46/10/27
بسم الله الرحمن الرحیم
نهاية مدّة الحضانة/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ نهاية مدّة الحضانة
المقام السادس: نهاية مدّة الحضانة
قد أُرسل في كلمات الأصحاب إرسال المسلَّمات أنّ نهاية مدّة حضانة الولد هي زمان بلوغه، بشرط أن يكون رشيداً، من غير إقامة دليل واضح في الغالب، بل ادّعي عليه عدم الخلاف[1] بل الإجماع[2] [3] .
والحال أنّ المسألة محلّ خلاف كبير بين فقهاء العامّة.
يقول وهبة الزحيلي: «اتّفق الفقهاء على أنّ الحضانة تبدأ منذ ولادة الطفل إلى سنّ التمييز، واختلفوا في بقائها بعد سنّ التمييز.
قال الحنفيّة: الحاضنة ـ أُمّاً أوغيرها ـ أحقّ بالغلام حتّى يستغني عن خدمة النساء ويستقلّ بنفسه في الأكل والشرب واللبس والاستنجاء، وقدّر زمن استقلاله بسبع سنين، لأنّه الغالب، لقوله(ص): «مروا أولادكم بالصلاة لسبع» والأمر بها لا يكون إلا بعد القدرة على الطهارة. وقيل: بتسع سنين.
والأُمّ والجدّة أحقّ بالفتاة الصغيرة حتّى تبلغ بالحيض أو الإنزال أو السنّ، لأنّها بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء، والمرأة على ذلك أقدر، وأمّا بعد البلوغ فتحتاج إلى التحصين والحفظ، والأب فيه أقوى وأهدى.
وبلوغ الصغيرة إمّا بتسع سنين أو بإحدى عشرة سنة...
وقال المالكيّة: تستمرّ الحضانة في الغلام إلى البلوغ على المشهور، ولو مجنوناً أو مريضاً، وفي الأُنثى إلى الزواج ودخول الزوج بها ولو كانت الأُمّ كافرة.
وهذا في الأُمّ المطلّقة أو من مات زوجها. وأمّا من في عصمة زوجها فهي حقّ للزوجين جميعاً.
ولا يخيّر الولد في رأي الحنفيّة والمالكيّة، لأنّه لا قول له ولا يعرف حظّه، وقد يختار من يلعب عنده.
وقال الشافعيّة: إن افترق الزوجان ولهما ولد مميّز ـ ذكر أو أُنثى ـ وله سبع أو ثمان سنين وصلح الزوجان للحضانة حتّى لو فضل أحدهما الآخر ديناً أو مالاً أو محبّة وتنازعا في الحضانة، خيّر بينهما وكان عند من اختار منهما... والولد يتخيّر ولو أسقط أحد الزوجين حقّه قبل التخيير...
ويخيّر الولد أيضاً بين أُم وجدّ، وكذا أخ أو عمّ أو أب مع أُخت أو خالة في الأصحّ، فإن اختار أحدهما ثمّ اختار الآخر، حوّل إليه، لأنّه قد يظهر له الأمر بخلاف ما ظنّه، أويتغيّر حال من اختاره أوّلاً، ولأنّ الولد قد يقصد مراعاة الجانبين.
وقال الحنابلة: إذا بلغ الغلام غير المعتوه سبع سنين، خيّر بين أبويه إذا تنازعا فيه كما قال الشافعيّة، فكان مع من اختار منهما. ومتى اختار أحدهما فسلّم إليه ثمّ اختار الآخر، ردّ إليه. ويخيّر الغلام بين أُمّه وعصبته...
وإنّما يخيّر الغلام بشرطين:
أحدهما: أن يكون الأبوان وغيرهما من أهل الحضانة، فإن كان أحدهما من غير أهل الحضانة، كان كالمعدوم ويتعيّن الآخر.
الثاني: ألا يكون الغلام معتوهاً، فإن كان معتوهاً كان عند الأُمّ ولم يخيّر، لأنّ المعتوه بمنزلة الطفل وإن كان كبيراً، لذا كانت الأُمّ أحقّ بكفالة ولدها المعتوه بعد بلوغه.
أمّا الفتاة إذا بلغت سبع سنين فالأب أحقّ بها ولا تخيّر عندهم خلافاً للشافعيّة...»[4]
يفهم من الأقوال المذكورة أنّ جذور ما ذهب إليه ابن الجنيد ـ من أنّ حضانة الطفل المعتوه تكون للأُمّ مطلقاً ـ ترجع إلى بعض أقوال العامّة.
والظاهر أن يكون المراد من الرشد عند أصحابنا هو العقل، لا الرشد بمعناه الخاصّ، أي الرشد في التصرّفات الماليّة.
ولذلك قال ابن البرّاج: «إن كان بالغاً عاقلاً كان مخيّراً بين أن يكون مع أبيه أو أُمّه.»[5]
ثمّ إنّ الشهيد الثاني استدلّ على سقوط الحضانة ببلوغ الولد رشيداً بقوله: «وإذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه، لأنّها ولاية، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد، سواءً في ذلك الذكر والأُنثى، البكر والثيّب، لكن يستحبّ له أن لا يفارق أُمّه خصوصاً الأُنثى إلى أن تتزوّج.»[6]
غير أنّ هذا الاستدلال قابل للإشكال بناءً على ما تقدّم من أنّ حقّ الحضانة لا يراد به الولاية بالمعنى المصطلح، بل هو إذن من الشارع ـ من حيث ولايته على المكلّفين ـ يمنح للحاضن لغرض حفظ المحضون ورعايته، دون أن يترتّب عليه سلطة شرعيّة على شخصه أو ماله.
وسنتابع الموضوع في الجلسة القادمة إن شاء الله.