47/04/04
بسم الله الرحمن الرحیم
أسباب وجوب النفقة – الزوجيّة- دلالة الآيات/ النفقات/النکاح
الموضوع: النکاح/ النفقات/ أسباب وجوب النفقة – الزوجيّة- دلالة الآيات
ننتقل فيما يلي إلى دراسة سائر الآيات التي ادّعي دلالتها على وجوب نفقة الزوجة على الزوج.
3 ـ ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾[1] .
غير أنّ التمسّك بهذه الآية لإثبات وجوب نفقة الزوجة غير تامّ، إذ المستفاد منها أنّ من وجبت عليه النفقة، فمقدار ما يلزمه أداؤه يكون على حسب تمكّنه المالي، وأمّا تعيين من تجب عليه النفقة فلا دلالة للآية عليه.
فلذا قال الشيخ في التبيان في تفسير الآيه الشريفة: «معناه أنّ كلّ إنسان يجب عليه النفقة بحسب حاله، فالغنيّ ينبغي أن يوسّع في النفقة والفقير بحسب حاله.»[2]
بل قد ذهب بعضهم استناداً إلى الآية السابقة الواردة في شأن المطلّقات حيث قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكـُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾[3] ، إلى أنّ الحكم المذكور في هذه الآية مختصّ بالمطلّقات اللاتي يرضعن أولادهنّ.
قال الرازي في تفسير الآية الشريفة: «أمر أهل التوسعة أن يوسّعوا على نسائهم المرضعات على قدر سعتهم، ومن كان رزقه بمقدار القوت، فلينفق على مقدار ذلك.»[4]
وقال صاحب الميزان: «هو أمر لأهل السعة بأن يوسّعوا على نسائهم المطلّقات المرضعات أولادهم.»[5]
ولكن هذا المدّعى غير قابل للالتزام، فإنّه أوّلاً: لو سلّمنا باختصاص الآية بمن ذكر حكمهنّ في الآيات السابقة، لكان مقتضاها اختصاص الحكم بالمطلّقات الحوامل، إذ المطلّقة المرضعة لا تستحقّ النفقة وإنّما تستحقّ الأُجرة. وثانياً: إنّ المورد ليس بمخصّص، فيمكن استفادة حكم عامّ من الآية الشريفة في شأن كلّ من وجبت عليه النفقة، وإن كان قد تقدّم أنّها لا تنهض بتعيين من هو المكلّف بالإنفاق.
نعم، قد ورد في تفسير هذه الآية الشريفة رواية يمكن الاستناد إليها لإثبات دلالتها على وجوب النفقة، وهي صحيحة ربعي بن عبدالله والفضيل بن يسار جميعاً عن أبي عبدالله(ع): «في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ قال: إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرّق بينهما.»[6] [7] ؛ فإنّه معلوم أنّه مع عدم وجوب النفقة على الزوج، لا وجه لحكم الحاكم بالتفريق بين الزوجين بسبب امتناع الزوج عن الإنفاق عليها.
ومثل هذا المضمون ورد أيضاً في خبر روح بن عبدالرحيم عن أبي عبد الله(ع) [8] [9] الوارد في الكافي، وكذا في صحيحة أبي بصير عنه(ع) [10] [11] المنقولة في تفسير عليّ بن إبراهيم.
4 ـ ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾[12] .
غير أنّه كما تقدّم في مباحث النشوز، فالمقصود من النفقة في الآية الشريفة ليس النفقة التي وجب على الرجل إعطاؤها شرعاً؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما صحّ جعل وجوبها دليلاً على قيمومة الرجال علی النساء، لأنّ علّة وجوب الإنفاق على الرجل هي قيمومته على المرأة، لا أنّ قيمومته ناشئة من وجوب النفقة.
هذا مضافاً إلى أنّ الآية حينئذٍ تختصّ بعلاقة الزوجين، وهو خلاف ما ذهب إليه بعض المفسّرين من عمومها، إذ يمكن أن يدّعى في غير هذا الفرض أنّ النفقة قد تجب شرعاً على المرأة أيضاً، كما في مورد كونها ذات تمكّن مالي وكان أبوها أو ابنها فقيراً، ولا يمكن حينئذٍ القول بأنّ النفقة واجبة على الرجل مطلقاً.
وعليه فالمقصود من هذه العبارة أنّ تأثير الرجال في الشؤون الاقتصاديّة بطبعهم أشدّ من تأثير النساء، وأنّ الرجال هم الذين يتولّون إدارة الأُمور الاقتصاديّة عادةً. ولأجل ذلك يقال: إنّه حتّى في البلدان التي لا يلتزم أهلها بالأحكام الشرعيّة الإسلاميّة ويدّعون المساواة التامّة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات، يبقى تأثير الرجال في الاقتصاد أضعاف تأثير النساء، ويكون الاقتصاد فيها عمليّاً بيد الرجال.
فلذا قال ابن عاشور في تفسيرها: «جيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أنّ ذلك أمر قد تقرّر في المجتمعات الإنسانيّة منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات.»[13]
فلا دلالة للآية الشريفة على وجوب نفقة الزوجة على الزوج.