« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 الكراهة في العبادة ومسألة الاجتماع/ اجتماع الامر والنهي /مبحث النواهي

الموضوع: مبحث النواهي / اجتماع الامر والنهي / الكراهة في العبادة ومسألة الاجتماع

 

كان الكلام في التوضؤ من الآنية الغصبية ومضى ان القدرة في الوضوء او الغسل ليسا قيدي المشروعية بل انما قيدا التنجيز. على أي حال سواء أ توضأ بالاغتراف من الآنية المغصوبة او توضأ بالرمس ليس الوضوء والغصب متحدا لانه بالدقة ان الرمس ليس عين التصرف المباشر في الآنية او الحوض المغصوب وانما تصرف بالواسطة. تصرفه حرام لكن السؤال هو انه ماذا مصداق التصرف؟ الاغتراف ليس تصرفا وانما خزن الماء في الآنية تصرف.

طبعا في رواية تحف العقول عن كميل عن امير المؤمنين سلام الله عليه انه قال: «يا كميل انظر فيم تصلي، وعلى ما تصلي، إن لم تكن من وجهه وحله فلا قبول»[1] . بمعنى ان من شرائط الصلاة إباحة المكان. وهي رواية معتبرة لانها لها طرق متعددة.

فهل «لاقبول» بمعنى عدم القبول او عدم الصحة؟ ولعل يمكن القول بعدم الصحة وان كانوا يفرقون بين القبول والصحة لكن هنا اجمالا مع التخصيص ظاهرة في الصحة وليس في القبول وعلاوة على ان أصل القبول كما ذكر السيد محمود الشاهرودي الكبير في كتاب الحج ان ادنى درجات القبول تلازم الصحة الفعلية. على أي حال مفاده لا بأس به. فلا اقل يحتاط فيه

طبعا كتاب تحف العقول كان في أوائل الغيبة الكبرى لابن شعبة الحراني. ولعل موجودة في وصية كميل وهي مروية بطرق أخرى وهي وصية قصيرة وطويلة. وموجودة في بشارة المصطفى أيضا. لاميرالمؤمنين وصيتان لكميل قصيرة وطويلة.

المهم ان مفاد هذه الرواية يمكن الاعتماد عليه لشرطية اباحة المكان بناء على ان المراد من القبول هي الصحة سيما مع التخصيص والمنشأ ملابسات الصلاة ولها الظهور في المانعية.

الرواية الثانية ما رواه صاحب الوسائل في الباب الثاني من أبواب مكان المصلي عن الصدوق عن الصادق عليه السلام أنه قال: «لو أن الناس أخذوا ما أمرهم الله عز وجل به فأنفقوه فيما نهاهم الله عنه ما قبله منهم، ولو أنهم أخذوا ما نهاهم عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق.» [2]

على أي تقدير نرجع الى الرمس حسب الضوابط فهو بالتالي تعدد الوجود وهو لا يسبب السراية كما مر بنا امس ان كون المتلازمين محكومين بحكمين متنافيين ليس بصحيح.

منشأ فكرة السراية فكرة مقدمة الواجب او منشأه فكرة التزاحم وقد مر تنقيحه في مقدمة الواجب او الضد ان السراية بمعنى العينية والنفسية لا دليل عليها وانما هي من تبعات الحكم وتداعياته وامواجه وليس هو عينه وهذا لا يوجب الفساد بنفسه ولا يمنع من التقرب به الا بلحاظ ذيها. فلا نلتزم بالسراية.

يبقى مسألة واحدة من الفروع المذكورة عند الاعلام وهي التوضأ في الدار الغصبية او الفضاء الغصبي، هل هذا يبطل الوضوء؟ قال الاعلام ان عندنا غسلا في الوضوء وعندنا غسلا في الغسل. والغسل «بالفتح» في نفسه عنوان توصلي واخذ في الوضوء والغسل بقصد القربة. والا نفس الغسل «بالفتح» شيء تكويني والغسل «بالرفع» شيء اعتباري تعبدي. مثل غسل الثوب يحصل بحرام وحلال والتفات وعدمها فهو عنوان تكويني. هذا الغسل الذي هو عنوان تكويني يؤتى به بقصد التقرب والغسل في الحقيقة حقيقته وصول الماء الى البشرة وليس حركة الماء على البشرة. فبناء على ان الغسل في الوضوء او الغسل وصول الماء بالتالي لاربط له بالحركة في الفضاء الغصبي والدار الغصبية بل متقارنان وليس احدهما عين الآخر.

بل حتى لو كان الغسل «بالفتح» حركة. هذا بحث في باب الطهارة الخبثية لغط انه ما هو حقيقة الغسل؟ مثلا وضع الثوب في الماء الكر من دون حركة الماء وجريان الماء هل يصدق عليه الغسل ام لا؟ على أي حال لو بني ان الغسل اخذ فيه الحركة كما في المسح فما هو الحكم؟

اما في المسح فجملة من الاعلام منهم السيد الخوئي قالوا ان المسح في الفضاء الغصبي متحد مع التصرف في الفضاء الغصبي لأنه نوع من الحركة في الفضاء الغصبي فمتحد. فيكون المسح مصداقا للغصب ومصداقا للمسح العبادي. بخلاف الغسل لانه ليس فيه المسح. المسح حركة الماسح على الممسوح. فلو وضعت يدك على رأسك بدون الحركة لا يصدق المسح بل لابد ان يتحرك شيئا يسيرا. بالتالي ان المسح متقوم بالحركة والحركة في الفضاء الغصبي وحرام. هكذا قرر جماعة من الاعلام.

لكن فيه كلام: ان المسح حركة الماسح على الممسوح اما حركة الماسح في الفضاء غير دخيلة في الوضوء والحركة نسبتان. تارة نسبة الى الممسوح وتارة نسبة الى الفضاء. فلو افترضنا ان الحركة لاتكون في الفضاء فليس لها دخل في المسح نفسه. المسح حركة الماسح مماسة مع الممسوح. في الفلسفة يقولون حركتان.

لو كان الانسان في السيارة او العجلة هنا بالدقة الفلسفية حركات. حركة الراكب في السيارة وحركة السيارة بالنسبة الى الأرض وحركة الراكب بالنسبة الى الأرض. الحركة نسبة وجودية متدرجة الوجود. في الظاهر وعرفا وحسا حركة واحدة لكن بالدقة حركتان او ثلاث حركات. هنا أيضا هكذا حسب الدقة العقلية هكذا. اما الدقة العرفية هي حسية اكثر مما تكون عقلية. حركة الماسح على الممسوح شيء وحركة الماسح في الفضاء شيء آخر وتلك لا صلة لها بالوضوء وان يكون ملازمة.

فالصحيح ان الوضوء في الدار الغصبية ليس متحدا مع الغصب. وان لايبعد ان يكون فيه الغضاضة والبعد ولعل هذه الرواية حملها البعض في الغضاضة. نعم اذا حملنا رواية تحف العقول ان ظاهرها في الشرط الاولي فبالتالي تكون دليلا في خصوص الصلاة في الثوب المغصوب او الدار الغصبية وانه دخيل في قوام الصلاة. على أي حال هذا تمام الكلام في هذه الفروع.

طبعا فيه فروع أخرى انه اذا تكون تحت المصلي اناء غصبي ويريد ان يجمع ماء الوضوء ويذهب فوضوءه ملازم لسقوط غسالة الوضوء في الاناء الغصبي. فهو تصرف وسبب ومسبب. الكلام الكلام ان هذا ليس من باب عينية الوجود بل من باب تلازم الوجود وهذا ليس من موارد اجتماع الامر النفسي مع النهي النفسي لكي يكون امتناعا. وهذا لاتوجب الامتناع. لا يوجب ان يكون المأمور به مبغوضا به ذاتا. صحيح فيه غضاضة لكن ليس مبغوضا ذاتا. فيه فروع أخرى ربما ذكروها في الفقه.

أيضا من الأدلة التي يمكن ان يستدل بها على الجواز عند جملة من القدماء هي كراهة جملة من العبادات. والكراهة لا تقلّ عن الحرمة في المنافات فاذا امكن اجتماع الكراهة بعين ما تعلق به الامر العبادي فيمكن اجتماع الحرام والنهي التحريمي. لا فرق بين النهي التحريمي والنهي الكراهتي.

هذا المبحث فيه اقسام ثلاثة رئيسية وتلقائيا دخل به الاعلام في بحث موسع. لانها ظاهرة مسلمة كيف يمكن معالجتها. ان النهي الكراهتي يتعلق بنفس الامر العبادي الوجوبي او الاستحبابي. مثل الصلاة في الحمام الصلاة الفريضة او النافلة مكروهة او الصلاة في مورد التهمة او موارد اللعن وأيضا صوم يوم العاشورا وان كان الأقرب عدم مشروعيته او الصلاة النافلة المبتدأ في خمسة أوقات عند طلوع الشمس وغروب الشمس والزوال وقبيل الزوال وقبيل الغروب وغيرها ولطيف في هذه الموارد ان أئمة اهل البيت صلوات الله عليهم دائمون في ترك هذه العبادات مع انها مشروعة. فما هو الوجه في ذلك؟ كيف يمكن كراهة مضادة للاستحباب لاسيما العبادي او الوجوب العبادي سيما ان بعض درجات الكراهة شديدة فكيف تجتمع الكراهة مع الاستحباب مطلقا او الاستحباب العبادي او الوجوب؟ احكام متضادة اما بذاتها او بحسب مبادئها او لواحقها. هذا مما ينبه على انه يمكن اجتماع النهي التحريمي مع الوجوب العبادي. او حتى الامر العبادي الندبي.

طبعا امثلة كثيرة وهذه الأمثلة يزيد الامر تعقيدا فيها انها ليست بعنوانين بل بعنوان واحد. الصوم مستحب والصوم يوم عاشورا مكروه. نفس الصوم بنفس العنوان لها حكمان. طبعا بعض الاعلام قالوا ان المسألة بعنوان واحد فخارج عما نحن فيه. ليس هكذا كيف خارج عما نحن فيه؟ اذا كان بعنوان واحد جائز فكيف بعنوانين. صاحب الكفاية وغيره قالوا غير ما نحن فيه. بالتالي اذا بعنوان واحد يمكن فكيف بعنوانين. فكيف يمكن تصويره؟ هذه ظاهرة فقهية مهمة مبهمة حسب القواعد الأصولية والفقهية وتفتح لنا بابا في معرفة الاحكام وان شاء الله سنرى. فيها نكات مهمة في معرفة الاحكام.

فالتعقيد الأول انها بعنوان واحد زيادة على اجتماع الامر والنهي والتعقيد الثاني فيها ان هذا الالتقاء بين الامر والنهي ليس صدفة كاجتماع الامر والنهي بل على الدوام. يوميا خمس أوقات يكره الصلاة النافلة. طبعا عند الوهابية وبعض الاخباريين عندنا قالوا بانها بدعة والحال انها ليس هكذا سيما في باب الآداب ان الأصل فيها على عدم اللزوم. فالنهي لا يدل أولا على الحرمة.

المهم عندنا خمس أوقات تكره الصلاة. بعد صلاة الصبح واشد كراهة عند طلوع الشمس واشد كراهة عند غروب الشمس وكذلك قبيل الزوال. الزوال يعني تحرك الشمس عن نصف النهار لكن عند عروجه في دائرة نصف النهار مكروه. هذه الموارد دائمية وليست اتفاقية. هذه نوافل مبتدأة وليست نوافل ذات سبب فانها لا تكره.

فهذه الموارد كيف يمكن تفسيرها؟ فيه موارد كثيرة ان الصلاة مكروهة وبعضها اتفاقية لكن كثير منها دائمي. هنا الاعلام قسموا هذه الظاهرة ليدرسوا حاله الى ثلاث اقسام. الكراهة في العبادة ليس لها بدل وجوبية او استحابية والكراهة في العبادة لها بدل والقسم الثالث ان الكراهة لم تتعلق بالعبادة بل تتعلق بعنوان ينطبق على العبادة. فدرسوا كل واحد من الأقسام على حده.

صاحب الكفاية يقول ان التفسير الصناعي والتحليل لهذه الظاهرة لابد ان يقوم به القائل بالجواز او القائل بالامتناع. حتى القائل بالجواز لا يتبنى الجواز في العنوان الواحد لكن مر بنا انه اذا يتبنى ا لجواز في العنوان الواحد ففي العنوانين اجوز. فبالتالي كيف تفسر؟ يعني القائل يريد ان يقول انها تعدد عنوان وتعدد وجود لكن فيها وحدة العنوان ووحدة الوجود فكيف يمكن تصويرها؟

من باب المثال للقسم الأول صوم يوم عاشورا. الصوم في السفر الاغلب يقولون بعدم مشروعيته لكن هناك من يذهب لعل الحر العاملي في الوسائل يعني نادر او شاذ من علماءنا الاعلام من ذهب الى مشروعية الصوم في السفر. هذا اذا لم ينذر لكن اذا نذر تشرع الصوم. مثلا السيد الخوئي يسجل مؤاخذة على الاخوند انه لماذا مثل بالصوم في السفر او ان الصوم في السفر اذا نذر لا تذهب الكراهة مع ذلك يكون مشروعا. السيد اليزدي عنده هذا المبنى انه نذر ان هذا الصوم كراهته لم تذهب لكن بالنذر اصبح مشروعا. كما ان السيد اليزدي رحمة الله عليه في الاحرام قبل الميقات والتلبية يقول لا ينعقد لكن بالنذر ينعقد. السيد اليزدي يقول ان الكراهة بالنذر لا تنعدم. عنده تفسير في مواقيت الحج والصوم في السفر. فيكون مثالا لما نحن فيه. هذه الأمثلة كيف تعالج هي ليست فقط علاجا لهذه المسألة بل هي كنز لفهم خواص الاحكام. ان شاء الله كما سنرى . يعني بحث اهم من اجتماع الامر والنهي.


[1] بحار الانوار ج۷۴ ص۲۷۳ نقلها عن بشارة المصطفى.
[2] وسائل الشيعة ج16 ص298 أبواب مكان المصلي الباب2 حديث 5.
logo