47/04/05
بسم الله الرحمن الرحیم
استكمال البحث في الآيات/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح/ النفقات / استكمال البحث في الآيات
نتابع في هذه الجلسة استكمال البحث في الآيات التي ادّعي دلالتها على وجوب نفقة الزوجة على الزوج.
5 ـ ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾[1] .
وجه الاستدلال بالآية الشريفة على وجوب نفقة الزوجة أنّها تضمّنت الأمر بمراعاة المعروف في حال استمرار الزوجيّة، ومن المعلوم أنّ الإنفاق على الزوجة من أبرز مصاديق مراعاة المعروف.
لكن يورد على هذا الوجه بأنّ مصاديق المعروف إمّا أن تعيّن بالرجوع إلى العرف، وإمّا أن يبحث عنها في الأدلّة الشرعيّة.
فإن أُريد أنّ الإنفاق على الزوجة من مصاديق المعروف عرفاً، لزم أن يقال: إنّ وجوبه يثبت حيثما كان هناك عرف يوجب على الزوج الإنفاق، وأمّا في المناطق التي لا وجود لمثل هذا العرف ـ كما في بعض الدول الغربيّة ـ فلا دلالة للآية على وجوب النفقة فيها.
وإن أُريد أنّ نفس الآية تدلّ على كون الإنفاق على الزوجة من مصاديق المعروف شرعاً، فالإشكال أنّ الآية ليست في مقام بيان مصاديق المعروف، وإنّما تدلّ على وجوب مراعاة ما هو معروف في التعامل مع الزوجة فحسب.
إلّا أنّه قد وردت رواية في تفسير العيّاشي في خصوص تفسير هذه الآية الشريفة وهي خبر أبي القاسم الفارسي، قال: «قلت للرضا(ع): جعلت فداك! إنّ الله يقول في كتابه: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، وما يعني بذلك؟ قال: أمّا الإمساك بالمعروف فكفّ الأذى وإجباء النفقة، وأمّا التسريح بإحسان فالطلاق على ما نزل به الكتاب.»[2] [3]
وبناءً على هذه الرواية يمكن القول بأنّ من مصاديق مراعاة المعروف في التعامل مع الزوجة إنفاق الزوج عليها، غير أنّ هذا الحكم مستفاد من الرواية لا من نفس الآية الشريفة، والرواية المزبورة تعتريها جهة ضعف سندي.
وأمّا في الأخبار فيمكن الاستناد إلى الروايات الآتية لإثبات وجوب نفقة الزوجة على الزوج:
1 ـ حسنة أبي بصير، قال: «سمعت أبا جعفر(ع) يقول: من كانت عنده امرأة فلم يَكسُها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها، كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما.»[4] [5]
2 ـ ما رواه الصدوق في الموثّق: «سأل إسحاق بن عمّار أبا عبدالله(ع) عن حقّ المرأة على زوجها، قال: يشبع بطنها ويكسو جثّتها وإن جهلت غفر لها...»[6] [7]
3 ـ ما رواه الکليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج، قال: «لا يجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد. قال ابن أبي عمير: قلت لجميل: والمرأة؟ قال: قد روي عن عنبسة عن أبي عبدالله(ع)، قال: إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلّقها.»[8] [9]
سند هذه الرواية حسن، وظاهرها أنّ صدرها من كلام جميل بن درّاج نفسه وليس منقولاً عن المعصوم(ع). وأمّا ذيلها المنسوب إلى الإمام(ع) فغير معتبر؛ لأنّ المراد بعنبسة هو عنبسة بن مصعب، وهو ناووسي واقفي لم يثبت توثيقه. مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ نقل جميل عن عنبسة لم يكن بلا واسطة، فيكون النقل مرسلاً.
وقد نقل صاحب الوسائل في آخر الرواية زيادة ليست موجودة في الكافي، إلا أنّها موجودة في نقل الشيخ كما سيأتي في الخبر التالي.
وأمّا عدم حكم جميل في صدر الرواية بجواز إجبار الزوج على نفقة الزوجة مع أنّه في ذيلها نقل عن عنبسة وجوب الطعام والكسوة على الزوج، فلعلّ وجهه أنّ ما نقله عنبسة مختصّ بالطعام والكسوة، بينما النفقة أعمّ منهما؛ أو أنّ رواية عنبسة لم تكن معتبرة عند جميل، فلم يفت بمضمونها، وإن كان هذا الاحتمال بعيداً، إذ يلزم منه عدم وجوب الطعام والكسوة على الزوج عند جميل.
وأمّا بقيّة أخبار الباب فسيأتي بحثها في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.