46/10/13
بسم الله الرحمن الرحیم
الفئة الثانية من الأخبار - أقوال الفقهاء في المسألة/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ الفئة الثانية من الأخبار - أقوال الفقهاء في المسألة
بقيّة أخبار الفئة الثانية من روايات الحضانة هي کما يلي:
2 ـ حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «الحبلى المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها، وهي أحقّ بولدها إن ترضعه بما تقبله امرأة أُخرى...»[1] [2]
وهذه الرواية مماثلة في الدلالة لما سبق من خبر أبي الصبّاح، غير أنّها تختلف عنه في أمرين:
الأوّل: أنّها لم تقيّد مورد الأحقّيّة بـ «الابن»، بل عبّرت بـ «الولد» على نحو مطلق.
الثاني: أنّها لا تتضمّن مفهوم الغاية بخلاف الرواية السابقة.
ومع ذلك، يُحتمل ـ كما في الرواية السابقة ـ أن يكون المراد بالأحقّيّة هنا ما يرتبط بالإرضاع فحسب دون الحضانة.
3 ـ خبر القاسم بن محمّد عن المنقري عمّن ذكره، قال: «سئل أبو عبدالله(ع) عن الرجل يطلّق امرأته وبينهما ولد، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج.»[3] [4]
وهو يدلّ على أحقّيّة الأُمّ في حضانة الولد مطلقاً ما لم تتزوّج.
4 ـ معتبرة داود الرقّي، قال: «سألت أبا عبدالله(ع) عن امرأة حرّة نكحت عبداً فأولدها أولاداً ثمّ إنّه طلّقها فلم تقم مع ولدها وتزوّجت. فلمّا بلغ العبد أنّها تزوّجت أراد أن يأخذ ولده منها وقال: «أنا أحقّ بهم منك إن تزوّجت». فقال: ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإن تزوّجت حتّى يعتق، هي أحقّ بولدها منه مادام مملوكاً، فإذا أُعتق فهو أحقّ بهم منها.»[5] [6]
تدلّ هذه الرواية على أنّ الأُمّ تكون أحقّ بالحضانة من الأب مادام الأب مملوكاً وإن تزوّجت الأُمّ، فلا تُسقط الزوجيّة الثانية حقّها في هذه الحالة الخاصّة. لكن إذا أُعتق الأب، كان هو أحقّ بالولد من الأُمّ، سواء تزوّجت الأُمّ أو لا. كما أنّ الرواية مطلقة من حيث سنّ الولد وجنسه، فتشمل الذكر والأنثى.
5 ـ ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أيّوب بن نوح، قال: «كتب إليه(ع) بعض أصحابه أنّه كانت لي امرأة ولي منها ولد وخلّيت سبيلها. فكتب(ع): المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة.»[7] [8]
تدلّ هذه الرواية على أحقّيّة الأُمّ المطلّقة في حضانة ولدها إلى سنّ السبع سنوات، من دون فرق بين الذكر والأُنثى. كما يظهر منها أنّ الحضانة حقّ للأُمّ بحيث يمكنها التنازل عنه بمشيئتها.
وأمّا من حيث السند فالرواية وإن كانت مضمرة بحسب نقل الصدوق، إلا أنّه قد ذُكر في «من لا يحضره الفقيه» بعد عبارتي: «كتب إليه» و«فكتب» تعبير «عليه السلام» ممّا يدلّ على صدورها عن المعصوم(ع)؛ وهذا يُعتبر قرينة على صحة الإسناد.
وعلاوة على ذلك، فإنّ ابن إدريس روى مضمون الرواية في «مستطرفات السرائر» عن كتاب «مسائل الرجال» وهو كتاب يتضمّن أسئلة وكتابات بعض الأصحاب إلى الإمام الهادي(ع)، وجاء في هذه الرواية هناك: «كتب معي بشر بن بشّار: جعلت فداك! رجل تزوّج امرأة فولدت منه ثمّ فارقها، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب له: إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله وإن تركه فله.»[9] ويمكن لهذا النقل أن يکون مؤيّداً لكون رواية الصدوق أيضاً صادرة عن الإمام الهادي(ع)، فتزداد اعتباراً من جهة الإسناد.
فالرواية تكون صحيحة سنداً.
نعم، بناءً على رواية ابن إدريس لا يكون الأب ملزماً بأخذ الولد بعد السبع، بل يكون بالخيار، إن شاء أخذه وإن شاء تركه عند الأُمّ.
غير أنّ الفاضل الآبي أيضاً روى هذه الرواية عن کتاب «مسائل الرجال» وجاء فيها بدلاً من «سبع»، لفظ «تسع» ثمّ علّق قائلاً: «روى ابن بابويه بلفظ سبع، والغلط من أحد الناسخين.»[10]
وهذا يدلّ على وجود اختلاف في نُسخ كتاب «مسائل الرجال» وبعضها تتطابق مع نقل الصدوق وبعضها تختلف عنه، ولكنّ النسخة التي كانت عند ابن إدريس مقدّمة زماناً على نسخة الفاضل الآبي. على أنّ رواية الصدوق مسندة ورواية کتاب «مسائل الرجال» مرسلة، فتكون رواية الصدوق معتبرة وتؤيّده رواية ابن إدريس أيضاً.
المقام الثاني: أقوال الفقهاء في المسألة
للفقهاء أقوال متعدّدة في حقّ الأُمّ في حضانة الطفل، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
القول الأوّل: إنّ الحضانة بيد الأُمّ مطلقاً ما لم تتزوّج
وقد ذهب إلى هذا القول الصدوق، حيث قال في المقنعة: «إذا طلّق الرجل امرأته وبينهما ولد، فالمرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج.»[11]
ومستند هذا القول مرسلة المنقري.
القول الثاني: أنّ الحضانة تكون بيد الأُمّ في مدّة الرضاع مطلقاً، ثمّ تنتقل إلى الأب بالنسبة إلى الذكر، وأمّا البنت فتستمرّ حضانتها بيد الأُمّ إلى أن تبلغ تسع سنين
وقد ذهب إلى هذا القول الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال: «إذا طلّق الرجل امرأته ولها منه ولد يرضع، كان عليه أن يعطيها أجر رضاعه. فإن بذل لها شيئاً في ذلك فلم تقنع به ووجد من يرضعه بذلك القدر من الأجر، كان له انتزاعه منها ودفعه إلى مرضعة غيرها بالأجر. فإن اختارت أُمّه رضاعه بذلك الأجر كانت أحقّ به...
وإذا فصل الصبيّ من الرضاع، كان الأب أحقّ بكفالته من الأُمّ. والأُمّ أحقّ بكفالة البنت حتّى تبلغ تسع سنين إلا أن تتزوّج.»[12]
ويلاحظ أنّ الفاعل في قوله: «إلا أن تتزوّج» هي الأُمّ دون البنت.
وقد تبنّى هذا القول أيضاً سلار الديلمي في المراسم.[13]
وقد يكون مستنده صحيحة أيّوب بن نوح ـ بناءً على نسخة من كتاب «مسائل الرجال» الذي فيه «تسع سنين» ـ ممّا ينتج عنها هذا القول عند الجمع بينها وبين الأخبار الدالّة على أولويّة الأب في حضانة الولد بعد مدّة الرضاع.
ولكن قلنا أنّ النقل المشتمل على «تسع سنين» غير معتبر، على أنّ الجمع بين الأخبار على النحو المذكور مشكل بما سنذكره في مقام بيان المبنى المختار إن شاء الله.
وسنتابع في الجلسة القادمة استعراض بقيّة الأقوال وتحليلها إن شاء الله.