« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 ملکيّة الزوجة للنفقة/ الأمر الثاني /النکاح

الموضوع: النکاح / الأمر الثاني / ملکيّة الزوجة للنفقة

 

المسألة التي طرحناها في الجلسة السابقة نقلاً عن المحقّق في الشرائع، سنبحثها ـ إن شاء الله تعالی ـ ضمن عدّة أُمور.

الأمر الأوّل: ملکيّة الزوجة للنفقة

هل النفقة التي يضعها الزوج تحت تصرّف الزوجة تصبح ملكاً لها، أم أنّ الزوجة لا تملك إلا حقّ الانتفاع بها وتبقى ملكيّتها بيد الزوج؟

وبعبارة أُخرى: هل المقصود من وجوب إعطاء النفقة هو مجرّد إباحة التصرّف أم التمليك؟

ادّعی صاحب الحدائق عدم الخلاف في المسألة حيث قال: «لا خلاف بين الأصحاب في أنّ الزوجة تملك نفقة يومها مع التمكين، فلو منعها وانقضى اليوم أو الأيّام، وجب قضاؤها.»[1]

وذكر الشهيد الثاني في تعليل ذلك: «استحقاق الزوجة المؤونة على وجه التمليك لا الإمتاع، لأنّ الانتفاع به لا يتمّ‌ إلا مع ذهاب عينه. وكذا حكم كلّ‌ ما يستهلك من آلة التنظيف والدهن والطين والصابون ونحو ذلك.

فإذا دفعه إليها ملكت نفقة اليوم وتخيّرت بين التصرّف فيه وفي بعضه، واستفضال بعضه وجميعه، والإنفاق على نفسها من مالها، كما تتخيّر في جهات أموالها.»[2]

ولكنّ الدليل الذي ذكره لإثبات ملكيّة الزوجة للنفقة غير تامّ؛ لأنّ استهلاك العين بسبب الانتفاع بها لا يستلزم ملكيّتها، بل ينسجم مع مجرّد إباحة التصرّف أيضاً. وذلك كما فيمن يكون ضيفاً عند غيره ويأكل الطعام في بيته، فإنّ من الواضح في هذا الفرض أنّ المضيف لا يملّك الطعام للضيف، وإنّما يبيح له أكله فحسب، ولأجل ذلك لا يكون للضيف حقّ سائر التصرّفات المتوقّفة على الملك في ذلك الطعام، كأن يهبه لشخص آخر.

مضافاً إلى أنّ النفقة ليست في جميع مواردها على نحو يكون الانتفاع بها مستلزماً لاستهلاك عينها، بل قد يكون الانتفاع بالعين غير مستلزم لاستهلاكها.

وبناءً على ذلك ووفقاً لتعليل صاحب المسالك، ينبغي في هذه المسألة القول بالتفصيل بين الموارد المختلفة للنفقة.

فلذا قال صاحب الجواهر في خصوص هذا المدّعی: «ظاهرهم ـ بل هو صريح المسالك ـ أنّ ذلك كذلك في كلّ ما يتوقّف الانتفاع به من النفقة على إتلاف عينه... وإن كان هو لا يقتضي اعتبار الملكيّة فيه، ضرورة إمكان الاكتفاء بالبذل والإباحة المطلقة.»[3]

واحتمل کاشف اللثام أنّ الواجب علی الزوج ليس إلا مجرّد الإباحة والبذل دون التمليك.[4]

وقال صاحب الجواهر بعد نقل کلام کاشف اللثام: «بل لعلّه متعيّن، بناءً على اعتبار التمكين على وجه الجزئيّة في سبب ملكها، إذ لا وجه حينئذٍ لتقدّم المسبّب على السبب والمعلول على العلّة. نعم قد يتوجّه بناءً على شرطيّته، بمعنى أنه يكون شرطاً كاشفاً أو شرطاً للاستقرار، فحينئذٍ لو قبضتها من الصبح، يبقى الملك فيها مراعىً حتّى ينقضي ذلك اليوم متمكّنة، فينكشف استقراره بأوّل القبض حينئذٍ أو يستقرّ حينئذٍ، وعبارة المتن محتملة للوجوه الثلاثة، وإن كانت لا تخلو من إشعار بالأخير بقرينة ما بعد.

لكن فيه: أنّ ذلك يتمّ لو كان في الأدلّة ما يقتضي سببيّة قبضها للملك كي يجمع بينهما حينئذٍ بما عرفت كما هو الشأن في الشرائط الكاشفة، ولي..

وعلى كلّ حال فليس في شي‌ء من ذلك ما يقتضي اعتبار الملكيّة، فضلاً عن كون القبض سبباً فيها، ولو سلّم لكان المتّجه ذلك أيضاً في قبض نفقة الأيّام المتعدّدة، ولا أظنّ القائل يلتزم به...»[5]

إلا أنّ ما أفاده من کون التمكين جزء السبب في ملكيّة الزوجة للنفقة، قد تقدّم الإشكال عليه سابقاً، حيث قلنا: إنّ التمكين ليس شرطاً لوجوب النفقة على الزوج، بل إنّ النشوز هو المانع من وجوبها.

وعليه فليس الإشكال الأساس في مسألة ملكيّة الزوجة للنفقة هو كيفيّة تحقّق السبب مع عدم تحقّق بعض أجزائه، بل الإشكال الحقيقي إنّما هو عدم وجود دليل يثبت أصل ملكيّتها للنفقة.

نعم، استدلّ الشهيد ثاني علی ذلك بقوله: «لو منعها من النفقة وانقضى اليوم ممكّنة، استقرّت نفقة ذلك اليوم في ذمّته، لأنّ نفقة الزوجة اعتياض في مقابلة الاستمتاع، فتصير بمنزلة الدين.»[6]

لكنّ الإشكال على هذه الدعوى أيضاً هو أنّ النفقة حكم شرعي جعله الشارع، ولا يرتبط وجوبها بعوضيّة بين الاستمتاع والنفقة.

وسنتابع بقيّة البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.

 


logo