< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / التنازع في المهر / المراد من القَسم في الاصطلاح

قال المحقّق الحلّي: «النظر الثالث: في القسم والنشوز والشقاق

القول في القسم

والكلام فيه وفي لواحقه

أمّا الأوّل فنقول لكلّ واحد من الزوجين حقّ يجب على صاحبه القيام به فكما يجب على الزوج النفقة من الكسوة والمأكل والمشرب والإسكان فكذا يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع وتجنّب ما يتنفّر منه الزوج.

والقسمة بين الأزواج حقّ على الزوج، حرّاً كان أو عبداً، ولو كان عنّيناً أو خصيّاً. وكذا لو كان مجنوناً ويقسّم عنه الولي.

وقيل: لا تجب القسمة حتّى يبتدئ بها وهو أشبه.

ف‌من له زوجة واحدة ف‌لها ليلة من أربع وله ثلاث يضعها حيث شاء، وللاثنتين ليلتان وللثلاث ثلاث والفاضل له، ولو كان له أربع كان لكلّ واحدة ليلة بحيث لا يحلّ له الإخلال بالمبيت إلا مع العذر أو السفر أو إذنهنّ أو إذن بعضهنّ فيما تختصّ الآذنة به.»[1]

 

المراد من القَسم في الاصطلاح هو تقسيم الليالي بين الزوجات.

قال الشهيد الثاني: «القسم بفتح القاف مصدر قسمت الشيء أقسمه، وبالكسر: الحظّ والنصيب. ويقال: هو التقدير، ويمكن اعتبار القسم بين الزوجات منهما. وهو حقّ‌ واجب لمن يجب الإنفاق عليه من الزوجات.»[2]

وجاء في الموسوعة الكويتية: «القَسم... لغة: الفرز والتفريق، يقال: قسمتُ الشيء قسماً: فرزته أجزاء، والقِسم... الاسم ثمّ أطلق على الحصّة والنصيب، والقَسَم... اليمين.

وفي الاصطلاح قال الجرجاني: قسمة الزوج: بيتوتته بالتسوية بين النساء أو كما قال البُهوتي: هو توزيع الزمان على زوجاته إن كنّ ثنتين فأكثر.»[3]

وقيل في أسباب وجوب مراعاة الزوج لهذا الحقّ أُمور:

1 ـ لزوم المعاشرة بالمعروف

يجب على الرجل أن يعاشر زوجاته بالمعروف بناء على قوله تعالى ﴿وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[4]

قال مصطفى الرحيباني في إيضاح مفهوم «المعروف» في شرح غاية المنتهى: «العشرة بكسر العين المهملة في الأصل الاجتماع، فيقال لكلّ جماعة عشرة ومعشرة. والمراد هنا هو ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام ـ أي: الاجتماع ـ يلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكفّ الأذى، وأن لا يمطله بحقّه مع قدرته، ولا يتكرّه لبذله ـ أي ما عليه من حقّ الآخر ـ بل يبذله ببشر وطلاقة وجه، ولا يتبعه أذىً أو منّة، لأنّ هذا من المعروف المأمور به.»[5]

وقد اعتبر الفقهاء القسم من لوازم معاشرة الزوج زوجته بالمعروف.[6] [7]

ولكن يشكل هذه الدعوى بأنّ مبيت الزوج لدى الزوجة وإن كان من مصاديق المعاشرة بالمعروف إجمالاً غير أنّ كلمات الأصحاب تشتمل على شروط ليست دخيلة بالضرورة في صدق المعاشرة بالمعروف. بل إذا كان الدليل على لزوم القسم على الزوج هو مراعاة معاشرة الزوجة بالمعروف، فيمكن ادّعاء أنّ هذا لا يقتصر على المبيت عندها، بل قد يجب به على الزوج أن يقضي لديها شطراً من النهار أيضاً.

نعم، قال فخر المحقّقين في دفع هذا الإشكال: «ليس في كلّ الأوقات إجماعاً، فبقي أن يكون بحسب ما يقتضيه القسمة، إذ لا قائل بثالث»[8]

ولكنّ الاستدلال غير تامّ، فصحيح أنّ المعاشرة بالمعروف لا تعني بقاء الزوج عند زوجته دائماً وهذا لا يحتاج إلى التمسّك بالإجماع، ولكن لا يلزم منه أيضاً القول بوجوب المبيت لدى الزوجة، إذ ربّما تحقّقت المعاشرة بالمعروف بقضاء شطر من الليل أو شطر من النهار أيضاً، أمّا أن يقال بأنّه لعدم قول ثالث في المسألة فلا ينبغي دلالة الآية على ذلك، فهو مصادرة.

2 ـ التأسّي بسيرة النبيّ الأكرم(ص)

اعتبر الشهيد الثاني أنّ التأسّي بالسيرة النبويّة(ص) ممّا يدلّ على حقّ القسم، حيث وردت أخبار دالّة على أنّ النبيّ الأكرم(ص) قسّم لياليه بين زوجاته.

منها: ما رواه الطبرسي في تفسيره، قال: «روي عن جعفر الصادق(ع) عن آبائه‌: أنّ النبي(ص) كان‌ يقسم‌ بين‌ نسائه‌ في مرضه فيطاف به بينهنّ.»‌[9] [10]

ومنها: ما رواه الحاکم في المستدرك عن عائشة، قالت: «کان رسول الله(ص) يقسم فيعدل فيقول: اللهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك. قال إسماعيل القاضي: يعني القلب، وهذا في العدل بين نسائه.»[11]

ولكن يشكل هذا الاستدلال أيضاً بأنّ فعل النبيّ الأكرم(ص) أعمّ من الواجب ولا يمكن إيجاب التأسّي به(ص) في جميع أفعاله.

على أنّ المشهور بين العامّة والخاصّة ـ کما ادّعاه السيّد العاملي[12] ـ أنّه لم يجب عليه(ص) تقسيم الليالي بينهنّ.

3 ـ لزوم مراعاة العدل بين الزوجات

ومن الأدلة المذكورة لحقّ القسم هي مقتضى قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكـُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَ ثُلَاثَ وَ رُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً[13]

فيجب مراعاة العدل بين الزوجات وممّا ينبغي مراعاة العدل فيه هو المبيت عندهنّ.

ولكن يرد على الاستدلال بذلك أوّلاً: أنّه إذا أخذنا بإطلاق الآية الشريفة فعلى الزوج أن يراعي العدل في جميع الأوقات التي يقضيها عندهنّ، وهذا لا يختصّ بالمبيت، بينما الذي صرّح به الأصحاب في حقّ القسم ليس إلا المبيت.

وثانياً: ذهب الكثير من الأصحاب إلى ثبوت حقّ القسم في غير حالة تعدّد الزوجات أيضاً وهذه الآية لا تدلّ عليه في غير هذه الحالة.

وثالثاً: وردت أخبار في تفسير الآية الشريفة توضّح المراد منها ولم يرد فيها ذكر لحقّ القسم:

منها: حسنة نوح بن شعيب ومحمّد بن الحسن، قال: «سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له: أليس الله حكيماً؟ قال: بلى، وهو أحكم الحاكمين. قال: فأخبرني عن قوله عزّ وجلّ: «﴿فَانْكـِحُوا مَا طَابَ لَكـُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَ ثُلَاثَ وَ رُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾»[14] ، أليس هذا فرضاً؟ قال: بلى. قال: فأخبرني عن قوله عزّ وجلّ: ﴿و َلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾[15] أيّ حكيم يتكلّم بهذا؟ فلم يكن عنده جواب. فرحل إلى المدينة إلى أبي عبدالله(ع)، فقال: يا هشام! في غير وقت حجّ ولا عمرة؟ قال: نعم، جعلت فداك! لأمر أهمّني. إنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شي‌ء. قال: وما هي؟ قال: فأخبره بالقصّة فقال له أبو عبدالله(ع): أمّا قوله عزّ وجلّ: «﴿فَانْكـِحُوا مَا طَابَ لَكـُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَ ثُلَاثَ وَ رُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾» يعني في النفقة، وأمّا قوله: ﴿و َلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ يعني في المودّة. قال: فلمّا قدم عليه هشام بهذا الجواب وأخبره قال: والله ما هذا من عندك‌.»[16] [17]

فما ورد في هذه الرواية من تفسير الآية هو أنّ مراعاة العدالة بين الزوجات واجبة من حيث النفقة فقط وليس فيها ذكر لحقّ القسم، وتؤيّده الأخبار التي سيأتي ذكرها في خصوص جواز تفضيل بعض الزوجات علی بعضهنّ إذا قلّ عددهنّ عن الأربعة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo