< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض الدوران بين التخصيص والنسخ/تشريع النبي صلی الله عليه وآله و دور تشريع الأئمة عليهم السلام

كنا في بحث الدوران بين النسخ والتخصيص ومااعتمد عليه المشهور من أنه التدريج في البيان. مر ان حقيقة تشريع النبي صلی الله عليه و آله وتشريع أئمة أهل البيت لبه يرجع إلی التفسير لكن ليس التفسير بالنمط المعروف بل هو نوع من التفعيل، هو تفسير لكنه تفعيل لأن جمل الشريع الإلهي تحتاج إلی التفصيل بتوسط التشريعات التفصيلية، مثل التشريعات البرلمانية تكون تفصيلا للأصول الدستورية، التشريعات الوزارية تكون بمثابة التفسیر للتشریعات البرلمانیة فطبقات.

فالتشریع الوزاری من شأنه أن یفسر التشریع البرلمانی و التشریع البرلمانی من صلاحیته أن یفسر التشریع الدستوری، هذه لیست صدفة إنما هی نظام طبقاتی ذاتی ضروری فی نفس ماهیة ‌معادلات علم القانون. هذا أیضا من بحوث علم القانون.

هذه الضرورة ‌نجدها أن مذاهب أهل السنة فی العقائد جعلوا ائمة العقائد الأول و الثانی والثالث، هذا لیست صدفة، إنما طبیعة‌ نظام الدین هی هذه، بعد ذلک أتوا بالائمة الأربعة للفروع وصدوا باب الإجتهاد فهذا ایضا لیست صدفة خوفا من تشعب الفقه لدیهم إلی الآن لم یفتح باب الاجتهاد عندهم. لیست صدفة ولاسیاسة، إنما هی طبیعة علم القانون وعلم الدین إذا لم یضبط بقوالب. أصلا جعلهم للأئمة الأربعة وصدهم باب الإجتهاد هذا برهان تاریخی وحضاری لکون الإمام الصادق والباقر علیهما السلام إمامین لأن البشریة‌ تحتاج إلی الإمام في أصول تشریع الفروع وإن هذا المقام لايتسنی لغيرهم أن يأخذه، هذه ليست صدفة، غاية الأمر هذا المقام الذي تتعطش و تضطر إليه البشرية غمصوه الأئمة الأربعة. أصل الكبری اضطرار و ضروري و لايمكن لبقية الفقهاء أن يدانيه ويدخلوا داخل المقام. ربما من عشر سنين أشرنا إلی هذه النكتة ليست صدفة كما أن قولهم في الأول والثاني والثالث وما يعتقدونه فيهم و قولهم بأنه اعتقاد، هذا المقام بعد النبي مقام اعتقادي وليس مقام أئمة الفروع، هذا دليل علی أن منظومة الدين تضطر إلی هذا الشيء. عندهم الإعتقاد بالأول والثاني من العقيدة والايمان وليس من الفروع. هذا من أصول الإيمان عندهم فأصل الكبری ضروري وهم في الكبری لاينازعون فيها و هم مضطرون للجري عليها والأخذ بها. فالمقصود برهان من علم القانون علی إمامة أهل البيت و برهان من علم الكلام وفطري علی ضرورة الإمامة بعد النبي، بأنه هناك يجب تعيين الأفضل بعد النبي. إذا تسئلون عنهم من الأفضل بعد النبي يقولون الأول . تعيين شخص بعد النبي لكي الأمة تقتدي به وتأخذ عنه شيء ضروري واضطرار. لذلك حتی في يوم الشوری قال عبدالرحمن بن عوف: تأخذ بكتاب الله وسنة النبي و سيرة الشيخين. قال أميرالمؤنين عليه السلام بكتاب الله وسنة النبي نعم أما بسيرة الشيخين لا، لاحظ هم يجدون أنه بعد النبي لابد ممن يشق منهاجا معينا، أما أميرالمؤنين لم يعترف بنسبة من الصحة من الطرف الآخر، شبيه موقف فاطمة سلام الله عليها. فالمقصود هذه الأمور ليست صدفة. الان حتی في الدراسات البشرية التاريخية و الإنسانية والعلوم الإجتماعية الايدئولوجية و العقيدة في الرتبة الأولی ثم تأتي الاخلاق ثم تأتي القانون، هذه الخارطة تنطبع علی الإنسان وفكره ثم نفسه ثم بدنه. هذه نكات مهمة لابد أن نلتفت اليه.

إذاً دور تشريع النبي بالدقة لمّا يقال هو تابع، بهذا اللحاظ يعني كل تشريعات النبي هي مستمد بالأصول التشريعية من الله ويفعّلها ويفسرها ويبيّنها، بعد ذلك يأتي دور أئمة أهل البيت وهم يأخذون من أصول تشريعات الله وأصول تشريعات النبي ويفسرون ويشرعون ويفصلون وبعد ذلك يأتي دور الفقهاء.

لاحظوا؛ باب الإجتهاد مفتوح ومعالم مذهب أهل البيت عقائديا و أخلاقيا وقانونيا لاتتماهی لان الذي بنی بنية هذه القوالب ميزان اكبر، يحدد المسارات وإذا واحد يخطأ ينكشف خطأه طبق الموازين و الضوابط. لايمكن فيه التلاعب، هذه الموازين في نفسه إعجاز وفيها قابلية أن تكون عيار ميزاني إلی يوم القيامة، لذلك باب الإجتهاد مفتوح مادام الضوابط والضروريات التي هي تتحكم للفقيه لايقدر ان يتخطی عن ضروريات دين الإسلام و ضروريات مذهب أهل البيت مهما كان شأنه، لذلك الاجتهاد حتی لو فتح ضمن هذه الدائرة.

إذاً في الدوران بين النسخ والتخصيص دور النبي ليس ناسخا بالدقة بل مفسر فهو المخصص يعني المفسر حتی في تدريجية البيان ودور الائمة الكلام اللكالم ليس ناسخا لتشريع النبي وإنما هو مخصص.

هذا لاينافي مااتفق عليه الفريقان إلا من شذ من الفريقين عندنا وعندهم أن السنة القطعية النبوية يمكن أن تكون ناسخة للقران أو أن سنن المعصومين يمكن أن تكون ناسخة للسنة النبوية.

إذا كان تشريع النبي تابعا لتشريع الله و إذا كان تشريع الأئمة تابعا لتشريع النبي فكيف يمكن أن يكون ناسخا؟ هذا ليس بمعنی النسخ الحقيقي بل يكشف عن نسخ أودعه الله للنبي يحد أمد التشريع الأول من الله أو تشريعات سيد الأنبياء يودع عند الأئمة تشريع الناسخ النبوي يودعه عند الأئمة.

نكتة مهمة أصولية فقهية عقائدية النسخ لايدخل دائرة الدين، ممتنع. ولو سانتيمتر من الدين النسخ لايلغي مربع سانتيمتر من الدين. الشيء إذا قرر أنه من الدين لا يمكن أن ينسخ. النسخ إنما يكون في الشريعة وأركان الفروع من الدين وغير قابلة للنسخ. مع أنها اركان الفروع لمّا بينا قبل يومين في الفقه و حتی في الاصول كل أركان الفروع من الدين و ليست من الفروع والشريعة القابلة للنسخ، لذلك هذه الفرق الضالة البهائية والبابية وغيرها أنهم تطاولوا النسخ في الدين. النسخ ولو في بقعة صغيرة من الدين غير متصورة مثلا العقائد غير قابلة للنسخ، نعم، قابلة لكشف ملفات أكثر في العقائد لكن أن الملفات المنشورة في العقائد غير قابلة للتبدل والتغير بل قابلة للتعمق والغور للكشف الكثير من الحقائق الغامضة منها، لكن لايمكن النسخ فيه. أيضا أركان الفروع مثل أصول المحرمات، أصل الربا و الظلم والفحشاء هذه غير قابلة للنسخ. لم يأت نبي من أنبياء الله إلا بحرمة الفاحشة وحرمة الرباء وحرمة شرب الخمر. هذا من الدين وليس من الشريعة القابلة للنسخ. التعبير بترخيص الشارع في الخمر ليس صحيحا أبدا، ما رخص الشارع الخمر بل إنما أبرز التحريم تدريجا. أو مارخص في عبادة الوثن. لذلك جماعة منهم كانوا وثنيين ومع ذلك خمريين وفحشائيين لكن بالنسبة إلی بني هاشم لم يرتكبوا منها لأن هذا من الدين ولايمكن رفع اليد عنها ولايرخص الشارع فيها. فأصول الواجبات وأصول المحرمات كلها من الدين وليست من الشريعة القابلة من النسخ. زواج المحارم حرمته من الدين خلافا لتوهم العلامة الطباطبايي رحمةالله عليه وهو توهم أن هذه من قبيل الشرايع القابلة للنسخ والحال أن علماء الإمامية بينوا أن هذه من الدين وليس من الشريعة وغيرها من الأمور الأخرى فهذه نكتة مهمة أن الدين غير قابل للنسخ والنسخ في منطقة الشريعة. وليس فقط الدين مقتصرة علی العقائد حتی أصول الفروع أيضا من الدين و ليست من الشريعة. هذه منطقة الشريعة و الفروع و التفاصيل يمكن أن يودع الله عزوجل باتفاق الفريقين إلا من شذ يودع الله نبيه أمد الحكم. فيه أمثلة من أحكام القرآن التي نسخت من النبي.

أما توهم العلامة طباطبايي بأن القران لايأتي الباطل من بين يديه ولامن خلفه فبحثناه في مبحث الحجج في الأصول؛ إذا كان النسخ إبطالا، كيف القرآن ينسخ نفسه؟ إذا كان النسخ إبطال القران أيضا لاينسخ القرآن. فلذا النسخ ليس إبطالا.

سلمنا أن النسخ إبطال، نفس القرآن يقول: «ماآتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا» و «لكم في رسول الله أسوة حسنة» و «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول» فنسخ النبي أمر قرآني فمن القرآن للقرآن و ليس أمرا خارجا من القرآن، أيضا التمسك بما يأتي به العترة من نسخ القرآن. «لعلمه الذين يستنبطونه منهم» «لايمسه إلا المطهرون» «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» في كل الدين لافقط في السياسة وفي كل شيء فإذاً من القران للقرآن.

أيضا اتفاق من الفريقين إلا من شذ منهم أن السنة النبوية وسنة المعصومين تخصص عموم الكتاب أو تقيد إطلاقات الكتاب،هذا تخصيص تفسيري سيما علی مبنی القدماء. فلذا هناك عمومات قرآني يقدم علی العموم القرآني أو تتصرف في العمومات القرآنية معنی التخصيص عند القدماء يعني التزاحم الملاكي، يعني تقديم بعض الملاكات التي أيضا منشعبة من العمومات الفوقية علی العموم المعين. علی كل هذا أيضا غفلة أخری في بحث التخصيص.

فإذاً الدوران بين التخصيص والنسخ يحمل علی التخصيص، لكونه تبيانا والأصل أنه مفسر. هذا هو الصحيح، النسخ ليس ممتنعا كما يقول الشاذ من الفريقين لكن ماهو الغالب أنه بيان، التخصيص بيان والتقييد والحكومة بيان وأنواع من البيانات.

الميرزا الناييني يضيف إلی هذا الوجه المتين من المشهور وجها آخر وهو أنه لماذا عند الدوران بين التخصيص والنسخ يؤول علی التخصيص؟ نكتة مهمة يلتفت إليه الميرزا الناييني يستفيد منها في موارد عديدة، لكن لأجل شرح هذه النكتة يمكن أن نعتمد علی بيانين:

البيان الأول نذكر نقطة توضيحية نفيسة في نفسها. مجموع أقوال الأصوليين في مراحل الحكم ومراتب الحكم ثبوتا أمر مهم جدا. عندنا المراحل الإنشائية للحكم وهي الحكم الكلي والمراحل الفعلية للحكم وهي تولد الحكم الجزئي وبعدها المراحل الفاعلية للحكم ومراحل التنجيز ومراحل الإمتثال ومراحل إحراز الامتثال. ليس كلامنا في مراحل الحكم وهذا يدور رحی علم الأصول حولها حتی علم الفقه ويدفع كثيرا من الإشتباهات والالتباسات. الان كثير من الأزمات القانونية عند الآكادميين و القانون الوضعي أنهم ماملتفتون إلی مراحل الحكم. وإذا يلتفتون إلی المراحل يلتفتون أن النصوص حتی نصوصهم ما فيه تعارض واشتباه.

علی أي تقدير فالمراحل الإنشائية قيل فيها مراحل ثلاث: مرحلة استعمال الشارع أداة الإنشاء للمنشأ، فالمنشأ في ظرف الإنشاء هذه هي المرحلة الأولی. هذه يقال لها الجعل والمجعول. أحد معاني الجعل والمجعول الجعل بمعنی الإنشاء إستعمال اللفظ في المعنی الإنشاءي والمنشأ مجعول.

المرحلة الثانية من الإنشاء لحاظ المنشأ الكلي في لوح التشريع سواء لوح التشريع الوضعي أو لوح التشريع السماوي فيقال أن وجوب الصلوة فرض أو هي عمود الدين، هذه الصلوة عمود الدين ناظر إلی المرحلة الثانية أو عندما يقال «إن الصلوة كانت علی المؤمنين كتابا موقوتا» ناظر إلی المرحلة الثانية. «أقيموا الصلوة» المرحلة الثالثة. «لله علی الناس حج البيت» يمكن أن يقال أنها ناظر إلی المرحلة الثانية لاالمرحلة الثالثة. «كتب عليكم الصيام» هذه ناظر إلی المرحلة الثانية أما «من شهد منكم الشهر فليصمه» ناظر إلی المرحلة الثالثة.

المرحلة الثانية يعني هذه مدونة في التشريع. كتب عليكم. الان من المخاطب به بحث آخر. أما «من شهد منكم الشهر» إنشاء كلي لكن فيه نظر إلی آحاد المكلفين. فلذا يعبر عن المرحلة الثالثة من الحكم الإنشائي يعبر عنه فعليا مقدرا. يعني ليس فعليا بل فعلي مقدر. ليس الان فعليا. هذه القضية الكلية التي يذكر المرحوم المظفر من أستاذه الميرزا الناييني قضايا حقيقية وفعلي مقدر هذه المرحلة الثالثة وهي ينظر فيها إلی الحكم بنظرة طريقية وآلية لآحاد الأفراد، النظرة الثانية ينظر إلی الحكم نظرة ذاتية وأولية بالحمل الأولي بخلاف المرحلة الأولی ينظر إلی المعنی من آلية الإنشاء والاستعمال.

فالمرحلة الأولی الجعل إنشاء والإستعمال اللفظي والمرحلة الثانية جعل و المرحلة الثالثة مجعول ويمكن أن يقال المرحلة الثانية مجعول بلحاظ المرحلة الأولی برمتها وهي جعل وأيضا يستعملون المرحلة الثالثة من الإنشاء مع المرحلة الرابع من الحكم وهو الحكم الجزئي أول المراحل الفعلية مجعول والمرحلة الثالثة جعل. هذه كلها إطلاقات مستعملة عند الأصوليين.

ان شاءالله التتمة غدا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo