< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/10/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنوع فلسفة التشريع في الأبواب.

 

عنوان المسألة الذي وصلنا إليه هو أنه هل يجوز للآمر أن يأمر بامرٍ ومأمورٍ مع علمه بانتفاء الشروط، والمقصود من الشروط شروط الوجوب، فهل يسوغ ذلك أم لا؟، وقد البعض كالميرزا النائيني على عدم جدوائية هذا المبحث وأنه مبحث فرضي أو تنظيري وقد استدل على لغويته وعدم جدوائيتة، وأما الآخرون فقد خاضوا فيه، وفي الحقيقة سيتبين أنه بحث له جدوى فهو يبين لنا أنواع التشريع أو تنوع التشريع وأن التشريع ليس على نسقٍ واحد ولا على وتيرةٍ واحدة، فالصحيح هو هذا.

وأما استدلال الميرزا النائيني - في مقابل استدلال جملة من الاعلام الآخرين - على جدوائية هذا البحث أو ما شابه هو أن كان أمر الآمر مع علمه بنتفاء شرائط الأمر إن كان المراد به قضية كلية حقيقة فنعم لا تكون جدوى لهذا البحث لأنه المفروض أنه في القضية الحقيقية الكلية لا نظر للآمر إلى الموضوع - وهو قيود الوجوب - وإنما النظر متمحض فقط في الأمر على تقدير وجود الموضوع يعني بنحوٍ تعليقي أو تقديري، ومن ثم عرف في الاصطلاح الاصولي أن العمومات أو الأدلة لا نظر لها ابتداءً أساساً وأصالة في الموضوع وجوداً وعدماً أو ايجاداً واعداماً أو نفياً واثباتاً، والمراد من الموضوع هنا قيود الوجوب.

فإذاً المعروف من أنَّ الدليل لا نظر له في اثبات أو نفي الموضوع - الذي هو قيود الوجوب - يعني في اقضايا الحقيقية الكلية، وعلى هذا لا تكون هناك جدوى للبحث في هذا الشيء بالنسبة إلى القضايا الكلية الحقيقة التي هي غالب التشريعات فإن غالب التشريعات أو جلها هي هكذا، وأما إذا أريد به البحث في الأمر الخارجي فالأمر الخارجي أيضاً فصحيح أنَّ في الأمر الخارجي المفروض فيه توفر قيود الوجوب أو قل تكفل الآمر باحراز قيود الوجوب، فيحنما يأمر فلابد وأنه قد احرز قيود الوجوب كون هذه نكتة أصولية، يعني في الأمر الخارجي الجزئي ليس الأمر والحكم على نحو التقدير والتعليق بل على نحو البت الفعلي فيكون الآمر والمولى هو عليه مسؤولية احراز الموضوع وهذه نكتة اصولية، وهذا هو الفرق بين الأمر الخارجي الجزئي والأمر الكلي، وحينئذٍ لا جدوى لهذا البحث أيضاً لأنه يوجد انتفاء للموضوع بحسب الواقع أو بحسب المولى - ولو كان المولى معصوماً عندنا - فإن كان بحسب المولى فسواء كان الموضوع منتفٍ أو غير منتفٍ فعلى كل تقدير الآمر باحرازه للموضوع يأمر وإن كان في الواقع ليس بموجود لأنَّ الأمر لا يدور مدار الوجود الواقعي في الأمر الخارجي وإنما يدور مدار الوجود الاحرازي لدى المولى الآمر نفسه، كما لا جدوى لهذا البحث أيضاً لأنه بالتالي مع احرازه سيأمر ومع عدم احرازه لا يأمر فأي فائدة من هذا البحث؟!!، هكذا عنون الميرزا النائيني هذا البحث.

ولكن هذا البحث أوسع مما صوره الميرزا النائيني، وقد فصّل صاحب الكفاية بتفصيل وقال:- هل أمر الآمر مع علمه هو بلحاظ المرتبة الانشائية للأمر أو أنَّ المراد هو الأمر في المرتبة الفعلية؟، وهذا ليس تفصيله بل تفصيله هو شيء آخر، فليس الفرق فقط هو بين الأمر الانشائي في مرتبة الانشاء الكلي وبين مرتبة الأمر الفعلي، ومن الواضح أنَّ الأمر الفعلي مرحلة من مراحل الحكم كما هو مقرر حتى في القضايا الحقيقية الكلية، فالأمر الفعلي هو مرحلة من مراحل الحكم وهو أمرٌ جزئي ولكن لا أن انشاءه جزئي، يعني هذا الأمر الانشائي الكلي تتطور مرتبته ومرحلته إلى أن يصبح فعلياً جزئياً خارجياً، فصاحب الكفاية يقول - والتفصيل ليس فقط بين المرتبة الانشائية والفعلية كلا بل التفصيل هكذا - إن كان المراد أمر الآمر بالمرتبة الانشائية مع علمه بانتفاء الموضوع في المرتبة الفعلية فأمره بالانشائية لا أمره بالفعلية، يعني هو قد جعل الأمر في صدر البحث الكلي وجعل الأمر في ذيل البحث الأمر الفعلي، فهو فصَّل، فمع علمه بنتفاء قيود الأمر الفعلي هل يمكن أو لا يمكن؟ وقال إنَّ هذا هو محل البحث، وأما لو أريد من الأمر الأمر الفعلي مع علمه بانتفاء شروط الامر الفعلي فهذا ممتنعٌ وليس محل البحث وإنما محل البحث هو أمر اللآمر بالأمر الكلي والمرتبة الانشائية مع علمه بانتفاء قيود الأمر الفعلي، وهل هو سائغ أو ليس بسائغ؟ قال صاحب الكفاية إنه سائغ لحِكَمٍ في التشريع، فلِحكَمٍ في الشتريع أو التقنين يكون جائزاً كما في الأوامر الامتحانية حيث يسوغ ذلك، والسيد الخوئي اضاف إلى هذا المطلب أنه ليس جزائزاً في الاوامر الامتحانية فقط بل يوجد عندنا قسم آخر من الاحكام الهدف منها هو المرتبة الانشائية وليس المرتبة الفعلية مثل الاحكام في باب القصاص والحدود والديات سيما القصاص والحدود فإن أصل تشريع ﴿ من قتل نفساً﴾ أو ﴿ ولكم في القصاص حيوة يا أولي الالباب ﴾ أو ﴿ والزاني الزانية ﴾ أو ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما ﴾ والهدف من هذا الأمر الكلي الانشائي هو اعدام الموضوع الجزئي، يعني هو نوع وعيد وتخويف وترهيب وكما قالت الصديقة عليها السلام في خطبتها ( إنَّ الله توعد بجهنم حياشةً ) يعني إبعاداً لخلقه عن النار أي ابعاداً لهم عن نقمته، فهذه رحمة من الله تعالى .

فإذاً في موراد تسجيل العقوبة الدنيوية أو الاخروية أو ما شابه ذلك الهدف في الحقيقة ليس هو الوصول إلى الأمر الفعلي بل القضية بالعكس فإنَّ الهدف هو الحيلولة دون وقوع الموضوع الفعلي وهذا صحيح فإنه في كل القوانين البشرية العقوبات والمتابعات والتبعات هدفها هو الحيلولة عن وقوع الموضوع لا أن الهدف هو أن يقع الموضوع فيعاقب عليه بل الأمر بالعكس، وهذا نوع من فلسفة التشريع سواء كان في باب الاوامر الامتحانية أو غيرها والتي فيها نذارة وترهيب مثل تروك الاحرام وتروك اعتكاف والكفارات وغيرها، فليس الهدف هو ايقاعها بل الأمر بالعكس وهو الحيلولة دون وقوعها، وهذه ابواب كثيرة وهذا ينبه على تنوع مقاصد التشريع أو فلسفاته.

فإذاً هذا بالحث هو بحث جدّي، أمر الآمر ليس مع علمه بانتفاء موضوع الأمر وإنما أمره بالأمر الانشائي مع علمه بانتفاء الموضوع بالأمر الفعلي الجزئي، بل هو أمر الآمر غايته نفي وتقليل أو الحيلولة أو المنع عن وقوع الموضوع الجزئي الفعلي فما المانع في ذلك؟! بل الأمر بالعكس فإن هذا قابل للتصور.

فإذاً هذا البحث صحيح وجدي مما يبين أنَّ اغراض التشريع تختلف فشرائط وغايات الأمر الانشائي الكلي على هي نمط ووتيرة معينة وغايات الأمر الفعلي لها غايات اخرى وعلى وتيرة ونمط آخر، فيجب أن لا نخلط بين شرائط الحكم في مرتبة الانشائية وبين شرائط الحكم في مرتبة الفعلية أو غيرها.

ولا بأس أن نوسع البحث أكير:- فإن الكلام يأتي أيضاً في قاعدة لا تعاد وأمثالها في باب الصلاة أو باب السعي أو الطواف أو أبواب العبادات أو أبواب الخلل الاخرى، فليس الهدف منها هو فتح الباب على مصراعيه مثل الآن ( من حجة حجةً مقبولة يخرج من الحج كيوم ولدته أمه لا ذنب له ) فليس المراد من ذلك أنَّ الله تعالى يقول للعبد اذنب واذنب ثم اذهب للحج وسوف امحيها لك، ويوجد الكثير من هذا القيبل مثل ( من بكى على سيد الشهداء قطرة فله كذا ) أو ما ورد في بعض الاعياد، فليس المراد من ذلك هو الاغراء بالذنب والعياذ بالله وإنما فلسفة التشريع في هذه الموارد مختلفة وليست واحدة، فمثلاً في قضية الحج أو غيرها المقصود أنه أيها المذنب لا تقنط من روح الله بل توجد أبواب للتوبة والرجوع ولتصحيح المسار ولا تظن أن كل الابواب مغلقة لا أنَّ الشارع يريد أن يغري في هذا الباب، وهذه فلسفة اخرى غير باب القصاص وغير باب الحدود وغير باب الكفارات وغير باب الأوامر في غالب الأبواب بل هذا باب آخر فلسفته أنَّ الشارع يريد أن يفتح باب الأمل والرجاء مثلاً وهذا في غير قاعدة لا تعاد، وأما فيها فأيضاً كيف يشرعها الشارع والحال أنه سيما على مسلك مشهور المتقدمين أن لا تعاد شاملة ولها عموم حتى لموارد التقصير، لأنه يوجد كلام في أن قاعدة لا تعاد وبقية القواعد الواردة في موارد الخلل هل هي شاملة لمورد التقصير ولكن مخصصة بالجهل المركب لا الجهل البسيط أو هي عامة؟، وقد ذهب صاحب الكفاية والميرزا محمد تقي الشيراوي إلى أن عموم لا تعاد وقواعد الخلل شامل حتى للعالم، يعني لو كنا نحن وظهور لا تعاد فهي شاملة حتى للعامد رغم كونه فرّط في شرطٍ أو جزءٍ وضعي واجب، نعم غاية الأمر انه آثم ولكن ما أتى به من ناقص يسدّ مسدَّ الملاك وهو قد فوت على نفسه الملاك الكامل فيأثم بذلك ولكنهما قالا إنَّ هذا كبحث علمي ولكن لأجل دعوى الاجماع يستثنى خوصوص العامد وأما بقية الاقسام كالقاصر والمقصر وغيرهما فكلها مشمولة لقاعدة لا تعاد، وهذا الرأي عكس ما ذهب إليه الشيخ النائيني وجملة من متأخري الاعصار حيث حصروا قاعدة لا تعاد بالنسيان فقط نسيان الحكم أو نسيان الموضوع - وهذا بحثٌ أيضاً - أما الجاهل المركب أو الجاهل القاصر أو المقصر فلا تشمله، وأما السيد الخوئي فقد ذهب إلى أن لا تعاد وأمثالها لا تشمل المقصر وإنما تشمل القاصر في الجهل المركب فقط، فهي لا تشمل العامد ولا تشمل المقصر.

ولكن الصحيح كما نبني عليه أن لا تعاد هي لفظا كما ادعى صاحب الكفاية والميرزا محمد تقي الشيرازي صاحب ثورة العشرين ولكن القرائن على أن العمد ومن هو بمنزلة العامد - وهو الشاك الملتفت - لا تشملها قاعدة لا تعاد أو أدلة تصحيح الخلل في الطواف والسعي وفي مركبات عبادية اخرى متعددة بقواعد اخرى مثل ( لا تنقض السنة الفريضة ) وأما البقية فكلهم مشمولون حتى المقصر وإن كان مأثوماً بتفويته الملاك ولكن يصح منه العمل، ونحن لانريد الخضو في هذا بالحث.

وقد استدل البعض هناك بنفس هذا البحث حيث قال:- لو كانت قاعدة لا تعاد تشمل المقصر للزم نقض الغرض، يعني كيف يأمر الآمر بشيء يزج في هذا الباب؟ ولكن الجواب عنه قد مر:- وهو أن الشارع يبني أن طبيعة هذا الملاك الناقص مع عدم الالتفات من الجهل المركب ولو للتقصير فهو يأثم ولكنه يصح منه كما مرت عندنا مسألتين اجماعيتين منصوصتين وهما المسافر إذا أتم أو بالعكس والمصلي الذي وظئيفته الجهر واخفت أو اخفت في موضع الجهر فقد اتفقوا على أنه شامل حتى للجاهل المقصر - طبعاً الجعل المركب وليس الجهل البسيط-، فالصحيح هو أنَّ هذا ليس خاصاً بالمسافر الذي وظيفته الجهر والاخفات بل هو عام في كل أبواب الخلل حيث تتبعنا قواعد الخلل في العبادات فوجدناها على وتيرة واحدة توستثني خصوص العامد والشك فقط أما البقية من القاصر والمقصر والجاهل بالموضوع والجاهل بالحكم ونسايان الموضوع ونسيان الحكم وغير ذلك كلها تصحح العمل غاية الأمر في المقصر أنه آثم لتفويته الملاك التام ولكن يصح منه العمل.

فالمقصود أن هذه القواعد في أبواب العبادات فلسفة التشريع فيها هي فلسفة أخرى وأنه كيف تشرّع المرتبة الانشائية وفرقها عن المرتبة الفعلية وفرقها عن مرتبة الامتثال أو التنجيز كما هو الآن في باب آخر لبيان أنَّ فلسفات التشريع في الأبواب متنوعة ومتعددة وليست على وتيرة واحدة وإنما هي بحسب المرابت، فهنا في أبواب العبادات صار التفكيك بين ثلاث مراحل وليس بين مرتبتين.

كذلك نلاحظ ما ذكره الاعلام في الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي وأحد الاشكالات المهمة على الحكم الظاهري هو أنه كيف يشرع الشارع الحكم الظاهري الذي يفوّت الواقع، فهو يعلم أن الحكم الظاهري في جملة من الموارد لا يصيب الواقع كخبر الواحد أو مطلق الخبر أو الظهور أو فتوى المفتي أو ما شابه ذلك، فكيف يشرع ذلك فإنَّ هذا اغراء بالجهل مثلاً؟ ولكن قد أجيب عن ذلك:- بأن هذا ليس اغراءً بالجهل، مع علم الشارع بأن هذا – مثل ( إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان وأني لربما قضيت لأحدكما بقطعة أرض وليس له وتأيت كقطعة نار في عنقه تجرة في يوم القيامة ) يعني يريد أن يقول سيد الانبياء صلى الله عليه وآله وسلم صحيح أن الشارع شرّع الحكم الظاهري ولكن لا تقول إن هذا الحكم الظاهري هو واقعي، كلا بل الحكم الظاهري فلسفته أنه ظاهري وتوجد في الحكم الظاهري ولكن لا تدعي أنه واقعي وترتب عليه كل ىثار الحكم الواقعي وتعتذر بل له فلسفة معينة، فإن فلسفة تشريع الاحكام الظاهرية تختلف عن فلسفة تشريبع الاحكام الواقعية وإياك أن تحتسب أن تشريع الاحكام هو على وتيرة واحدة، ولذلك الكثير من اشكالات العلمانيين والحداثويين وغيرهم ناشئة من عدم المعرفة بهذا، فهم ليسوا متخصصين في علم القانون ولكنهم يقحمون انفسهم فيه ويشكلون بلااشكات وكأنما وتيرة التشريع الالهي واحدة والحال أنها ليست كذلك بل هي على انماط وفلسفات وغايات مختلفة.

ومن الأمثلة - ونحن نذكر هذا لأنَّ هذا البحث له جدوى كبيرة لا أنه ليست جدوى منه فإنه يوقفنا على تغاير فلسفات الحكم في الأبواب أو بحسب المراتب وأنها ليست على ويترة ونمط وشاكلة واحدة وليست هوية واحدة - أنَّ الفقهاء تبعاً للنصوص يحكمون على المفافق بأنه مسلم وهذا بناءً على جميع مذاهب المسلمين ولكنه أي اسلام؟ إنه الاسلام الظاهري وليس الواقعي بدليل قوله تعالى المتفق عليه عند المسلمين:- ﴿ ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ﴾، فكيف يكون مسلماً ولكن لا يصلى عليه ولا يقام على قبره؟! اي لا تدعو له ولا تشفع له، فصلاة هي لأجل الدعاء والترحم عليه، يعني لا تعاملة معاملة الميت المسلم لأنَّ الصلاة هي من تجهيز الميت، فلا يجهّز هذا المنافق فإنه توجد حرمة في تجهيزه - أما أن أهله يجهزونه فهذا بحث آخر- لأن اسلامه ليس واقعياً، فبحسب كلمات الفقهاء في الأبواب المختلفة حول الاسلام فقد رصدنا إلى حد ما هو معنى الاسلام وهذه هي المرة الرابعة أو الخامسة التي نبحث فيها عن الاسلام والايمان أو الاسلام الظاهري في هذه الدورة الفقهية، ففي بعض الابواب الفقهيه بحثناه في الطهارة وفي باب النكاح وبحثناه في باب الحدود مرتبن وقد وقفنا من خلال ذلك على أنه إذا جمعنا كلمات الفقهاء في الابواب تبعاً للنصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام والآيات الكريمة نجد أن الاسلام على أقل تقدير له سبع أو ثمان أقسام، فليس الاسلام اطاراً واحداً وقالباً واحداً حتى يقال إن الولاية ليست من ضروريات الاسلام، فأيّ اسلام هذا؟!! دعنا عن الايمان، ولذلك ﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أن لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله يشهد أن المنافقين لكاذبون ﴾ فهم كاذبون وليسوا بصادقين، فهذا اسلام الكاذبين وليس اسلام الصادقين، فيوجد عندنا اسلام الكاذبين ويوجد عندنا اسلام الصادقين، وهذا لا ينفرد به مذهب أهل البيت عليه السلام فقط بل تقول به كل مذاهب المسلمين، فهذه التفرقة بين اقسام الاسلام موجودة عندهم أيضاً، فتشريع الاسلام أي اسلام هذا؟!، مع أنه حتى الاسلام الظاهري يوجد له أنواع فيوجد عندنا اسلام ظاهري ويوجد عندنا اسلام تنزيلي ويوجد عندنا اسلام اماري ويوجد عندنا اسلام استسلام ويوجد عندنا اسلام بمعنى المعاهد ويوجد عندنا اسلام بمعنى الهدنة، فتوجد انواع متعددة للاسلام تبعاً للنصوص إلى ما شاء الله، كما يبين الاسلام في بعض السور القرآنية أنهم:- ﴿ وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾[1] مع أنهم مسلمون في الظاهر ولكن القرآن الكريم يصفهم بأنهم ليسوا بمسلمين بحسب الواقع، ومن هذا القبيل الكثير، فأي اسلام انت تقول ليست الولاية شرط فيه، بل عليك أن تلفت إلى أن الاسلام في القرآن شيء آخر، أما أنك تقول الولاية ليست شرطاً فهذا غير صحيح بل هي شرط، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[2] فأي اسلامٍ الذي رضيه الله تعالى؟ إنه الاسلام الواقعي وأما الاسلام غير المرضي فهو الاسلام غير الواقعي، فالاسلام المرضي هو الذي فيه ثلاث شهادات وليس شهادتين وهذا حسب بيانات الوحي، ففي التشهد في الصلاة أنت تأتي بأي اسلام فهل تأتي بالاسلام الواقعي أو تأتي بالاسلام الظاهري أو اسلام المنافقين أو اسلام الصادقين؟!، فالتشهد كعقيدة أنت بأي اسلام تتشهد فيه في الصلاة؟! وهذه نكتة مهمة جداً، مع أن هذا موجود حتى في الاسلام الظاهري فقد اتفقت كل مذاهب المسلمين على أن المنكر أو المناصب عداءً لأهل البيت عليهم السلام لا يحكم عليه حتى بهذه الاقسام من الاسلام فكيف لا تكون ولاية أهل البيت مأخوذة بأنماط مختلفة حتى في هذه الاقسام من الاسلام؟!!

وعلى أي حال لا نريد الخوص في تفاصيل الامثلة ولكن نقول إنَّ التشريعات في الابواب ليست على وتيرة واحدة، فلا تظن بأن الاسلام واحد بل عليك أن تنتبه إلى ذلك.

وعلى كلٍّ هذا المبحث من هذه الجهة مفيد جداً فهو يبين لك أن غايات التشريع مختلفة فلا تسترسل غفلة وتظن أن التشريع على اطار ونمطٍ واحد بل فلسفاته وغاياته وتشريعاته مختلفة، وعليه فهذا بحث مفيد جداً ويبين لنا هذه الأمور، وتوجد تتمة له سنواصلها في الدرس التالي إن شاء الله تعالى.


[2] سورة المائدة، ألاية3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo