< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعارض من وجه بين الاطلاق والعموم

كنا في بحث الدوران بين العموم والاطلاق من وجه أو الاطلاق والاطلاق من وجه. المرحوم الاخوند يبني علی عدم تقديم العموم علی الاطلاق مطلقا، فضلا عن الاطلاق علی الاطلاق وهو يبني علی أن الاطلاق لايعتمد في ظهوره علی الكلام المنفصل بل يعتمد علی الكلام المتصل. فشرط عدم التقييد في ظهور الاطلاق وموضوع الاطلاق عدم التقييد بالمتصل وهذا شرط موضوعي للاطلاق وليس شرطا محموليا أما القيد المنفصل فهو شرط محمولي لحجية الاطلاق وهذا شيء لطيف وظريف في القالب الصناعي في علم الأصول، يعني حتی الأحكام الشرعية في علم الأصول بعض الشروط فيها شرط الموضوع وبعض الشروط فيها شرط الحكم، فهنا القيد المنفصل ليس عدمه شرط الموضوع بل شرط المحمول والحكم. أما ما هو شرط الموضوع عند الاخوند هو عدم القيد المتصل نظير الأحكام الفقهية وفيه ثمرات كثيرة تترتب علی الفرق بين شرط الموضوع وشرط الحكم، مع أنهما مآلا يؤولان الی شرط الحكم لكن بينهما فوارق كثيرة صناعية وآثار صناعية كثيرة ذكرت في أبواب عديد منها صلوة المسافر.

هنا المرحوم الاخوند يقول بأن القيد المنفصل شرط الحجية وشرط المحمول للاطلاق وليس شرط موضوع الاطلاق وشرط موضوع الاطلاق فقط عدم القيد المتصل، عكس الميرزا الناييني؛ هو يتبنی علی أن عدم القيد المنفصل كالمتصل شرط موضوع الاطلاق لا شرط الحكم والحجية. يعني أصلا عند عدم توفر الشرط وعند وجود القيد المنفصل لاوجود للموضوع والاطلاق فإذا وجد القيد المنفصل يرتفع موضوع الاطلاق.

لكي لانعبر عن هذا المبحث بشكل سطحي وإن كان هذا المبحث أصله في مبحث الاطلاق لكن الاعلام هنا تعمقوا فيه سيما المرحوم الناييني وهذا طبعا يترتب عليه آثار كثيرة بغض النظر عن مبحث التعارض أصلا في نفس عالم الدلالة له آثار كثيرة.

هذا المبحث شبيه له ومثيل له -لا عينه- ونظير له عند القدما الی القرن التاسع أو العاشر أو الحادي عشر (ليس ببالي أن سلطان العلما لعله في القرن الحادي عشر وهو أقوی المحشين علی كتاب الروضة البهية وحواشيه جدا دقيقة ومتينة وعنده حاشية علی كتاب معالم الأصول جدا دسمة)أيا ما كان قبل زمان سلطان العلماء عند الاعلام أن القيد المنفصل قرينة استعمالية.

الميرزا الناييني قال أن القيد المنفصل قرينة تفهيمية أو قرينة جدية أولية، يعني تردد كلامه بينهما. عدم القيد المنفصل عند الميرزا الناييني أو قيد المنفصل عموما إما قرينة جدية أولية (عند جملة من الأعلام منهم الآخوند أن المدلول الجدي ليس مرتبة واحدة المرحوم الاخوند دائما يؤمن بالمرتبية والمراحل فعنده المدلول الجدي علی الأقل مرتبتان وهذا من بدايعه، المهم أن المدلول الجدي مرتبتان المدلول الجدي الأول والمدلول الجدي الثاني أو قل النهايي. هذا من مباحث الدلالة غير مراحل الحكم الشرعي. مجموع كلمات الأصوليين أن المدلول الجدي أكثر من المرتبتان. فعندهم المدلول الجدي الأول والثاني والثالث) الميرزا الناييني عنده ست مراحل المرحلة الوضعية والتصورية والمرحلة الاستعمالية والتصديقية والمرحلة التفهيمية ثلاثة والجدية أيضا ثلاثة، ست مراتب عنده. المرحوم الناييني يقول القيد المنفصل عدمه أو وجوده يتصرف أو يؤثر في المدلول الجدي الأول أو المدلول التفهيمي، فالميرزا الناييني يركب ويربط موضوعا في الاطلاق أو غير الاطلاق القرينة المنفصلة (القيد المنفصل نموذج من القرينة المنفصلة) يقول أنها قرينة علی المدلول التفهيمي أو المدلول الجدي الأول والاخوند يقول القرينة المنفصلة ليست قرينة علی المدلول التفهيمي ولا علی الجدي الأول، نعم هو قرينة علی الجدي النهايي.

المثال الذي ذكرنا عند غالب الاعلام قبل سلطان العلماء (لعله في القرن الحادي عشر) كان علماء الامامية يبنون علی أن القيد المنفصل والقرينة المنفصلة قرينة استعمالية. يعني أن القيد المنفصل مرتبط في الظهور الاستعمالي فالروايات والآيات كلها في حوض واحد من الدلالة الاستعمالية. أمس تذكرون مر بنا أنه بناءا علی مبنی الميرزا الناييني خطأ أن ندرس طريق رواية واحدة، لأن الظهور عند التفهيمي أو الجدي مجموع واحد، فلامحالة الطرق سوف تكون انضمامية، فكيف بك القدماء يعني أربع طبقات من الفقهاء يبنون علی أن الدليل المنفصل دخيل في الظهور الاستعمالي.

يعني أصل الظهور الاستعمالي ليس لك أن تقولبه وتسوقه أيها المستنبط والمستظهر إلا بعد الاطلاع علی جميع الآيات وجميع الروايات. يعني أن الأدلة مجموعا لها ظهور استعمالي واحد، فمن الواضح أن الصدور والطريق الواحد ليس له حجية إلا مع المجموع في تكوين الظهور فله بنيان مجموعي.

سلطان العلماء قال هذه الدعوی من القدماء من أن الدليل المنفصل قرينة استعمالية غير صحيح بل هي قرينة تفهيمية أو جدية، أما الاستعمالية مبناهم غير صحيح. هذا حتی في علم البلاغة يؤثر وهذا مباحث مهمة في بنيان الظهور والاستدلال.

القدماء عندهم أن القيد المنفصل يدل علی الاستعمال المجازي للعموم أو الإطلاق، فإذا أتی دليل مخصص منفصل يدل علی أن العموم المستعمل في الدليل الأول مجاز ولم يستمل في العموم. بحث المجاز والحقيقة من مراحل الدلالة الاستعمالية وليس من مراحل الدلالة التفهيمية. هذا مشهور من القدماء أن التخصيص والتقييد يكشف عن المجاز. يذكرها سلطان العلماء ويقول التخصيص بالمنفصل والتقييد بالمنفصل لايكشف عن المجاز فالاستعمال حقيقي، غاية الامر يضيق التفهيمي أو الجدي. هذا مهم جدا في مباحث الألفاظ وفي الاستظهارات اليومية في الفقه أو العلوم الدينية.

إذا تذكرون في علم البلاغة علم البيان وعلم المعاني (علم المعاني أهم وعلم البيان في الرتبة الثانية) علم المعاني وعلم البيان وتيد الصلة بمباحث الالفاظ في علم الأصول جدا،كما أن المنطق وتيد الصلة بمباحث الحجج. المنطق نفسه قسمان الالفاظ ومباحث الالفاظ والحجج. هذا ليس صدفة بل تطابق طبعي ذاتي وتكويني. إذا أن القيد المنفصل أو القرينة المنفصلة ماهو دورها في الدليل الأول؟ دورها وتأثيرها هل استعمالي أو تفهيمي أو الجدي الأول أو الجدي النهايي؟

فرق الكناية عن الاستمال المجازي ماهو؟ الاستعمال المجازي تصرف في المدلول الاستعمالي والكناية تصرف في المدلول التفهيمي، نعم من ترقص الكناية أنها تراوح وتذبذب بين الاستعمالي والتفهيمي. هذا ذكره علماء البلاغة في علم البيان.

من ناحية أخری أن قرائن الاستعمال تختلف عن قرائن التفهيم وتختلف عن القرائن الجدية، مراتب من القرائن هذه مهمة التفكيك بينها. سواء هذه القرائن في الدليل الأول في ضمنه أو في الدليل المنفصل. القرائن مراتب والأصول اللفظية أيضا مراتب وليست مرتبة واحدة وكل مرتبة سابقة مقدمة علی المرتبة اللاحقة في القرائن والأصول اللفظية. هذا كله يقرره الأعلام ومهم.

أيضا في مراتب المدلول الجدي لأن الاخوند يجعل المدلول الجدي ثلاث مراتب أو مرتبتين، المرتبة الجدي الأولی والمرتبة الجدية الثانية والثالثة. قرائن المرتبة الجدية الاولی وقرائن المرتبة الجدية الثانية وقرائن المرتبة الجدية النهائية، فالقرائن مراتب وليست مرتبة واحدة ولها تأثير في التقدم والتأخر. القرينة التي تكون في المرتبة السابقة تكون واردة علی القرينة في المرتبة اللاحقة. وارد ومورود وحاكم ومحكوم. حتی بيّنه الشيخ الانصاري والناييني هكذا في مبحث التعارض ومبحث الظهور. فالقرائن ذات مراتب وليست مرتبة واحدة.

من ناحية أخری أن التلازم بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي في الكلام الواحد تارة تلازم تفهيمي وتارة تلازم جدي والتلازم الجدي تارة تلازم جدي أولي وتارة تلازم جدي ثانوي، إذًا الدلالة الالتزامية أيضا مراتب. هذا كله في الحسبان.

الان لنشرح هذا الفرق بين مبنيي العلمين علی ضوء هذه الاصطلاحات. الميرزا الناييني يجعل القيد المنفصل قرينة تفهيمية وقرينة جدية أولی ولعله يراه قرينة تفهيمية أكثر بينما الاخوند يجعل القيد المنفصل أو القرينة المنفصلة قرينة جدية نهائية.

أليست القرينة الجدية النهائية ظهورا للدليل؟ المفروض أنه القيد المنفصل والقرينة المنفصلة عند الاخوند شرط الحكم وشرط الحجية وليس شرط موضوع الظهور فكيف يفصل؟ المرحوم الاخوند يبين أن الجدي النهائي مرتبط بظهور نهائي من مجموع الأدلة والحجية أما الجدي الأول فهو ظهور ذاتي داخلي في الدلبل وحجيته اقتضائية. فالجدي الأول ظهور ذاتي داخلي للدليل وحجيته اقتضائية ويعتمد علی المتصل فقط، بخلاف الجدي النهائي هذا مدلول من مجموع الأدلة ومرتبط بالمحمول والحجية الفعلية. فعند المرحوم الاخوند في الحجية الفعلية، الأدلة مجموعية، بينما في الحجية الاقتضائية لامانع أن تكون الحجية استغراقية وليست مجموعية.

أما عند الميرزا الناييني، التفهيمي والجدي الأول أيضا حجيته مجموعية وليست استغراقية بينما عند القدماء المدلول الاستعمالي حجيته واقتضاءه مجموعي فالحجية مجموعية وليست استغراقية. علی أي تقدير علی حسب مباني الاعلام الحجية الفعلية وهي النهائية مجموعية لاريب. وهذه سياقة الی مراتب الحجية بديعة صناعية أن الحجية الفعلية مجموعية والحجية الاقتضائية استغراقية.

طبعا نحن نبني علی كلام الاخوند لا الناييني. والصحيح هو هذا أن القرينة المنفصلة قرينة في الجدي النهايي. لماذا؟ هذا بحث في مباحث الألفاظ أو مباحث الظهور ولانبسط الكلام فيه.

طبعا لايخفی بعد أن فسرنا الخلاف بين مبنی الاخوند ومبنی الناييني لايخفی علينا أن البحث الان في حقيقة الاطلاق والاختلاف بين صاحب الكفاية والناييني هذا في الاطلاق الدلالي الذي هو بنيانه في الدلالة وقد يسمی اطلاقا آخر متطابقا معه أو متلازما معه يقال له الاطلاق اللحاظي بلحاظ المتكلم أو لحاظ السامع. يعني أن الاطلاق الذي يعتمد علی المنفصل أو لايعتمد هذا في الاطلاق الدلالي والاطلاق اللحاظي لا الاطلاق الطبعي والذاتي أو الملاكي. لأن الاطلاق له خمسة اصطلاحات وخمسة اقسام وخمسة أنواع. بعد ما قررنا هذين المبنيين اجمالا وفهرسيا ان شاء الله سنبين أن النتيجة ماذا ستكون عند التعارض من وجه بين العموم والاطلاق وأن ما ذكره الاخوند سديد وصحيح لاما ذكره الناييني.

غدا ان شاءالله سينتهي بحث التعارض وسندخل في مبحث الاجتهاد والتقليد.

فقط لأجل أن نشرع الاجتهاد والتقليد يوم الاحد نذكر كلمة وأول نقطة: ما الفرق بين الاجتهاد عند العامة وعند الخاصة؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo