< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر، التعبدي والتوصلي

كان الكلام في التعبدي والتوصلي ومر بنا أن عنوان التعبدي في اصطلاح الوحي والعلوم الدينية له معان كثيرة عديدة فالمفروض أن لا يخلط بين تعدد تلك المعاني. من أحد غفلات الكتّاب العلمانيين او الحداثويين أنهم يظنون أن التعبدى بمعنى واحد وربما في النقاشات الداخلية في العلوم الدينية بين الأعلام الأكابر أيضا يقع غفلة في المراد من التعبدي في الأدلة.

مثلا إن الصلاة توقيتية وتعبدية وتوقيفية. أحد معاني التعبدي هو التوقيفي فالصلاة توقيفية وتوقيتية. الكلام في أن التوقيت والتوقيف من الشارع في الصلاة هل يمنع من المجيء بغير المأثور مما ينطبق عليها عنوان عام كعنوان الدعاء او عنوان ذكر الله؟ فلاحظ هناك غفلات. أو مثلا إن التشهد توقيفي فكيف تدرج فيه الشهادة الثالثة؟ صحيح هذا التشهد الذي توقيفي لكن هل التوقيفية والتوقيتية وتعبدية التشهد في داخل الصلاة تختلف عن تعبدية التشهد في الأبواب الأخرى أو هي هي؟ إذا كانت حقيقة شرعية واحدة فلا يختلف. هل للشارع جعل في باب الصلاة للحقيقة وماهية التشهد تختلف عن ماهية التشهد وحقيقية التشهد في كل الزيارات وكل الأدعية وكل الأبواب الأخرى أم هي هي؟ اتفاقا عندنا روايات خاصة في باب الصلاة دالة على أنه لو كان فيه جعل خاص وتوقيت خاص يغاير لهلك الناس، فهي من الحقيقة الشرعية المعهودة.

فلاحظ، إن الغفلة عن هذه المباحث يجر الباحث الى أن الأدلة في أبواب الزيارة ليس لها ربط بباب الصلاة غفلةً عن وحدة الحقيقة الشرعية مع أن هناك نصوصا خاصة دالة على أن ليس هناك تعدد في الجعل والحقيقة الشرعية في باب الصلاة.

المقصود أن التعبدي له معان عديدة ومراتب كثيرة يجب ان يلتفت اليه الانسان كثيرا. بتعبير صاحب الجواهر في باب التشهد ان الشارع جعل عنوانا آخر «قل أحسن ما علمت» المقال يعني العقائد يعني قولا اعتقاديا لأن الصلاة من أولها الى آخرها كلها مقالات اعتقادية وليس فيها شيء غير الاعتقاد «قل أحسن ما علمت» بتعبير صاحب الجواهر وكاشف الغطاء ان هذا يدل على عدم التوقيت الخاص من الشارع.

أيضا أحد معاني التعبدية بمعنى الجهة الإثباتية في مقابل عدم الإثبات وعدم الدليل. فالمقصود انه لابد من الالتفات الى معاني التعبدي الكثيرة بحسب اصطلاح الوحي او العلوم الدينية

لكنه في المقام بحث الأعلام عن ستة معان والكلام في تحرير مقتضى القاعدة في الظهور اللفظي او الأصل العملي ومنها التعبدي بمعنى قصد الامر الذي هو الأساس وسيأتي بحثه في نهاية المطاف. أما المعاني الأخرى بحثها الاعلام بحسب الظهور اللفظي والاصل العملي.

مثلا من موارد الظهور اللفظي الخاص في باب التقصير في الحج والعمرة هناك عبروا أن طبيعة التقصير وفعله عرفا إسناده أعم من كونه مباشرا او بالتسبيب، مثل بناء البيت الذي أعم من التسبيب والمباشرة أو قتل يزيد لعنه الله سبط رسول الله وهلم جرا، إسناد في طبيعته عام وليس خاصا وفي بعض الأبواب الظهور بنفسه يتكفل التوسعة بالظهور الخاص.

كما مر أمس عن الميرزا النائيني أن أصل هذا البحث جار في أول أبواب الفقه الى اخره عن كيفية الاسناد وانها ليست على وتيرة واحدة. في المعاملات والايقاعات أحد معاني التعبدي والتوصلي أن التعبدي يعني لابد أن ينشأ الفعل ويصدر زيادة على الاختيار بالقصد الإنشائي فلا يكفي الاختيار والإرادة التكوينية بل لابد ان يكون هناك القصد. لكنه في غسل الثوب بالماء سواء قصد أم لم تقصد بالاختيار او بدون الاختيار تصح الغسل، لكن في المعاملات لا يكفي الاختيار والإرادة بل لابد من القصد. هذا أحد معاني التعبدي في مقابل التوصلي.

القصد أيضا في المعاملات كما ذكر الأعلام على درجات. السيد اليزدي في الجزء الثاني من العروة يستعرض جملة من المعاملات ويقول إن القصد في البيع غير القصد في الوكالة أو في الاذن النيابي في الوكالة. لذلك في باب الوكالة ذكروا أنه في محاذاة الوكالة الاذن ثم الاذن الانشائي وليس الاذن القلبي لكن إنشاء الاذن في الوكالة أخف معونة من القصد الانشائي في البيع والإجارة. فإذاً لاحظ حتى القصد الانشائي على درجات وهذا غير الاذن بمعنى الرضا القلبي بل المراد الاذن الانشائي. فلاحظ الفعل في اسناده الى الفاعل له درجات عديدة في الأبواب الفقهية حتى في علم القانون

في مبحث الحدود من باب المثال العياذ بالله في كثير من البلدان يسبون المقدسات فإذا أقدم المسلم بمثل هذا الفعل العياذ بالله هل هو خارج عن الدين؟ السيد الخوئي يقول لا. لماذا لا يكون مع أنه تكلم بالارادة والاختيار؟ الفقهاء عندهم قولان في المسئلة. السيد الخوئي يقول لايوجب الخروج عن الدين لأن قصد الخروج عن الملة والدين يحتاج الى قصد جدي متعمد وإلا الصدفة والتلفظ بهذه الالفاظ لايعد الى انشاء الخروج عن الدين. لطيف الشهيد الأول رحمه‌الله في نفس هذا المثال قال حتى الارتداد هو فعل إنشائي قصدي متعمد جدي كمن أنشأ الشهادتين بقصد جدي كذلك الخروج عن الملة يحتاج الى قصد جدي. من يتلفظ بهذه الألفاظ لا عن جد وانشاء جدي لا يرتد لكن حده القتل بحث آخر لكن ليس الارتداد.

المقصود أن هذه البحوث في الأفعال في باب الحدود او الابواب الأخرى حتى يتدخل فيها درجة القصد او درجة الإرادة والاختيار لأن اسناد الفعل للفاعل على درجات وليس على درجة واحدة. هذا بحث مهم.

إذاً كلما يدخل قيود زائدة في الفعل يسمى تعبديا ويكون معنى من معاني التعبدي في مقابل التوصلي. فهذه نكتة مهمة؛ معنى التعبدي يعني مزيدا من القيود في الأبواب الفقهية والعلوم الدينية.

نرجع الى ست معان ذكروها. ما يسقط بفعل الغير فهو توصلي وإلا تعبدي. مثلا الصلاة عن الميت فيها قصد الأمر لكن هي توصلي بمعنى آخر يعني يسقط بفعل الغير من دون الاستنابة مثل الديون المالية. هل في الديون المالية سد الدين يحتاج الى إذن المديون او لا؟ البعض يقول يسقط الدين بدون الاذن من المديون. والبعض قال صحيح انه ليس نيابة ولا يحتاج الى قصد النيابة لكن القرض معاوضة وماهية معاوضية لأنه يملكك مالا او عينا وعوضه أن يكون مثله او قيمته في ذمة المقترض فالقرض معاوضة وأداء الدين أيضا من المعاوضات. المهم المتبرع في الدين إذا لم يستأذن من المديون وأدى الدين يسقط الدين عن ذمة المديون سواء دينا ماليا او دينا ماليا شرعيا كالخمس والزكاة والبعض قال لابد من الإذن لأنه قد يكون أداء الدين من المتبرع موجب لحرج اجتماعي على هذا المديون. لسنا في صدد الدخول في هذه الأبحاث لكن المقصود هذا نوع من البحث التعبدي او التوصلي. إذا يحتاج الى الاذن فتعبدي والا فتوصلي.

الاذن نوع من الاستنابة والانابة وفعل المأذون نيابة وفعل الآذن إنابة او استنابة. يقولون في باب المعاملات إذن الآذن للعامل او غير العامل بأن يصبغ الجدار إذنه هذا أمر ضماني ويضمن عمل العامل. الاذن أمر ضماني ويضمن الآمر او الآذن. إسناد الأفعال كثير ومتغير ومتنوع. فما هو الأصل الاولي في الأفعال إن فعل الغير في الأفعال يسقط الواجب او لا يسقطه؟ إذا شككنا في باب من الأبواب. ما هو مقتضى الأصل اللفظي وما هو مقتضى الأصل العملي؟ والمحور الثالث اذا شككنا في باب أنه يسقط بفعل الغير او لا ولو لم يأخذ في فعل قصد الامر؟ مثلا لاحظ في الطواف والسعي طاف رسول الله بالدابة في حجة الوداع. هذا الطواف اختيارا جائز والدابة لها إرادة حيوانية لكن الزمام بيد رسول الله. مع ذلك يقولون لا يجوز أن يحمل انسان انسانا آخر من غير أن يكون عاجزا لان الانسان ليس كالدابة. نعم يمكن للإنسان ان يركب كرسيا متحركا بالكهرباء أما أن يقعد كرسيا ويقودها انسان آخر لا يجوز. مرتبة الفعل تختلف. في السعي هكذا. لو كان حول الكعبة او السعي أرضية متحركة تلقائيا يتحرك وأنت تركب عليه الطواف يسند اليك وما فيه مانع. أما إذا يركب كرسيا والأخر يقودها يستشكلون فيه فرق في الدرجات. المقصود الأفعال في كيفية اسنادها الى الفاعل ذات عرض عريض في كل باب بحسبه. لذلك قالوا في التقصير في العمرة والحج على القاعدة بإذن الشخص المكلف بالتقصير والمعتمر والحاج إذا حلق شخص آخر له يصح قاعدتا مع ان النصوص ظافرة فيه.

افترض أن الأصل اللفظي والاصل العملي يتقضي التعبدية في هذه المراتب في فعل الغير والاستنابة والإرادة والاختيار لكن عند الاعلام بحث خطير آخر مهم يعني نحن نبحث في مقامين مقام سقوط الواجب ومقام آخر وبحث آخر افترض أن القاعدة اقتضت التعبدية بالمعاني الست هناك بحث اخر حساس وهو أن الملاك هل يضيق بضيق الواجب او أن الملاك في الفعل أوسع من دائرة الواجب؟ له ثمرات كثيرة. لأن الملاك اذا كان أوسع وأتي به توصليا أتي الواجب. صحيح لم يأدي الواجب كواجب لكن الملاك حصل وانتفى الموضوع فما يتقرر وجوب القضاء او شيء آخر. من باب المثال في حج الإسلام افترض حجة الإسلام تعبدية بالمعاني الستة لكن إذا كان الملاك أعم فحينئذ سوف يسقط من ذمته حجة الإسلام وإن لم تكن شرائط حجة الاسلام متوفرة. المقصود بحثان بحث التعبدي والتوصلي وبحث احراز الملاك. الميرزا النائيني والمشهور يقولون لا مانع من كون دائرة الملاك أوسع من دائرة الواجب. هذا بحث حساس لايقل عن أصل بحث التعبدية والتوصلية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo