< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم، النشوز، الشقاق / القسم / ابتدائيّة حقّ القسم

 

المطلب الثاني: ابتدائيّة حقّ القسم

هل حقّ القسم حقّ ابتدائيّ أو أنّه متوقّف على أن يبتدأ الزوج بالمبيت لدى نسائه؟

يقول ابن قدامة في المغني: «يجب قسم الابتداء، ومعناه أنّه إذا كانت له امرأة، لزمه المبيت عندها ليلة من كلّ أربع ليال ما لم يكن عذر، وإن كان له نساء فلكلّ واحدة منهنّ ليلة من كلّ أربع؛ وبه قال الثوريّ، وأبو ثور.

وقال القاضي في «المجرّد»: لا يجب قسم الابتداء إلا أن يترك الوطء مصرّاً، فإن تركه غير مصرّ لم يلزمه قسم ولا وطء...

وقال الشافعيّ: لا يجب قسم الابتداء بحال، لأنّ القسم لحقّه فلم يجب عليه.

ولنا قول النبيّ(ص) لعبدالله بن عمرو بن العاص: يا عبدالله! ألم أُخبر أنّك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: فلا تفعل، صم وأفطر وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّاً، وإنّ لعينك عليك حقّاً، وإنّ لزوجك عليك حقّاً» متّفق عليه؛ فأخبر أنّ للمرأة عليه حقّاً.

وقد اشتهرت قصّة كعب بن سور ورواها عمر بن شبّة في كتاب «قضاة البصرة» من وجوه: إحداهنّ عن الشعبيّ أنّ كعب بن سور كان جالساً عند عمر بن الخطّاب، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين! ما رأيت رجلاً قطّ أفضل من زوجي، والله إنّه ليبيت ليله قائماً ويظلّ نهاره صائماً، فاستغفر لها وأثنى عليها. واستحيت المرأة وقامت راجعة. فقال كعب: يا أمير المؤمنين! هلا أعديت المرأة على زوجها؟ فقال: وما ذاك؟ فقال: إنّها جاءت تشكوه، إذا كانت حاله هذه في العبادة متى يتفرّغ لها؟ فبعث عمر إلى زوجها فجاء، فقال لكعب: اقض بينهما، فإنّك فهمت من أمرهما ما لم أفهم. قال: فإنّي أرى كأنّها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهنّ، فأقضي له بثلاثة أيّام ولياليهنّ يتعبّد فيهنّ، ولها يوم وليلة. فقال عمر: والله ما رأيك الأوّل بأعجب إليّ من الآخر، اذهب فأنت قاضٍ على أهل البصرة...

وهذه قضيّة انتشرت فلم تنكر، فكانت إجماعاً.

ولأنّه لو لم يكن حقّاً لم تستحقّ فسخ النكاح لتعذّره بالجبّ والعنّة وامتناعه بالإيلاء.

ولأنّه لو لم يكن حقّاً للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجتيه به، كالزيادة في النفقة على قدر الواجب...»[1]

وورد في الموسوعة الكويتيّة: «ذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب القسم بين الزوجات، وأوجبه المالكية والحنابلة. وقد اتّفق الفقهاء على أنّه يجب على الرجل إن كان له أكثر من زوجة أن يعدل في القسم بين زوجاته وأن يسوّي بينهن فيه، لأنّ ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله عزّ وجلّ بها... وليس مع عدم التسوية في القسم بين الزوجات معاشرة لهنّ بالمعروف... وقالوا: إنّ من كان له أكثر من زوجة فبات عند واحدة، لزمه المبيت عند من بقي منهنّ تسوية بينهنّ...

ونصّ الشافعيّة على أنّ الواجب على الزوج إذا كان له أكثر من زوجة هو العدل بينهنّ في القسم إن قسم، وله أن يعرض عنهنّ جميعاً إلا أنّه يستحبّ أن لا يعطّلهنّ...»[2]

أمّا من علماء الإماميّة فقد قال الشيخ في المبسوط: «إذا كان للرجل زوجات، فلا يجب عليه القسم ابتداءً، لكنّ الذي يجب عليه النفقة والكسوة والمهر والسكنى، فمتى تكفّل بهذه فلا يلزمه القسم، لأنّه حقّ له، فإذا أسقطه لا يجبر عليه ويجوز له تركه وأن يبيت في المساجد وعند أصدقائه.

فأمّا إن أراد أن يبتدئ بواحدة منهنّ فيجب عليه القسم، لأنّه ليس واحدة منهنّ أولى بالتقديم من الأُخرى، فعليه أن يقسم بينهنّ بالقرعة، فمن خرجت له القرعة قدّمها. هذا هو الأحوط، وقال قوم: يقدّم من شاء منهنّ.»[3]

لكنّ العلامة قال في المختلف: «المشهور: وجوب القسمة بين الأزواج، لأنّ‌ كلام الأصحاب يعطي ذلك.

وقال الشيخ في المبسوط: لا يجب عليه القسمة ابتداءً...

ونمنع أنّه حقّه المختصّ به بحيث يكون له تركه، فإنّه حقّ‌ مشترك، فللمرأة المطالبة بحقّها منه، والأخبار وردت مطلقة بالأمر بالقسمة.»[4]

ووجه انتساب القول بالوجوب الابتدائيّ لحقّ القسم إلى المشهور في كلامه هو أنّ المشهور قال بأنّ الرجل إذا كانت له زوجة واحدة، فعليه أن يبيت عندها ليلة من كلّ أربع ليال، وهذا لا يتناسب إلا مع الوجوب الابتدائيّ لحقّ القسم.

ولذلك فإنّ ابن حمزة الذي ذهب إلى عدم الوجوب الابتدائيّ، قال: «إنّما يلزم بالعقد... القسم إذا كانت له زوجتان أو أكثر، فإن تزوّج بأربع وكنّ حرائر، بات عند كلّ واحدة ليلة إذا قسّم.»[5]

ومراد العلامة من الأخبار موثّقة محمّد بن قيس عن الإمام الباقر(ع) التي ورد فيها: «قضى في رجل نكح أمة ثمّ وجد طولاً ـ يعني: استغناء ـ ولم يشته أن يطلّق الأمة نفس فيها، فقضى أنّ الحرّة تنكح على الأمة ولا تنكح الأمة على الحرّة إذا كانت الحرّة أوّلهما عنده، وإذا كانت الأمة عنده قبل نكاح الحرّة على الأمة، قسم للحرّة الثلثين من ماله ونفسه ـ يعني: نفقته ـ وللأمة الثلث من ماله ونفسه.»[6] [7]

فهو يتمسّك بأنّ لام الملكيّة في كلامه(ع) جعلت أموال الزوج ونفسه للزوجة ـ حرّة كانت أو أمة ـ في سبيل إثبات كون حقّ القسم حقّاً للزوجة لا الزوج ممّا ينتج عنه وجوب أداء هذا الحقّ على الزوج، ومقتضى ذلك هو الوجوب الابتدائيّ له كما هو الحال في النفقة.

ولكن الشهيد الثاني أورد على تمسّك العلامة بموثّقة محمّد بن قيس ما سنبيّنه في الجلسة القادمة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo