« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

من عليه دفع أجرة إرضاع الأمّ ابتدائاً/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / من عليه دفع أجرة إرضاع الأمّ ابتدائاً

 

كان البحث في أنّ أُجرة الإرضاع هل تجب ابتداءاً على الأب أم على المرتضع؟

أقول: إنّ مقتضى القاعدة أن تكون الأُجرة على عهدة المنتفع، وبما أنّ منفعة الإرضاع تعود إلی المرتضع دون أبيه، فينبغي أن تكون أُجرته أيضاً على عهدته.

إن قلت: إنّ المطالبة بالأُجرة من المنتفع تتوقّف علی أن يكون عمل الأجير بأمر منه ومطالبته بذلك، وبما أنّ الفرض أنّ المنتفع بالإرضاع في المقام صغير لا يمكنه أن يأمر بالإرضاع، فلا وجه لأن تستوفى الأُجرة من ماله.

قلت: إنّ لأب المرتضع أن يطالب أُمّه بالإرضاع نيابة عن المرتضع من باب الولاية التي له عليه، وهذا يوجب دفع أُجرة الإرضاع على الصغير.

نعم، إذا لم تكن مطالبة الأب بالإرضاع من باب ولايته على الصغير بل كانت من قبل نفسه، فوجبت الأُجرة حينئذٍ على الأب ابتداءاً، ولا يبعد حمل ما ورد في الآية السادسة من سورة الطلاق من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ‌ أَرْضَعْنَ‌ لَكـُمْ‌ فَآتُوهُنَّ‌ أُجُورَهُنَّ﴾ على ذلك، بمعنى أنّ المراد من: ﴿أَرْضَعْنَ‌ لَكـُمْ‌﴾ هو: «أرضعن لأجل مطالبتكم منهنّ بالإرضاع».

غير أنّ بعض العامّة اعتبروا وجه ذكر ﴿لَكـُمْ‌﴾ في الآية أنّه لا يجب على الأُمّ إرضاع الطفل بعد بينونة الزوجين وإنّما يجب ذلك على أبيه[1] ، وهو غير صحيح إذ تقدّم أنّه لا يجب على الأُمّ إرضاع الطفل مطلقاً، سواء بقيت العلقة الزوجيّة أم لا. على أنّه يكفي لبيان عدم وجوب الإرضاع على الأُمّ أمره تعالى بدفع أُجرة الإرضاع للأُمّ ولا وجه لاستعمال لفظ ﴿لَكـُمْ﴾ لإفادة هذا المعنى.

هذا، وإن كان صاحب الجواهر لا يعتبر وجوب الإرضاع على الأُمّ منافياً لجواز مطالبتها بالأُجرة واعتبره كوجوب بذل الزاد للمضطرّ حيث لا ينافي أخذ العوض عليه[2] ، إلا أنّ هذا القياس واضح البطلان، وذلك لأنّ جواز أخذ العوض على الزاد في فرض كلامه إنّما هو بسبب أنّ الذي يجب على المكلّف هو حفظ نفس المضطرّ، وبذل الزاد له يعدّ من لوازم المكلّف به بحسب الظروف الخارجيّة، وكما لا يلزم من التكليف المذكور أن يملّك الزاد للمضطرّ بل يتلاءم مع مجرّد إباحته للتصرّف فيه ـ ولذا إن توفّي المضطرّ قبل الانتفاع بالزاد، فإنّه يعود إلى الباذل دون ورثة المضطرّ، إلا إذا كان الباذل قد قصد تمليكه له حين بذله ـ فكذلك لا يستلزم إباحته مجّاناً، بل يتلاءم مع إباحته علی عوض، ولو كان العوض شغل ذمّة المضطرّ.

بل إذا تعلّق أمر الشارع بأن يعطي المكلّفُ عيناً للانتفاع بها إلى شخص آخر ـ مثل أن يأمره بإعطاء بيته للسكنى لشخص ـ وكان الأمر المذكور مطلقاً بحيث يشمل إعطاء العين مقابل العوض أيضاً ولم يكن له ظهور في المجّانيّة، فيمكن القول بأنّه لا ينافي أخذ الإجارة عليها.

أمّا إذا تعلّق أمر الشارع بفعل ما، فبما أنّ ذلك يسلب اختيار المكلّف شرعاً بالنسبة إلى ذلك الفعل ولا يمكن أخذ الأُجرة على فعل غير اختياري، فلا يجوز المطالبة بالأُجرة على مثل هذا الفعل كما مرّ تفصيله في مباحثنا الأُصوليّة.

وعليه فقياس ما نحن فيه بوجوب إعطاء الزاد إلی المضطرّ قياس مع الفارق.

وسنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo