< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / التنازع في المهر / بيان الشهدين في النکاح الثاني

بينّنا في الجلسة السابقة وجه كلام الشهيد الأوّل في القسم الأوّل منه.

ولكنّ الذي احتمله الشهيد في ذيل كلامه مستند إلى أنّه يلزم من حكم الحاكم بتأسيسيّة النكاح الثاني حصول الفراق بعد النكاح الأوّل وأن تكون أسباب الفراق بحيث يؤدّي وقوع بعضها إلى عدم ثبوت أيّ مهر للمرأة، فلا ملازمة إذن بين إثبات تأسيسيّة النكاح الثاني وبين إثبات المهر للزوجة بالنكاح الأوّل، والأمر الوحيد الثابت هو مهر واحد بالنكاح الثاني.

قال الشهيد الثاني في هذه المسألة: «الذي يلزمه بالعقدين فيه أوجه:

أحدها: وهو الذي اختاره المصنّف أنّه يجب عليه مهران، لأن كلّ‌ عقد سبب تامّ‌ في وجوب المهر والأصل استمراره. ولأنّه لا ينتصف إلا بالطلاق. وفي سماع دعواه فيه نظر، لأنّها منافية للدعوى الأُولى لو صرّح بها.

وثانيها: أنّه مهر ونصف... لأنّ الفرقة متحقّقة ليصحّ‌ فرض العقد الثاني، والوطء غير معلوم، والأصل عدمه.

وثالثها: لزوم مهر واحد، لأنّ من أسباب الفرقة ما لا يوجب مهراً ولا نصفه، كردّتها، وإسلامها، وفسخه بعيبها قبل الدخول، وفسخها بعيب غير العنّة قبله. ويمكن فرضه أيضاً بالطلاق في الأوّل قبل الدخول وفي الثاني كذلك.

والأقوى وجوب المهرين، لأصالة بقائهما في ذمّته إلى أن يحصل المزيل، وهو غير معلوم. ومجرّد الفرقة أعمّ‌ من كونها مسقطة وعدمه، إلا أن يدّعي عدم الإصابة في الأوّل والطلاق، فيلزمه مهر ونصف، أو يدّعي الطلاق في الثاني أيضاً قبل الدخول فمهر واحد يجتمع منهما، أو يدّعي الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم المهر مع إمكانه فيجب المهر الثاني خاصّة، أو يدّعي الطلاق قبل الدخول في الثاني فنصفه لا غير.

لكن يشكل قبول دعواه الفسخ بالعيب، لأصالة عدمه. ويظهر من الشهيد في شرح الإرشاد قبوله، محتجّاً بأنّ تجويزه ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني.

وهذا بخلاف دعوى الطلاق، فإنّه بفعله، ويرجع فيه إليه. وأمّا الدخول فالأصل عدمه، كما أنّ الأصل استصحاب المهر كملاً إلى أن يدّعي المزيل، فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى. وهذا كما يقال: إنّ المستودع بعد ثبوت الإيداع مطالب بها ومحبوس عليها مادام ساكتاً، فإن ادّعى تلفاً أو ردّاً صدّق بيمينه وانقطعت الطلبة.»[1]

ولكنّ الحقّ في المسألة ما ذهب إليه الشهيد الأوّل، لأنّ ما حكم به القاضي هو كون النكاح الثاني تأسيسيّاً، وإذا كان لحكمه لوازم فتثبت هي الأُخرى أيضاً، ولا يثبت بهذا الحكم ما ليس ملازماً لتأسيسيّة النكاح الثاني، وبما أنّ المفروض أنّ وقوع الفراق بين النكاحين أيضاً من لوازم حكم الحاكم بتأسيسيّة النكاح الثاني، فلا ملازمة إذن بين تأسيسيّة النكاح الثاني وبين ثبوت المهر للنكاح الأوّل، إذ على الرغم من وجود المقتضي لمهر فيه ولكن ثبت وجود المانع أيضاً ـ أي الفراق قبل الدخول ـ وبما أنّه لا يُعلم هل كان المانع بحيث يسبّب سقوط نصف المهر أو كلّه، فلا ملازمة بين تأسيسيّة النكاح الثاني وثبوت المهر بالنكاح الأوّل.

لا يقال: إنّ وجود المقتضي لثبوت المهر في النكاح الأوّل متّفق عليه من قبل الزوجين ومحلّ خلافهما وجود المقتضي في النكاح الثاني لثبوت المهر، ويثبت بحكم الحاكم وجود المقتضي لثبوت المهر في النكاح الثاني أيضاً. إذن مع وجود مقتضيين للمهر أحدهما متّفق عليه والآخر ثابت بحكم الحاكم، فلا وجه للقول بثبوت مهر واحد.

لأنّ الجواب أنّ محلّ الكلام فيما نحن فيه هو لوازم حكم الحاكم، بمعنى أنّه هل يجوز للحاكم أن يرتّب على حكمه بتأسيسيّة النكاح الثاني حكماً آخر بوجوب دفع مهرين على الزوج أم لا؟

وبعبارة أُخرى: فبمجرّد تنازع الزوجين في تأسيسيّة النكاح الثاني أو تأكيديّته وحكم الحاكم بكونه تأسيسيّاً، فهذا لا يسبّب إمكان حكم الحاكم بثبوت مهرين أيضاً، بل غاية ما يثبت بهذا الحكم مهر واحد. نعم، اذا ادّعت الزوجة عدم وقوع فراق يسبّب تنصيف المهر أو هدمه بعد النكاح الأوّل، فقولها مقبول من دون يمين، لأنّ دعوى الزوج من كون النكاح الثاني تأكيديّاً متضمّن للإقرار بعدم الفراق بعد النكاح الأوّل، وفي هذه الحالة يلزم من حكم الحاكم بتأسيسيّة النكاح الثاني ثبوت مهرين على عهدة الزوج.

وأمّا إذا ادّعت الزوجة عدم الدخول فيما بين النكاحين وحكم الحاكم طبقاً لدعواها، ففي هذه الحالة لا تستحقّ الزوجة أكثر من مهر واحد ونصفاً، إذ يلزم من الحكم بتأسيسيّة النكاح الثاني والحكم بعدم وقوع الوطء في الفترة الفاصلة بين النكاحين، حصول الفراق بعد النكاح الأوّل من دون تحقّق وطء، وفي صورة إنكار الزوجة لحصول فراقٍ موجبٍ لهدم المهر بعد النكاح الأوّل، يستلزم ذلك أن يكون الفراق الموجِب لتنصيف المهر واقعاً.

وإذا ادّعى الزوج بعد حكم الحاكم بتأسيسيّة النكاح الثاني أنّ الزوجة لا تغرم أكثر من مهر واحد وادّعت الزوجة مهرين أو مهراً ونصفاً، فيقدّم قول الزوجة في هذه الصورة، إذ ثبت وجود المقتضي لثبوت المهرين بحكم الحاكم في النزاع الأوّل، وكلّ من ادّعى وجود المانع للحؤول دون تأثير المقتضي، فعليه إقامة البيّنة على دعواه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo