« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها/ النفقات /النکاح

الموضوع: النکاح / النفقات / نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها

 

قال المحقّق الحلّي: «وفي الحامل المتوفّى عنها زوجها روايتان؛ أشهرهما أنّه لا نفقة لها، والأُخرى ينفق عليها من نصيب ولدها.

وتثبت النفقة للزوجة، مسلمة كانت أو ذمّيّة أو أمة.»[1]

 

يوجد بين الأصحاب فيما يتعلّق بنفقة المرأة الحامل التي توفّي زوجها قولان:

القول الأوّل: وجوب النفقة من سهم الحمل من الإرث

وقد قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه بعد نقله الأخبار الواردة في شأن نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها: «والذي نفتي به رواية الکناني»[2] ومضمون هذه الرواية ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ أنّ المرأة تستحقّ النفقة من سهم الحمل ممّا ترکه والده.

وقد نسب العلامة في المختلف هذا القول إلى ابن جنيد وإلى الصدوق في المقنع أيضاً[3] ، إلا أنّه لا يشتمل المقنع على هذا القول ولا يظهر منه ما يدلّ عليه.

وقال الشيخ في النهاية: «لا نفقة للتي مات عنها زوجها من تركة الرجل. فإن كانت حاملاً أُنفق عليها من نصيب ولدها الذي في بطنها.»[4]

وقال الحلبي: «إذا كانت المتوفّى عنها زوجها حاملاً، أُنفق عليها من مال ولدها حتّى تضع.»[5]

وتلقّی ابن البرّاج، وابن زهرة وابن حمزة أيضاً هذا القول بالقبول.[6] [7] [8]

القول الثاني: عدم وجوب النفقة

قال الشيخ في المبسوط: «المتوفّى عنها زوجها لا نفقة لها، حاملاً كانت أو حائلاً، بلا خلاف. وقال بعض الصحابة: إنّها إذا كانت حاملاً كان لها النفقة.

وروى أصحابنا أنّ لها النفقة إذا كانت حاملاً من نصيب ولدها الذي في بطنها.»[9]

وفي الخلاف أيضاً ذكر نظير هذا المطلب وجعل الدليل عليه الأصل وإجماع الأصحاب.[10]

غير أنّ ابن إدريس فهم من كلام الشيخ أنّ ما ذكره في المبسوط والخلاف وما ادّعى عليه ثبوت الإجماع، هو عدم استحقاق مثل هذه الزوجة النفقة من أصل تركة الزوج المتوفّى، وأمّا استحقاقها النفقة من سهم ولدها من التركة فهو ممّا يوافقه الشيخ في هذين الکتابين کما في النهاية. ولذا قال: «ذهب إليه شيخنا أبو جعفر، في جميع كتبه.

والذي يقوى في نفسي و يقتضيه أُصول مذهبنا، أن لا ينفق عليها من المال المعزول، لأنّ الإنفاق حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، والأصل أن لا إنفاق.

وأيضاً النفقة لا تجب للوالدة الموسرة، وهذه الأُمّ لها مال، فكيف تجب النفقة عليها؟

فإن كان على المسألة إجماع منعقد من أصحابنا، قلنا به، وإلا بقينا على نفي الأحكام الشرعيّة إلا بأدلّة شرعيّة.

وما اخترناه وحرّرناه مذهب شيخنا محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في كتابه «التمهيد»، فإنّه قال: «إنّ الولد إنّما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض حيّاً. فأمّا وهو جنين، لا يعرف له موت من حياة، فلا ميراث له ولا مال على الإنفاق، فكيف ينفق على الحبلى من مال من لا مال له لولا السهو في الرواية أو الإدغال فيها».»[11]

قال المحقّق في شرح النهاية في مقام الجواب عن الإشكال الذي نقله ابن إدريس عن المفيد: «الحمل ليس له مال فكيف ينفق من نصيبه‌؟ ولأنّها موسرة فلا يجب نفقتها على الولد. ثمّ‌ قد يمكن أن يخرج ميّتاً فيكون الإنفاق إضراراً بالورثة.

الجواب: الحمل يعزل له نصيب من تركة الميّت إجماعاً، فإضافة النصيب إليه إضافة صحيحة، وهو يملك ملكاً مشروطاً بوضعه حيّاً.

وأمّا إيجاب الإنفاق عليها من نصيب الولد، فإنّه رحمه الله عوّل فيه على ما روي عن محمّد بن فضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله(ع)... والشيخ رحمه الله يدّعي على ذلك الإجما

والذي أعتمده أنّه لا نفقة لها.»[12]

والظاهر أنّ مراده من نسبة دعوى الإجماع إلى الشيخ في هذه المسألة، هو ما أورده في الخلاف والمبسوط؛ وبذلك يعلم أنّه قد فهم من كلام الشيخ فيهما ما فهمه ابن إدري

غير أنّ الجواب الذي ذكره على الإيراد لا ينهض بدفع الإشكال القائل بأنّه كيف تعطى النفقة للأُمّ من مال ولدها مع كونها متمكّنة بوصول سهم إرثها من زوجها إليها؟

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ النفقة التي تعطى للأُمّ إنّما تعطى لها من جهة کون الولد موجوداً في بطنها، فهي في الحقيقة صرف مال الولد في نفقته هو لا في نفقة أُمّه.

ولكن على هذا الأساس ينبغي القول بأنّ الزائد على نفقة الأُمّ ـ ممّا كانت تحتاج إليه في معيشتها لو كانت حائلاً ـ يدفع إليها من مال الولد، لا جميع نفقتها.

فالأولى أن يقال: إنّ القائلين بالقول الأوّل قد التزموا به تعبّداً وعملاً بالأخبار الواردة فيه، فلا يلزمهم التكلّف في توجيه هذا الحكم. وكلام المحقّق في شرح النهاية من أنّ الشيخ إنّما ذهب إلی وجوب دفع نفقة الأُمّ من سهم الحمل من الإرث لورود رواية دالّة عليه، ناظر أيضاً إلى هذا المعنى.

وفي الجلسة القادمة سنتعرّض لبحث الأخبار الواردة في المسألة إن شاء الله تعالى.

 


logo