقلية من مرحلة الفعلية التعليقية الى الفعليتين الى آلفاعلية الى التنجيز والامتثال واحراز الامتثال. اذا هذه المسائل الخمس لب اللباب فيها ان المحذور والتنافي يقع في الاطوار العقلية والتكوينية للاحكام وليس في مراحل التشريع الانشاء الكلي. حتى باعتراف الميرزا النائيني ان اصل المحذور في الاطوار العقلية التكوينية للاحكام والتجاذب في هذه المراحل لا في مرحلة التشريع. أساسا مركز التنافي هناك وان يصاعد الميرزا النائيني ومدرسته هذا المحذور الى مرحلة الانشاء. هذه المراحل الحاكم بها العقل لكن المنحل والحكم جزئيا والمنتشر هو شرعي. نعم بعض المراحل الأخيرة كالتنجيز والامتثال ولزوم احراز الامتثال احكام عقلية.

اذا لب البحث هو ان النهي التكليفي المحض هل يقتضي الفساد العقلي؟ قد تكون الملازمة عقلية لكن ال متلازمان شرعيان. مثل الامر بذي المقدمة يقتضي الامر بالمقدمة. الاقتضاء عقلي لكن الاقتضاء على وجوب شرعي للمقدمة عند القدماء وعند اكثر المتاخرين انه وجوب عقلي وليس شرعيا. الحاكم بالملازمة شيء والمتلازمان شيء آخر. لا نظن ان الملازمة اذا تكون عقلية فبالضرورة المتلازمان عقليان. هذه نكتة صناعية ان نفرق بين الحاكم بالملازمة والمتلازمين.

ان شاء الله نواصل بقية المطالب.

logo