46/10/10
بسم الله الرحمن الرحیم
عدم إختصاص الأخبار بالطلاق – إطلاق الأخبار/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ عدم إختصاص الأخبار بالطلاق – إطلاق الأخبار
تقدّم في الجلسة السابقة أنّ بعض كلمات الأعلام تُشعر بأنّ الحضانة من باب الولاية والسلطة.
ولكنّ التحقيق خلاف ذلك ولا وجه لعدّ الحضانة من شؤون ولاية الحاضن؛ فإنّ المعنى اللغوي للحضانة ـ كما سبق بيانه ـ لا يشتمل على معنى الولاية، بل يقتصر على الحفظ والرعاية. كما أنّ الروايات التي سيأتي ذكرها خالية من أيّ دلالة على ثبوت الولاية للحاضن على المحضون.
ويؤيّد ذلك أيضاً أنّه لا خلاف في أنّ ولاية الطفل في فترة حضانة الأُمّ إنّما تكون راجعة إلى أبيه أو جدّه لأبيه، ولو قيل بثبوت الولاية للأُمّ كذلك، فلا مناص من القول بمشاركتها معهما في الولاية ولو في خصوص ما يتعلّق بالحضانة، وهو ما لا وجه له، ولا يتصوّر التزام الأصحاب به.
بل يجب على الأُمّ في مدّة حضانتها أن تتصرّف وفق ما يراه الوليّ الشرعي من مصلحة الطفل، ولا يجوز لها أن تنفرد بعمل لم يقرّه ولو ظنّت فيه المصلحة.
وعليه فالحضانة لا تعدو كونها مباشرة لشؤون الرعاية، ولا تلازم بينها وبين ثبوت الولاية للحاضن على المحضون.
ثمّ إنّ الأصحاب غالباً ما تناولوا مسألة الحضانة في سياق افتراق الأبوين، ولذلك صرّح الشيخ في المبسوط عند بيان مورد النزاع بقوله: «إذا بانت امرأة الرجل منه بطلاق أو فسخ أو خلع أو غير ذلك وهناك ولد فتنازعاه...»[1]
وذکر المسألة في الخلاف أيضاً بصيغة مشابهة.[2]
وأمّا ابن إدريس، فقد طرحها قائلاً: «إذا بانت المرأة من الرجل ولها ولد منه...»[3]
وقال العلامة في المختلف «إذا بانت المرأة من الزوج...»[4]
وكذلك صرّح كاشف اللثام بأنّ مورد البحث مخصوص بحال الافتراق، حيث قال: «لا إشكال في أمرها إذا لم يفترق الزوجان بطلاق أو غيره.»[5]
وقد أيّد صاحب الجواهر دعوى كاشف اللثام.[6]
إلا أنّ هذا التقييد لا يمكن الالتزام به، إذ لا مانع من طرح مسألة الحضانة حتّى مع بقاء الزوجيّة، فإنّه قد يقع من الأب ـ في مقام العمل ـ أن يمنع الأُمّ من حضانة الطفل ورعايته ويوكل أمر حفظه ومراقبته إلى مربّية أو أمة.
وعليه، فيمكن أن يُبحث في هذه الصورة أيضاً: هل تمتلك الأُمّ حقّاً في حضانة الطفل، أم أنّ للأب بحكم ولايته أن يمنعها من ذلك؟
وبعد استيفاء هذه المقدّمات التمهيديّة، ننتقل إلى دراسة المسألة ضمن مقامات متعدّدة.
المقام الأول: أخبار المسألة
تمسّك الأصحاب في بحث الحضانة بجملة من الأخبار يمكن تصنيفها إلى فئتين:
الفئة الأُولى: الأخبار ذات الدلالة المطلقة
1 ـ موثّقة داود بن الحصين عن أبي عبدالله(ع)، قال: «﴿وَالْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ﴾[7] ، قال: مادام الولد في الرضاع، فهو بين الأبوين بالسويّة، فإذا فطم فالأب أحقّ به من الأُمّ، فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة. فإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم وقالت الأُمّ: «لا أُرضعه إلا بخمسة دراهم»، فإنّ له أن ينزعه منها إلا أنّ ذلك خير له وأرفق به أن يترك مع أُمّه.»[8] [9]
وهذه الرواية مطلقة من حيث موردها، فلا يختصّ مضمونها بحال المطلّقة، بل يشمل صورة استمرار الزوجيّة أيضاً.
وهي ظاهرة في أنّ الطفل مادام رضيعاً تكون الحضانة بين الأبوين على نحو الاشتراك، وأمّا بعد الفطام فتصبح بيد الأب.
بل لعلّ ظاهرها ينصرف إلى حالة بقاء الزوجيّة، إذ إنّ فرض المساواة في الحضانة بين والدين منفصلين أمر ممتنع في العادة، لما فيه من تعذّر التنسيق العملي بينهما.
2 ـ خبر فضل أبي العبّاس، قال: «قلت لأبي عبدالله(ع): الرجل أحقّ بولده أم المرأة؟ قال: لا، بل الرجل. فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها: «أنا أُرضع ابني بمثل ما تجد من ترضعه» فهي أحقّ به.»[10] [11]
صدر الرواية ظاهر في ترجيح حقّ الرجل في الحضانة مطلقاً، غير أنّ ذيلها يقيّد موردها بحال الطلاق، حيث تفضّل الأُمّ في صورة عرضها الإرضاع بمثل ما يستأجر به الأب مرضعة أجنبيّة. وعليه فقد يقال بأنّ إطلاق الصدر مقيّد بالذيل، فيختصّ بحال المفارقة.
3 ـ صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبدالله(ع) أنّه قال: «أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً، فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها لموضع الأب.»[12] [13]
وهي ظاهرة في أنّ الأصل هو أحقّيّة الأب في الحضانة مطلقاً، لكن يستثنى من ذلك ما إذا كان الأب عبداً والأُمّ حرّة. كما أنّ إطلاق الرواية يشمل صورة بقاء الزوجيّة وصورة المفارقة على السواء، من غير تعرّض لحال الانفصال.
4 ـ ما رواه الکليني بسند حسن عن جميل وابن بكير: «في الولد من الحرّ والمملوكة؟ قال: يذهب إلى الحرّ منهما.»[14] [15]
وتدلّ ـ بحسب الظاهر ـ على أحقّيّة الطرف الحرّ في الحضانة.
لكن يحتمل أن تكون بصدد بيان إلحاق الولد من حيث الحريّة والرقيّة لا من حيث الحضانة.
ثمّ إنّها مقطوعة غير مصرّحة بالنقل عن الإمام(ع)، غير أنّ قرينة ذكر جميل بن درّاج وابن بكير معاً قد تعزّز احتمال كون الجواب منقولاً عن الإمام(ع)، لا مجرّد نقل لقول الراويين.
الفئة الثانية: الأخبار التي تخصّ دلالتها المطلّقة
1 ـ خبر أبي الصبّاح الكناني عن أبي عبدالله(ع)، قال: «إذا طلّق الرجل امرأته وهي حبلى، أنفق عليها حتّى تضع حملها، وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها، إلا أن يجد من هو أرخص أجراً منها، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه.»[16] [17]
تدلّ الرواية على أحقّيّة الأُمّ المطلّقة بحضانة الطفل إلى نهاية مدّة الرضا ويستفاد من مفهوم الغاية الوارد في قوله(ع): «حتّى تفطمه» أنّ هذه الأحقّيّة تنتهي بانتهاء تلك الفترة.
نعم، قد يقال: إنّ الرواية واردة في مقام بيان حكم الإرضاع دون الحضانة، فإنّ الإرضاع والحضانة أمران متمايزان، وقد يتولّى كلّ منهما طرف مختلف، فقد تتكفّل الأُمّ بحضانة الطفل مع الاستعانة بمرضعة أجنبيّة يستأجرها الأب، كما قد ترضعه بنفسها من دون أن تكون حاضنة له.
وعليه، فإنّ استفادة حكم الحضانة من هذه الرواية تتوقّف على إثبات التلازم بين الإرضاع والحضانة، وهو أمر غير محقّق.
وسنكمل ـ إن شاء الله ـ عرض بقيّة أخبار الفئة الثانية في الجلسة القادمة.