< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/08/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / اعتبار تعدّد الزوجات في حقّ القسم

 

المطلب الثالث: اعتبار تعدّد الزوجات في حقّ القسم

هل يختصّ حقّ القسم بما إذا كان للزوج أكثر من واحدة أو أنّه واجب حتّى في فرض زوجة واحدة؟

فمن لم يقل بابتدائيّة حقّ القسم فهو بالطبع لا يقول بثبوت حقّ القسم فيما إذا لم يكن للرجل أكثر من زوجة واحدة، لأنّ الحقّ حسب مبناه متعلّق بالنساء اللاتي ينبغي المبيت عندهنّ بعد المبيت لدى الزوجة الأُولى، وفي فرض وحدة الزوجة لا يكون هناك زوجة غير الأُولى ليجب عليه المبيت عندها بعدها، وهذا ما تقدّم في كلام ابن حمزة.

وقال ابن برّاج في هذا الشأن: «إذا كان عند الرجل من الأزواج أكثر من واحدة، فالأفضل له أن يعدل بينهنّ فيبيت عند كلّ واحدة بينهنّ ليلة.»[1]

وقال العلامة في القواعد: «قيل: لا يجب القسمة إلا إذا ابتدأ بها. فعلى الأوّل: لو كان له زوجة واحدة وجب لها ليلة من أربع... وعلى الثاني: لو كان له زوجة واحدة لم يجب قسمة، ولو كنّ‌ أكثر فإن أعرض عنهنّ‌ جاز، وإن بات عند واحدة منهنّ‌ ليلة لزمه في الباقيات مثلها.»[2]

فمن العجيب أنّ بعضاً ـ كالمحقّق في كلامه في مقدّمة البحث ـ على الرغم من القول بعدم ابتدائيّة حقّ القسم قالوا بأنّه يجب على الرجل إذا كانت له زوجة واحدة أن يبيت عندها ليلة من كلّ أربعة ليال.

أمّا الفيض الكاشاني فهو في سبيل تعليل عدم وجوب مراعاة حقّ القسم في الزوجة الواحدة، استدلّ بصحيحة الحلبيّ المتقدّمة التي ورد فيها: «...له أن يتزوّج أربع نسوة ولكلّ امرأة ليلة...»[3] [4] وقال: «لظاهر: ﴿فَإِنْ‌ خِفْتُمْ‌ أَلّٰا تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً ‌أَوْ مٰا مَلَكـَتْ‌ أَيْمٰانُكُمْ‌[5] ؛ دلّت على أنّ‌ الواحدة كالأمة لا حقّ‌ لها في القسمة المعتبر فيها العدل، فلو وجبت لها ليلة من الأربع لساوت غيرها، وكلّ‌ من قال بعدم الوجوب للواحدة قال بعدمه للأزيد أيضاً إلا مع الابتداء بواحدة، فيجب التسوية.»[6]

والواقع أنّ الاستدلال بالآية الشريفة على عدم وجوب حقّ القسم في الزوجة الواحدة ـ ممّا ورد على لسان بعض آخرين كصاحب الرياض أيضاً[7] ـ متّخذ من كلمات العامّة.

فقد قال الكاسانيّ في بدائع الصنائع: «ولا قسم للمملوكات بملك اليمين ـ أي: لا ليلة لهنّ ـ وإن كثرن، لقوله عزّ وجلّ ﴿فَإِنْ‌ خِفْتُمْ‌ أَلّٰا تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً ‌أَوْ مٰا مَلَكـَتْ‌ أَيْمٰانُكُمْ‌﴾[8] ، قصر الإباحة في النكاح على عدد لتحقّق الجور في الزيادة، ثمّ ندب سبحانه وتعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف الجور في الزيادة وأباح من ملك اليمين من غير عدد، فدلّ أنّه ليس فيه خوف الجور وإنّما لا يكون إذا لم يكن لهنّ قسم، إذ لو كان لكان فيه خوف الجور كما في المنكوحة، ولأنّ سبب الوجوب هو النكاح ولم يوجد.»[9]

ولكن يشكل دعوى الفيض الكاشانيّ أوّلاً بأنّ صحيحة الحلبيّ لا تدلّ على عدم حقّ القسم في صورة عدم تعدّد الزوجات، وإلا لوجب القول بعدم وجوبه في صورة كونهنّ أقلّ من أربعة، وإنّما الوارد فيها كان في مقام تعليل جواز ترجيح بعض النساء على البعض الآخر في هذه الصورة، بمعنى أنّ الرجل إذا اتّخذ أربعة نساء فلكلّ واحدة منهنّ الحقّ في ليلة، فإذا كنّ أقلّ من أربعة، فيختار في بعض الليالي فيبيت عند أيّ واحدة منهنّ شاء، وهذا لا يعني أنّه إذا لم يكن له غير واحدة فليس لها حقّ القسم.

وثانياً ـ كما تقدّم في دلالة الآية الشريفة ـ فإنّ الآية لا علاقة لها بحقّ القسم كما لا دلالة لها على عدم حقّ القسم للزوجة الواحدة، ولا تشبه بالأمة من هذه الجهة، وإنّما الآية الشريفة تريد بيان وجوب مراعاة العدل بين الزوجات ومن لم يقدر على مراعاته فعليه إمّا أن يتّخذ الإماء حيث لا يجب مراعاة العدل بينهنّ، وإمّا أن يكتفي بزوجة واحدة حيث ينتفي موضوع مراعاة العدل بين الزوجات عنده.

فالحقّ في المسألة أنّه يجب حتّى على صاحب الزوجة الواحدة بمقتضى الأخبار أن يبيت عندها ليلة من كلّ أربعة ليال، وهذا ما صرّح به بعض الأصحاب.

قال سلار في المراسم: «فإن كانت عنده واحدة، لزم أن يبيت عندها في كلّ أربع ليال ليلة واحدة.»[10]

وقال ابن إدريس في السرائر: «إذا كان للرجل امرأة واحدة، فعليه أن يبيت عندها من أربع ليال ليلة.»[11]

وقد تقدّم كلام المحقّق في بداية البحث في لزوم مراعاة حقّ القسم للزوجة الواحدة، كما اختار هذا المبنى في النافع أيضاً.[12]

وللمسألة تتمّة سنبيّنها في الجلسة القادمة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo