47/06/09
بسم الله الرحمن الرحیم
أقوال الأصحاب حول جنس النفقة/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / أقوال الأصحاب حول جنس النفقة
تعرّضنا في الجلسة الماضية لبعض أقوال الأصحاب حول جنس النفقة.
وأفاد الفاضل المقداد أيضاً في بيان دلالة الآية 7 من سورة الطلاق المباركة ما نصّه: «قال المعاصر: في هذه والتي قبلها دلالة على أنّ المعتبر في النفقة حال الزوج لا حال الزوجة، ولذلك أكّده بقوله: ﴿لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا﴾، إذ لو كان المعتبر حال الزوجة، لأدّى ذلك في بعض الأوقات إلى تكليف ما لا يطاق، بأن تكون ذات شرف والزوج معسر.
وعندي فيه نظر، أمّا أوّلاً: فلفتوى الأصحاب أنّه يجب القيام بما يحتاج إليه المرأة من إطعام أو كسوة وإدام وإسكان تبعاً لعادة أمثالها.
وأمّا ثانياً: فللمنع من دلالة الآيتين على المدّعى؛ أمّا الأُولى فلأنّه نهى فيها عن المضارّة لهنّ، فلو اعتبرنا حال الزوج لزم مضارّتها في بعض الأحوال، كما قال في الزوج بأن يكون معسراً وهي شريفة، وهو خلاف مدلول الآية.
وأمّا الثانية فلأنّ قوله: ﴿لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا﴾ قابل للتقييد، أي في الحال التي قدر فيها الرزق، وحينئذٍ جاز أن يكون الواجب عليه ما هو عادة أمثالها، فيؤدّي ما قدر عليه الآن ويبقى الباقي ديناً عليه، ولذلك اتّبع الكلام بقوله: ﴿سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾.»[1]
وقال صاحب الجواهر بعد نقل كلام الفاضل المقداد: «هو صريح فيما قلناه، بل ظاهره الإجماع على ذلك.
على أنّه يمكن تنزيل الآية على نفقة غير الزوجة التي يسقط بالإعسار منها ما يعسر عليه حتّى بالكسب، بناءً على وجوبه لنفقة القريب.»[2]
أقول: ما يمكن تقريره في هذه المسألة هو أنّ جنس الطعام ـ كما هو الحال في مقداره ـ يرجع فيه إلى ما هو المتعارف بين الناس، والدليل عليه عين ما تقدّم في بيان اعتبار المقدار، إذ لا فارق في المناط بين الأمرين.
وأمّا المرجع في تشخيص ذلك المتعارف هل هو قوّت غالب أهل البلد أم ما يعتاده أمثال هذه المرأة بحسب حالها وشؤونها، فالحقّ ما ذهب إليه الشهيد الثاني من عدم كفاية قوت غالب أهل البلد في تحديد الجنس الذي تستحقّه الزوجة نفقة؛ وذلك لأنّ العرف لا يقتصر في هذا المقام على ما هو الغالب بين أهل البلد، بل ينظر إلى ما تتحقّق به إقامة صلب الزوجة وظهرها، وهو التعبير الوارد في کثير من أخبار النفقة التي سيأتي ذکرها لاحقاً إن شاء الله تعالی.
وعليه فإنّ العرف في هذا الباب لا يكتفي بملاحظة الغالب من قوت أهل البلد، بل يلتفت إلى خصوصيّات الزوجة وشأنها الاجتماعي؛ فلو كانت من أُسرة متمكّنة يختلف جنس قوتها عمّا عليه غالب أهل البلد، امتنع الاكتفاء بذلك الغالب في تقدير نفقة مثلها، بل المدار على ما يليق بحالها ويقيم صلبها على الوجه الذي يعتاده نظائرها، لا على ما عليه عامة النا
غير أنّه لابدّ من الالتفات إلى أنّ العرف وإن كان يعتبر في تقدير مقدار النفقة وكيفيتها حال الزوجة قبل الزواج غالباً، إلا أنّ تبدّل شؤونها وتغيّر مناسباتها بعد الزواج يكون له أثر في نظر العرف أيضاً، فيعتدّ به عند تقدير نفقتها ولا ينحصر الأمر بوضعها السابق فقط.
فمثلاً لو كان الرجل متمكّناً وتزوّج امرأة من أُسرة فقيرة، فإنّها وإن لم تكن قبل الزواج تستحقّ إلا نفقة محدودة بحسب ظروفها السابقة إلا أنّ دخولها بعد الزواج في كنف رجل ذي يسار ومكانة اجتماعيّة مرموقة، يعدّ تغيّراً مؤثّراً في تقدير نفقتها، لأنّ ما تتحقّق به إقامة صلبها في الحال يختلف عمّا كان يحقّق ذلك قبل الزواج.
ومثله ما لو اقترن رجل فقير بامرأة فقيرة ثمّ طرأ بعد الزواج تغيّر جوهري في حال الزوج فأصبح ذا ثراء ويسار، فإنّه لا يصحّ القول ببقاء نفقة الزوجة على مستواها السابق بدعوی أنّها کانت من أُسرة فقيرة، لأنّ ما يقيم صلبها في الحال يختلف عمّا كان يقيمه في حالتها الأُولى والعرف يلحظ هذا التغيّر ولا يهمله.
وعلی ضوء على ما تقدّم أمکن القول بأنّ ما ورد في كلمات بعض الأصحاب من أنّ معيار نفقة الزوجة هو حال الزوج، إنّما يراد به هذا المعنى بالذات، والآية الشريفة: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ تجلّي هذه الحقيقة وتقرّرها.
وقد أفاد الشيخ في التبيان عند تفسير هذا الجزء من الآية الكريمة ما نصّه: «معناه أنّ كلّ إنسان يجب عليه النفقة بحسب حاله، فالغنيّ ينبغي أن يوسّع في النفقة، والفقير بحسب حاله.»[3]
وللبحث تتمّة نذکرها في الجلسة القادمة إن شاء الله.