« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

وجوب ختان الصبي علی والد قبل البلوغ/ احکام الختان/أحکام الأولاد

الموضوع: أحکام الأولاد/ احکام الختان/ وجوب ختان الصبي علی والد قبل البلوغ

 

طرحنا في الجلسة السابقة أدلّة الوجوب النفسي للختان.

وأمّا بالنسبة إلى أنّه هل يجب على الوليّ أن يختن الصبي قبل البلوغ أم أنّ الختان واجب على المكلّف نفسه بعد البلوغ، فقد قال الشهيد الثاني: «إنّما الكلام في أوّل وقت وجوبه هل هو قبل التكليف بحيث إذا بلغ الصبي‌ يكون قد اختتن قبله ولو بقليل، أم لا يجب إلا بعد البلوغ كغيره من التكاليف المتعلّقة بالمكلّف؟

يظهر من عبارة المصنّف الأوّل، لإطلاق حكمه عليه بالوجوب، ولا ينافيه حكمه باستحبابه يوم السابع، لأنّ الوجوب على هذا القول موسّع من حين الولادة إلى أن يقرب التكليف. وعلى هذا فيكون فعله يوم السابع أفضل أفراده الواجبة، ولأجل ذلك أطلق عليه الاستحباب كما يقال: يستحبّ‌ صلاة الفريضة في أوّل وقتها. وعلى هذا فيكون الوجوب متعلّقاً بالوليّ، فإن لم يفعل إلى أن بلغ الصبي أثم وتعلّق الوجوب حينئذٍ بالولد.

وبهذا القول صرّح في التحرير فقال: «ولا يجوز تأخيره إلى البلوغ.»[1]

ووجه هذا القول: إطلاق الأمر به للولي الدالّ‌ على الوجوب...

ووجه الثاني: أنّ الختان شرط في صحّة الصلاة ونحوها من العبادات، فلا يجب إلا مع وجوب المشروط.

ولو سلّم أنّه واجب لنفسه فمتعلّقه المكلّف، والأصل براءة ذمّة الوليّ من فعله، والأمر قبل البلوغ محمول على الاستحباب، لأنّ في بعض الأخبار أنّه من السنّة مقروناً بثقب الأُذن المتعيّن حمله على الاستحباب، وإن كانت السنّة في نفسها أعمّ‌ من الواجب...»[2]

ولكن يرد على مقالته عدّة إشكالات:

أوّلها: أنّ الأخبار لا تشتمل على إطلاق في أمر الولي بختان المولّى عليه حتّى يستفاد ذلك منه، وإنّما الأخبار التي يخاطب بها الولي كلّها مقرونة بقرائن يُعلم بها أنّ الأمر المذكور فيها استحبابي.

نعم، ورد وجوب الختان في بعضها مطلقاً، غير أنّ الخطاب فيها ليس متوجّهاً نحو الولي، وإنّما الوارد فيها أصل وجوب الختان ممّا يظهر في كون الوجوب متوجّهاً إلى المكلّف نفسه لا إلی وليّه قبل بلوغ المكلّف.

وثانياً: لم يرد اشتراط الختان للصلاة في أيّ دليل، وقد يكون هذا المطلب عن سهو قلمه وأن يكون قد أراد اشتراط الختان للطواف.

غير أنّ صاحب الحدائق قال في توجيه كلام الشهيد الثاني: «استدلّ بعضهم على ذلك بنجاسة الجلدة الساترة، فإنّها لوجوب قطعها في حكم الميتة، وضعفه أظهر من أن يخفى.»[3]

وثالثاً: لا ظهور في كلام المحقّق في وجوب الختان على الولي.

قال صاحب الحدائق في الإشكال على دعوى الشهيد الثاني بالنسبة إلی هذا الظهور: «لا يتحتّم حمل العبارة المذكورة عليه بحيث لا يمكن احتمال غيره، إذ من الجائز أن يكون قوله: «والختان واجب» ـ وهو الذي أشار إليه بقوله «لإطلاق حكمه عليه بالوجوب» ـ إنّما هو بالنسبة إلى ما بعد البلوغ، فإنّه لمّا ذكر أوّلاً أنّ الختان مستحبّ يوم السابع ولو أخّر جاز وعلم منه استحباب الختان بعد الولادة وأنّ الفضل في اليوم السابع، ذكر حكم الختان بعد البلوغ بقوله: «ولو بلغ ولم يختن وجب عليه أن يختن نفسه»، وقوله «والختان واجب» يعني بعد البلوغ.

وبالجملة، فإنّ هذه الجملة متعلّقة بما قبلها ممّا يدلّ على وجوبه بعد البلوغ، ولا ارتباط لها بصدر العبارة الدالّة على استحبابه بعد الولادة.»[4]

نعم، استدلال الشهيد الثاني على عدم وجوب ختان المولّى عليه على الولي تامّ.

كما أنّ السيّد العامليّ أيضاً قال بعد ذكر دعوى العلامة في التحرير: «ربّما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمّنة لأمر الوليّ بذلك، وهو ضعيف، للتصريح في صحيحة ابن يقطين بأنّه لا بأس بالتأخير.»[5]

ومراده من صحيحة عليّ بن يقطين هي ما جاء فيه: «سألت أبا الحسن(ع) عن ختان الصبي لسبعة أيّام، من السنّة هو أو يؤخّر؟ وأيّهما أفضل؟ قال: لسبعة أيّام من السنّة، وإن أخّر فلا بأس.»[6] [7]

غير أنّ صاحب الحدائق أجاب عن هذه الدعوى قائلاً: «إنّ الظاهر من الصحيحة المذكورة إنّما هو أنّه لا بأس بالتأخير عن السابع، بمعنى أنّه لا يتحتّم له فعله وجوباً أو استحباباً في اليوم السابع، بل يجوز التأخير عنه، والقائل بالوجوب إنّما أراد به الوجوب الموسّع إلى ما قبل البلوغ فيتضيّق حينئذٍ، وعلى هذا فلا تكون الرواية منافية لتلك الأخبار التي استند إليها ذلك القائل بالوجوب، وليس المراد أنّه لا بأس بالتأخير إلى البلوغ ليتمّ ما ذكره.»[8]

إلا أنّ ورود الإشكال متوقّف على أن يقرأ «أخّر» في نهاية الصحيحة بصيغة المعلوم حيث يمكن القول بأنّ المراد منه أنّه لا بأس بتأخير الولي، وهذا لا ينافي أصل وجوبه عليه، وبما أنّ الوجوب على الوليّ ثابت مادامت ولايته باقية ـ أي قبل بلوغ الصبي ـ فيجب عليه أن يقوم بالختان قبل البلوغ.

وأمّا إذا قرأ بصيغة المجهول، فيمكن القول بأنّ إطلاقه يشمل ما بعد البلوغ أيضاً، فيكون دليلاً على عدم وجوبه على الولي.

إذن غاية ما يمكن قوله أنّ الصحيحة المذكورة مجملة من هذه الجهة.

ولكن ينبغي أن يقال في نهاية المطاف: لا دليل على وجوب الختان على الولي، وغاية ما يستفاد من الأخبار هو أصل الوجوب وهو متوجّه بحسب القواعد إلى المكلّف نفسه دون غيره.


logo