47/06/30
بسم الله الرحمن الرحیم
لزوم تمليك النفقة للزوجة في صبيحة كلّ يوم/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / لزوم تمليك النفقة للزوجة في صبيحة كلّ يوم
الأمر الثاني: لزوم تمليك النفقة للزوجة في صبيحة كلّ يوم
تقدّم في كلمات المحقّق أنّه يجب على الزوج في ابتداء كلّ يوم أن يملّك الزوجة نفقة ذلك اليوم.
وقال الشهيد الثاني في تعليل هذا الحكم: : «لمّا كان المقصود من النفقة القيام بحاجتها وسدّ خلّتها ـ لكونها محبوسة لأجله ـ فالواجب منها أن يدفع إليها يوماً فيوماً، إذ لا وثوق باجتماع الشرائط في باقي الزمان، والحاجة تندفع بهذا المقدار، فيجب دفعها في صبيحة كلّ يوم إذا طلع الفجر.
ولا يلزمها الصبر إلى الليل ليستقرّ الوجوب، لتحقّق الحاجة قبله، ولأنّها تحتاج إلى الطحن والخبز والطبخ، إذ الواجب عليه دفع الحبّ ونحوه ومؤونة إصلاحه، لا عين المأكول مهيّأً، عملاً بالعادة، فلو لم يسلّم إليها في أوّل النهار لم تنله عند الحاجة.»[1]
إلا أنّ صاحب الحدائق قد أشکل علی هذه الدعوی حيث قال: «لا أعرف لما ذكره من هذا التفصيل نصّاً واضحاً ولا دليلاً صالحاً، فإنّ الظاهر من الأخبار المتقدّمة ـ سيّما صحيحة شهاب بن عبد ربّه ـ أنّ الواجب شرعاً إنّما هو عين المأكول، لا الحبّ وأمثاله ممّا يحتاج إلى علاج ومزاولة، واستناده في الوجوب لما ذكره إلى العادة مردود بأنّ ذلك إنّما هو من حيث المسامحة والتراضي وعدم المضايقة في الحقوق الشرعيّة؛ ألا ترى أنّ العادة قاضية بتكلّف المرأة في خدمة البيت بما لا يجب عليها شرعاً من طبخ وخبز وغسل ثياب لنفسها وزوجها ونحو ذلك؟
وبالجملة فإنّ الظاهر أنّ الحقّ الشرعيّ لها إنّما هو شيء يؤكل بغير مؤونة ولا كلفة من خبز أو تمر أو نحوهما، وهذا هو ينطبق عليه حديث المدّ، وهو الظاهر من تلك الأخبار المطلقة من قوله: «يشبعها ويقيم صلبها» ونحو ذلك، والتكليف بما زاد ممّا ذكره هو و غيره رحمه الله محتاج إلى دليل ولا دليل، والتمسّك بقضيّة العادة بين الناس قد عرفت أنّه غير خالٍ من وصمة الشكّ والالتبا
إلا أنّي أظنّ أنّ ما ذكرناه ممّا يكبر في صدور بعض الناظرين في المقام ممّن تألّف متابعة الشهرة في الأحكام، وكلٌّ ميسَّر لما خُلق له.»[2]
والحقّ في هذا الكلام مع صاحب الحدائق.
غير أنّ صاحب الجواهر بعد ذكر دعوى صاحب الحدائق قال: «قد يناقش بمخالفته المعتاد في الإنفاق المحمول إطلاقه عليه، كإطلاق سدّ الجوعة؛ لا أقلّ من أن يكون الزوج مخيّراً بين الأمرين إن لم يكن غضاضة على الزوجة في فعل المطبوخ عليها على وجه ينافي عادة أمثالها.»[3]
لكن قد تقدّم في كلمات صاحب الحدائق أنّ رفع اليد عن ظاهر الأخبار بسبب عادة الناس ليس أمراً صحيحاً. اللهمّ إلّا إذا ادّعيت سيرة المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم(ع) في هذا المورد، وإثبات ذلك محلّ إشكال.
مضافاً إلى أنّه لو سلّمنا بدعوى الشهيد الثاني، لكان مقتضاها أنّ النفقة يجب أن تسلّم إلى الزوجة في زمان تتمكّن فيه من قضاء حاجتها عند وقت الحاجة، لا أنّه يجب على نحو الإطلاق تسليم تمام نفقة يوم واحد في أوّل الصباح.
فإنّ ما ورد في كلمات الأصحاب من وجوب دفع النفقة في ابتداء كلّ يوم إنّما هو مأخوذ من كلمات العامّة، ولا مستند له في الأدلّة الشرعيّة.
قال ابن قدامة في هذا الشأن: «يجب عليه دفع نفقتها إليها في صدر نهار كلّ يوم إذا طلعت الشمس، لأنّه أوّل وقت الحاجة، فإن اتّفقا على تأخيرها جاز؛ لأنّ الحقّ لها، فإذا رضيت بتأخيره جاز، كالدين.
وإن اتّفقا على تعجيل نفقة عام أو شهر أو أقلّ من ذلك أو أكثر أو تأخيره، جاز؛ لأنّ الحقّ لهما لا يخرج عنهما، فجاز من تعجيله وتأخيره ما اتّفقا عليه، كالدين.
وليس بين أهل العلم في هذا خلاف علمناه.»[4]
غير أنّ الزحيلي نقل خلاف ذلك أيضاً عن بعض العامّة وقال: «تدفع النفقة مساء كلّ يوم لليوم التالي، أو في نهاية الأُسبوع، كالصنّاع الذين لا يقبضون أجرهم إلا في آخر الأُسبوع، أو في بدء الشهر أو آخره بحسب قبض الرواتب الوظيفيّة، أو سنة بسنة للأثرياء.
وقال الشافعيّة والحنابلة: تدفع النفقة بطلوع شمس كلّ يوم؛ لأنّه أوّل وقت الحاجة، فإن اتّفق الزوجان على التعجيل أو التأجيل جاز.»[5]
ولكن كما لا وجه لتعيين وقت وجوب دفع النفقة في أوّل صباح كلّ يوم، كذلك لا وجه لتعيين وقت وجوبها بالزمان الذي يحصل فيه الزوج على الدخل.
ونؤجّل بيان تتمّة المطلب إلى الجلسة القادمة إن شاء الله.