46/10/23
بسم الله الرحمن الرحیم
نقد کلام آيت الله السيّد السيستاني/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ نقد کلام آيت الله السيّد السيستاني
بناءً على ما تقدّم في الجلسة السابقة، يعلم أنّ ما ذكره الشهيد بشأن إمكان إلزام الأب بالحضانة في فرض امتناع الأُمّ عنها، إن أراد به أنّ على الأب تأمين مصلحة الطفل من باب إعمال ولايته، فهو ممّا يمكن الالتزام به، وأمّا كان مراده أنّ الأب يُلزم بتكفّل الحضانة بنفسه، فلا وجه له.
وعليه، فإذا قبل شخص غير الأبوين تولّي حضانة الطفل ولم يكن في ذلك منافاة لمصلحته، فلا مقتضى لإلزام أيّ منهما بتكفّل أُمور الطفل.
وأمّا ما ذهب إليه السيّد السيستاني من أنّ الحضانة حقّ للطفل على عاتق الأبوين، فلا دليل عليه، فإنّ المستحقّ للطفل هو رعاية مصلحته من قبل وليّه، فإذا تنازل الأبوان عن حضانتهما لشخص آخر مع مراعاة مصلحة الطفل، فلا مانع من ذلك.
والصحيح أنّ حقّ الحضانة ثابت للأبوين ولا ينتقل إلى غيرهما بمعنى استحقاقه شرعاً بحيث يعدّ أخذ الطفل منه تضييعاً لحقّه، إذ لا دليل على مشروعيّة انتقال هذا الحقّ منهما إلى غيرهما.
وعليه، فإذا تنازل الوالدان عن حضانة الطفل لصالح شخص آخر، فلا يثبت لهذا الأخير حقّ مستقلّ في الحضانة ويجوز للأبوين أن يسترجعا الولد منه متى شاءا.
نعم، ورد عن السيّد السيستاني في مسألة أُخرى قوله: «مسألة ٤١٠: لا تجب المباشرة في حضانة الطفل، فيجوز لمن عليه الحضانة إيكالها إلى الغير مع الوثوق بقيامه بها على الوجه اللازم شرعاً.»[1]
ولكن يشكل على ذلك بما دلّت عليه الأخبار من أحقّيّة الأُمّ في حضانة الطفل لمدّة معيّنة، فإنّ هذا يقتضي ثبوت أصل الحقّ في الحضانة لكلا الأبوين في تلك المدّة، بمعنى توفّر المقتضي لدى كلّ منهما، غير أنّ أرجحيّة حقّ الأُمّ مانعة من صيرورة حقّ الأب للحضانة فعليّاً.
وكذلك الحال بعد انتهاء مدّة حضانة الأُمّ، فإنّ مقتضي حقّ الحضانة يبقى متوفّراً لدى الأُمّ أيضاً، إلا أنّ أرجحيّة حقّ الأب في تلك المرحلة تمنع من فعليّة حقّها.
وعليه لا يجوز لأيّ من الأبوين أن يوكل حضانة الطفل إلى الغير في المدّة التي يرجّح فيها حقّه على حقّ الآخر. نعم، غاية ما يسوغ له فعله هو التنازل عن حقّه، وهو ما يترتّب عليه زوال المانع من فعليّة حقّ الطرف الآخر، فيعود إليه حقّ الحضانة لا إلى الغير.
نعم، تقدّم أنّه لا إشكال في إيكال الحضانة إلى طرف ثالث إذا اتّفق الأبوان على ذلك، إذ لا مانع شرعاً منه مع تراضيهما ومراعاة مصلحة الطفل.
كما لا إشكال في أن يوكل الأب حضانة الطفل إلى شخص آخر في حال عدم وجود الأُمّ، وذلك من باب ولايته الشرعية عليه.
وأمّا إذا فقد الطفل أباه، فإنّ إيكال الأُمّ حضانته إلى الغير يتوقّف على إذن الوليّ الشرعي، لعدم استقلالها في هذا التصرّف.
علماً بأنّه لا مانع من أن يستعين الحاضن بغيره في بعض شؤون الطفل مادام الطفل تحت رقابته وإشرافه المباشر، بحيث يعدّ هو المتكفّل الفعلي بالحضانة، ففي هذه الحالة لا يصدق أنّه أوكل الحضانة إلى الغير، بل يعدّ ذلك من باب الاستعانة في الأداء لا من باب تفويض الحقّ.
والملاحظة الأخيرة التي ينبغي الإشارة إليها هي أنّ بقاء ولاية الأب في مدّة حضانة الأُمّ لا يستلزم أن تستأذنه في جميع التصرّفات المتعلّقة بالولد، بل إنّ التصرّفات التي تعدّ من اللوازم العرفيّة للحضانة فإنّ الإذن الشرعي فيها ثابت للأُمّ بمقتضى الحقّ الذي منحه الشارع لها في هذه المدّة.
نعم، التصرّفات الخارجة عن دائرة شؤون الحضانة المعتادة، تحتاج إلى إذن الوليّ الشرعي.
بل حتّى في التصرّفات المعتادة إذا نهى الوليّ الشرعي عن فعل معيّن لاعتقاده بوجود مفسدة فيه أو أمر باتّباع طريقة خاصّة يراها أصلح، فلا يبعد القول بلزوم امتثال الأُمّ لأمره ونهيه، إذ إنّ أدلّة الحضانة لا تخصّص أدلّة الولاية العامّة ولا تقيّد إطلاقها، وإنّما تفيد ثبوت إذن شرعي للأُمّ في التصرّفات التي تعدّ من لوازم الحضانة عرفاً دون أن تنفي بذلك سلطة الوليّ الشرعي في توجيه كيفيّة الحضانة ووجوب التزام الأُمّ بأوامره ونواهيه في هذا الشأن.