47/06/17
بسم الله الرحمن الرحیم
اشکال صاحب الجواهر علی کلمات الأصحاب/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / اشکال صاحب الجواهر علی کلمات الأصحاب
قال صاحب الجواهر بعد نقله لكلمات الأصحاب بشأن الأشياء التي يجب على الزوج دفعها إلى الزوجة بعنوان النفقة، وكذلك الأُمور التي استثنيت من ذلك في كلماتهم ما نصّه: «لا يخفى عليك ما في هذه الكلمات من التشويش والاضطراب، ولو أحالوا ذلك إلى العادة لكان أحسن. وكأنّهم تبعوا بذلك ما في كتب العامّة من التعرّض لأمثال هذه الأُمور التي تستعملها قضاتهم لتناول العشر منها أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة، ضرورة أنّه إن كان المدار في الإنفاق بذل جميع ما تحتاج إليه المرأة، لم يكن لاستثناء الدواء والطيب والكحل وأُجرة الحمّام والفصد وجه، وإن كان المدار على خصوص الكسوة والإطعام والمسكن، لم يكن لعدّ الفراش والإخدام ـ وخصوصاً ما كان منه للمرض ـ وغير ذلك ممّا سمعته في الواجب منها وجه، وإن جعل المدرك فيه المعاشرة بالمعروف وإطلاق الإنفاق، كان المتّجه وجوب الجميع، بل وغير ما ذكروه من أُمور أُخر لا حصر لها.
فالمتّجه إحالة جميع ذلك إلى العادة في إنفاق الأزواج على الزوجات من حيث الزوجيّة لا من حيث شدّة حبّ ونحوه، من غير فرق بين ما ذكروه من ذلك وما لم يذكروه، مع مراعاة حال الامرأة والمكان والزمان ونحو ذلك. ومع التنازع فما يقدّره الحاكم من ذلك لقطع الخصومة، وإلا فليس على ما سمعته منهم إثباتاً ونفياً دليل معتدّ به بالخصوص.»[1]
والحقّ في ذلك معه.
وأمّا في خصوص الخادم فقال الشيخ في المبسوط: «إن كانت من ذوي الأقدار فتواضعت وانبسطت في الخدمة، وجب عليه إخدامها. وإن كانت بالضدّ من هذا فتكبّرت وتعظّمت وترفّعت عن الخدمة، لم تستحقّ بذلك الخدمة، لأنّ المرجع فيه إلى قدرها، لا إلى الموجود منها في الحال.
هذا إذا كانت صحيحة. فأمّا إن مرضت واحتاجت إلى من يخدمها، كان عليه أن يخدمها وإن كان مثلها لا يخدم في حال الصحّة، لأنّ الاعتبار في كلّ هذا بالعرف، ومن العرف أن يحتاج إلى خادم، كما أنّ العرف في الجليلة أنّها تفتقر إلى خادم، فجعلت هذه في حال المرض كالجليلة النسيبة حال الصحّة.
وكلّ من قلنا: لها الخدمة، فليس على زوجها أن يزيدها على خادم واحد بحال ولو كانت أجلّ النا
ومن الناس من قال: على الزوج أن يخدمها بقدر جمالها ومالها؛ والأوّل أصحّ، لأنّ الذي عليه من الخدمة الكفاية، والكفاية تحصل بواحد. فإن كان لها مال وجهاز تحتاج إلى خدمة ومراعاة فليس عليه، والذي عليه إخدامها هي.
فإذا تقرّر أنّها لا تزاد على خادم واحد، فالكلام في صفة الخادم. فقال بعضهم: الزوج مخيّر بين أربعة أشياء، بين أن يشتري خادماً، أو يكتري، أو يكون لها خادم ينفق عليه بإذنها، أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفيه الخادم، لأنّ الذي عليه تحصيل الخدمة لها وليس لها أن تتخيّر الجهات التي يحصل ذلك منها.
وقال بعضهم: هو مخيّر بين ثلاثة أشياء، بين أن يشتري، أو يكتري، أو ينفق على خادمها؛ والأوّل أقوى لما تقدّم.»[2]
وهناك عدّة ملاحظات فيما يتعلّق بكلامه:
الأوّل: ما ذكره من لزوم دوران أمر الإخدام مدار العرف، كلام صحيح، وما أفاده من أنّ الزوجة إذا لم تكن محتاجةً إلى الخادم عرفاً ولكن ادّعت الحاجة إليه تكبّراً، فلا استحقاق لها لذلك أيضاً كلامٌ مقبول.
لكن ينبغي الالتفات إلى أمر وهو أنّه في مقام تشخيص كون الزوجة محتاجةً إلى الخادم عرفاً أو لا، لا يكفي النظر إلى حالها قبل النكاح فحسب؛ بل كما تقدّم، إذا لم تكن قبل النكاح ذات شأن يقتضي وجود خادم، لكنّها بعد النكاح وبسبب الزواج من زوج ذي مقام رفيع أصبحت بحسب العرف ذات شأن يقتضي وجود الخادم، فحينئذٍ يجب على الزوج أن يهيّئ لها خادماً.
وممّا يؤيّد أنّ شأن المرأة يمكن أن يترقّى بعد النكاح، أنّ النساء اللاتي تزوّجن النبيّ الأكرم(ص) قد اكتسبن بعد زواجهنّ منه(ص) مقاماً وشأناً خوطبن بسببه في الآية الشريفة: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾[3] .
إن قلت: إنّ الشأن الذي يلحظه العرف للزوجة بعد النكاح إنّما هو في الحقيقة شأن زوجها، لا أنّها قد حصلت على شأن مستقلّ بنفسها، ولا يلزم الزوج رعاية مثل هذا الشأن.
قلت: ليس الأمر كذلك، فإنّ دعوى عدم تغيّر شأن الزوجة عرفاً بعد النكاح غير تامّة، بل غاية ما يمكن ادّعاؤه أنّ شأنها الجديد شأن تبعي وليس لها بالأصالة، وهذا لا يضرّ بالمدّعى؛ كما أنّه قد يكون شأنها قبل النكاح أيضاً شأناً تبعيّاً يعود إلى أبيها، لا أنّها اكتسبته بنفسها وبالأصالة.
فما ذكره صاحب المسالك من أنّ: «الاعتبار بحال المرأة في بيت أبيها دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت زوجها ويليق بحالها بسبب الانتقال أن يكون لها خادم»[4] غير قابل للقبول على إطلاقه.
وسنطرح باقي المطالب في الجلسة القادمة إن شاء الله.