47/07/01
بسم الله الرحمن الرحیم
زمان أداء النفقة _ عوضيّة النفقة للتميکن/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / زمان أداء النفقة _ عوضيّة النفقة للتميکن
قلنا إنّ دعوى الأصحاب بوجوب دفع نفقة يومٍ واحد للزوجة من قِبَل الزوج في أوّل الصباح لا وجه لها.
علی أنّ تعيين أوّل الصباح بوصفه أوّل وقت وجوب النفقة وإن كان قد يتصوّر له وجه في بعض مصاديق النفقة كالمأكول، إلّا أنّه لا وجه له في بعض مصاديقها الأُخرى كاللباس والمسكن؛ لأنّ حاجة الزوجة إلى هذه الأُمور ليست في وقت خاصّ، بل هي حاجة دائمة، ولا يمكن الالتزام بأنّ الإسكان والكسوة إلى آخر ذلك اليوم يجبان على الزوج في أوّل الصباح من كلّ يوم، بل إنّ ذلك واجب عليه في كلّ لحظة، ويجب عليه أن يوفّر وسائل إسكان الزوجة وكسوتها على نحو تتمكّن فيه من الانتفاع بها كلّما احتاجت إليها.
وبملاحظة ما تقدّم يتّضح وجه الإشكال في كلام الشيخ، فإنّه قال في المبسوط: «إن كانا كبيرين كلّ واحد منهما يصلح للاستمتاع، فالنفقة يجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع، لأنّه لو وجد العقد دون التمكين فلا نفقة، ولو وجد التمكين وجبت، وإن نشزت سقطت.
والتمكين الذي يجب في مقابلته هو التمكين المستحق بالعقد المستند إليه ـ ولا نقول به وبالعقد، بل نقول بالتمكين المستند إلى العقد، بدليل أنّه لو وجد التمكين من غير عقد أو عن عقد فاسد لم يستحقّ شيئاً ـ وذلك التمكين هو التخلية التامّة.
والتمكين الكامل هو أن تمكّنه من نفسها على الإطلاق من غير اعتراض عليه في موضع مثلها ونقلها إليه، بدليل أنّ الرجل يزوّج أمته ثمّ يرسلها إلى زوجها ليلاً فأمسكها لخدمة نفسه نهاراً لا نفقة لعدم التمكين الكامل، وإذا وجد ما يجب به النفقة، وجب تسليمها إليه في كلّ يوم في أوّله.
فإن فعل فلا كلام، وإن توانى ولم يدفع إليها حتّى مضت مدّة استقرّت النفقة عليها.»[1]
هذه الكلمات تؤيّد النكتة التي ذكرناها في الأمر السابق وهي أنّ دعوى الأصحاب بكون ذمّة الزوج مشغولة في صورة عدم إعطاء النفقة للزوجة، مبنيّة على عوضيّة النفقة للتمكين.
وأمّا ما ذكره من أنّه إذا تحقّق تمكين الزوجة وجب على الزوج أن يضع نفقتها في اختيارها في أوّل كلّ يوم، ففيه نفس الإشكال المتقدّم، مضافاً إلى الإشكال الذي نقلناه سابقاً عن صاحب الجواهر، وهو أنّه إذا كان التمكين جزء السبب في وجوب النفقة، فلا يمكن القول بوجوبها ما لم يتحقّق، إلا أن يدلّ دليل على ذلك فنكشف بوجوده کون مدخليّة التمكين في وجوب النفقة على نحو الشرط المتأخّر، مع أنّه لا دليل في المقام يدلّ على وجوب دفع نفقة الزوجة في أوّل كلّ صباح.
وبناءً عليه فالمتحصّل في هذا الباب هو أنّ ما يكون دخيلاً في وجوب النفقة ليس إلا الزوجيّة، فبمجرّد تحقّق الزوجيّة تجب نفقة الزوجة على الزوج فعلاًً. نعم، إنّ الواجب له ظرف زماني يتدرّج جزءً فجزءً، كما في الصلوات اليوميّة حيث يكون الوقت فيها ظرفاً للواجب، لا أنّ دخول الوقت شرط لفعليّة وجوبها.
فإنّ مقتضى القاعدة أنّه لمّا كانت النفقة ثابتة بالزوجيّة ولا عوضيّة بينها وبين التمكين، وما دامت الزوجة غير ناشزة يكون إعطاء نفقتها واجباً على الزوج، فبمجرّد تحقّق الزوجيّة تكون نفقة الزوجة واجبة على الزوج وجوباً فعليّاً إلى نهاية زمان استمرار الزوجيّة، وإن كان الواجب بنحو استقبالي، بمعنى أنّ آخر مهلة للزوج في تسليم النفقة هي الوقت الذي لو تجاوزه لم يبق مجال لانتفاع الزوجة بالنفقة عند وقت الحاجة.
وهذا الزمان يختلف باختلاف الأشخاص والظروف؛ فمثلاً إذا كان الزوج في متناول يد الزوجة ويستطيع أن يقضي حاجتها بالضبط عند وقت الحاجة، فلا يجب عليه إعطاء النفقة قبل حلول وقت الحاجة. وأمّا إذا لم يكن في متناولها عند وقت الحاجة ـ كما لو كان مسافراً ـ وكان يلزم أن يسلّمها النفقة قبل ستّة أشهر مثلاً لكي تتمكّن الزوجة من الانتفاع بها في وقت حاجتها إليها، فإنّ وقت إعطاء النفقة لها يكون حينئذٍ قبل ستّة أشهر من حلول وقت حاجتها إلى تلك النفقة.
نعم، لو تبيّن بعد إعطاء النفقة أنّ الزوجيّة لم تكن موجودة في الزمان الذي هو ظرف انتفاع الزوجة بالنفقة بسبب موتها أو طلاقها مثلاً، أو كان هناك مانع عن وجوب النفقة کنشوزها، كان ذلك كاشفاً عن عدم وجوب نفقة ذلك الزمان على الزوج من الأوّل، فيبقى حقّ الزوج في استرداد نفقة ذلك الظرف الزماني محفوظاً، لأنّ الوجوب في الواجب الاستقبالي وإن كان فعليّاً، إلّا أنّه مشروط بنحو الشرط المتأخّر ببقاء شرائط فعليّة الوجوب في ظرف الواجب.
وذلك كما في الحجّ بالنسبة إلى من حصلت له الاستطاعة قبل أشهر الحجّ؛ فإنّه وإن كان واجباً عليه وجوباً فعليّاً ولأجل ذلك تجب عليه تهيئة مقدّماته، إلّا أنّ هذا الوجوب مشروط بأن تكون هناك قدرة على الإتيان بالحجّ في ظرفه. فلو حصل في أشهر الحجّ مانع عن الإتيان به، كان ذلك كاشفاً عن أنّ الحجّ لم يكن واجباً عليه من الأصل.
وما ذكرناه يستلزم اختلافاً أساسيّاً مع دعوى الأصحاب من حيث الآثار، وسنبيّن ذلك في الجلسة القادمة إن شاء الله.