« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 اشتغال الذمّة و نفقة الزوجة/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / اشتغال الذمّة و نفقة الزوجة

 

قلنا في الجلسة السابقة: إنّه إذا ورد في دليل لزوم دفع عين إلى شخص أو ورد فيه مجرّد جواز الانتفاع بتلك العين لذلك الشخص ولكن كان الانتفاع بها مستلزماً لاستهلاك العين وزوالها، فإنّ العرف يستظهر من ذلك وجوب التمليك، ولا سيّما إذا انضمّ إلى ذلك تجويز التصرّفات المبنيّة على الملك لذلك الشخص.

وأمّا ما أفاده الشهيد الثاني من أنّ الأصل في الحقوق الماليّة هو اشتغال الذمّة، فليس دعوى مقبولة؛ إذ ليس مجرّد ثبوت حقّ مالي على عهدة شخص مستلزماً لاشتغال ذمّته؛ فمثلاً لو اشترط أحد المتعاقدين في ضمن معاملة أن يقوم الطرف الآخر بعمل له فقبل ذلك، فمع أنّ فعل الحرّ له ماليّة ويمكن عدّه من هذه الجهة التزاماً ماليّاً على المشروط عليه لصالح المشروط له، إلّا أنّه لو امتنع المشروط عليه بعد ذلك عن القيام بذلك العمل، فلا يمكن الحكم باشتغال ذمّته للمشروط له بحيث إنّه لو مات المشروط عليه من دون أن يأتي بذلك الفعل، يحكم بلزوم دفع مقدار قيمة ذلك العمل من تركته إلى المشروط له.

ودليل ذلك هو نفس ما تقدّم سابقاً في بحث المهور من أنّ مجرّد قرار شيء على العهدة غير اشتغال الذمّة، وأنّ التعهّد المالي ما لم يقم دليل على أنّه يوجب اشتغال الذمّة به، لا يعدّ عرفاً موجباً لاشتغالها.

نظير هذه المسألة قد تعرّض له الأصحاب في مسائل الكفّارات، وقد أفاد صاحب العروة في هذا الشأن فقال: «يجب على من عليه واجب من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات أن يوصي به، خصوصاً مثل الزكاة والخمس والمظالم والكفّارات من الواجبات الماليّة، ويجب على الوصيّ إخراجها من أصل التركة في الواجبات الماليّة، ومنها الحجّ‌ الواجب ولو بنذر ونحوه، بل وجوب إخراج الصوم والصلاة من الواجبات البدنيّة أيضاً من الأصل لا يخلو عن قوّة، لأنّها دين الله ودين الله أحقّ‌ أن يقضى.»[1]

إلا أنّ السيّد الخوئي اعترض عليه دعواه في خصوص الکفّارات حيث قال: «في خروجها عن أصل التركة إشكال بل منع. وكذلك الحجّ‌ الواجب بالنذر ونحوه.»[2]

وقال السيّد السيستاني في هذا المجال: «لا يجب على‌ الورثة أداء ما وجب على‌ ميّتهم من الكفّارة البدنيّة ـ أي: الصيام ـ ولا إخراجها من تركته ما لم يوص بها. وإن أوصى‌ بها أُخرجت من ثلثه.

نعم، يحتمل وجوبها على‌ ولده الأكبر إن كان ولكنّ الأظهر عدمه. وإنّما يجري هذا الاحتمال فيما إذا تعيّن على الميّت الصيام، وأمّا مع عدم تعيّنه عليه ـ كما إذا كانت الكفّارة مخيّرة وكان متمكّناً من الصيام والإطعام ـ فإنّه لا يجب الصوم على‌ الولي بلا اشكال.

وأمّا الكفّارة الماليّة فقيل: إنّها بحكم الديون فتخرج من أصل التركة. ولكنّ الأظهر أنّها كالكفّارة البدنيّة ولا تخرج من التركة إلا بوصيّة الميّت، ومع وصيّته تخرج من الثلث ويتوقّف إخراجها من الزائد عليه على‌ اجازة الورثة.»[3]

أقول: إنّ وجه دعوى القائلين بوجوب دفع الكفّارات الماليّة من أصل تركة الميّت هو أنّ هذه الكفّارات ـ من حيث كونها حقوقاً ماليّة ـ قد تعلّقت بذمّة الميّت. وأمّا القائلون في المقابل بعدم وجوب دفعها من أصل مال الميّت، فلم يروا وجهاً لكون كلّ حقّ مالي يثبت على عهدة المكلّف موجباً لاشتغال ذمّته.

والحقّ مع القائلين بالقول الثاني، ونظير هذا المعنى جارٍ في ما نحن فيه أيضاً.

وعليه فمجرّد عدم دفع الزوج نفقة الزوجة لا يوجب اشتغال ذمّته، بل لابدّ من قيام دليل على ثبوت ملكيّة الزوجة للنفقة لكي يحكم على أساسه باشتغال ذمّة الزوج. وهذا الأمر ـ كما تقدّم ـ غير ثابت في مطلق نفقة الزوجة، وإنّما يثبت في بعض أفرادها.

وأمّا ما تقدّم عن الشهيد الثاني من أنّ عدم اشتغال الذمّة في نفقة الأقارب إنّما هو لأنّ نفقتهم تكون لأجل «سدّ الخلّة» فحسب، فظاهره أنّ نفقة الزوجة عنده ـ كما تقدّم أيضاً في كلماته ـ من باب المعاوضة وفي مقابل التمكين. ولعلّ هذا هو الذي دعا الأصحاب إلى القول بتعلّق نفقة الزوجة بذمّة الزوج، وإلّا فلو سلّمنا أنّ الأصل في الحقوق الماليّة هو اشتغال الذمّة، لما كان وجه للتفريق بين نفقة الزوجة ونفقة الأقارب، ومجرّد كون نفقة الأقارب من باب «سدّ الخلّة» لا يصلح مانعاً عن التمسّك بهذا الأصل.

وعلى هذا فلا وجه للدعوى بأنّ نفقة الزوجة عند عدم دفعها من قبل الزوج تصير ديناً في ذمّته مطلقاً ما لم يقم دليل علی کونها ملکاً لها.

 


[3] ـ منهاج الصالحين، ج3، ص255، مسأله 784.
logo