< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / التنازع في المهر / ملاک تعيين المدعي و المنکر

 

قلنا في الجلسة السابقة: إنّ المورد إن كان من موارد النزاع، وكان الأصل مطابقاً لقول أحد الطرفين والظاهر مطابقاً للآخر، فللمسألة تفصيل آخر وهو أنّه في موارد النزاع قد يكون لظاهر الحال مدخليّة في تعيين المدّعي والمنكر.

فأقول: قد ورد في ملاك تعيين المدّعي والمنكر في كتاب القضاء ملاكات عديدة.

قال السيد الوالد (ره) في هذا السياق: «عرّف المدّعي بتعاريف متعدّدة، وهي:

١ ـ هو الذي لو ترك الخصومة والنزاع تُرك وحاله وخُلّي و نفسه. وبعبارة أُخرى: إنّه الذي لو سكت ولم يخاصم، سُكت عنه ولم يخاصم ولم يتوجّه إليه كلام ولم يطالب بشيء. وليس من هذا التعريف أثر في كلمات القدماء و إن نسب إلى المشهور...

٢ ـ هو الذي يدّعي خلاف الأصل. والمراد منه أعمّ‌ من الأصل العملي والأمارات المعتبرة كاليد ونحوها.

وبعبارة أُخرى: المراد منه هو القاعدة الثابتة شرعاً اللازم أخذها لولا ثبوت خلافها، سواء كان الأصل العدم أو غيره، لا خصوص أصل العدم والاستصحاب، فيكون مدّعي ملكيّة عين في يد غيره مدّعياً. وعلى ذلك فلا وجه للإيراد عليه بأنّ‌ المراد إن كان هو مخالفة كلّ‌ أصالة بالنسبة إلى تلك الدعوى فهو باطل، لأنّه يمكن أن تكون الدعوى موافقة لأصالة من الأصالات كأصالة العدم، كما يمكن أن تكون مخالفة لأصالة أُخرى كأصالة الصحّة؛ ومثاله: إذا كان المال أمانة بيد شخص ثمّ‌ يدّعي انتقال ملكيّته إليه وكون يده عليها بقاء يد المالكيّة حينما يدّعي شخص آخر الملكيّة على ذلك المال نفسه أيضاً.

وأمّا لو كان المراد بذلك هو مخالفة بعض الأُصول، فالمنكر هو الآخر، فيكون كلام كلّ‌ منهما موافقاً لبعض الأُصول ومخالفاً لبعض آخر.

ثمّ‌ لا يخفى أنّه بالمعنى الذي ذكرناه للأصل، تساوق هذان المعنيان.

٣ ـ هو الذي يذكر أمراً خفيّاً بحسب الظاهر، أي خلاف الظاهر بحسب المتعارف والمعتاد.

وأُورد عليه: أنّ‌ الخفاء أمر مبهم ذو مراتب يحصل بأمارات جزئيّة مختلفة بالنسبة إلى الأشخاص كالعدالة والأمانة وسائر القرائن، فيلزم أن يكون شخص واحد في دعوىً‌ واحدة مدّعياً عند حاكم يعرف ديانة المدّعى عليه ومنكراً عند آخر لا يعرفها، ويستبعد وضع لفظ المدّعي والمنكر لمثل ذلك.

ثمّ‌ إنّ‌ المدّعي على هذا القول قد يفارق المعنيين الأوّلين، كما في مثال إسلام الزوجين إذا ادّعى أحدهما التقارن والآخر التعاقب، إذ الأصل التعاقب لأصالة تأخّر إسلام كلّ‌ منهما إلى آخر ما يمكن التأخير إليه، وخلاف الظاهر هو العلم بالتقارن. والتقارن يوجب بقاء النكاح والتعاقب يوجب الانفساخ.

٤ ـ وربما يجمع بين الثاني والثالث ويقال: هو الذي يدّعي خلاف الأصل أو الظاهر، وما ورد على الثاني والثالث يرد على هذا أيضاً، مضافاً إلى إمكان المنافاة بين الأصل والظاهر كما مرّ.

٥ ـ المدّعي من يكون في مقام إثبات قضيّة على غيره...

٦ ـ المدّعي من يطلب منه البيّنة بخلاف المنكر.

ويرد عليه أنّه دوريّ،‌ إذ الكلام في تعيين المدّعي حتّى يطلب منه البيّنة، مع أنّه قد يصدق عليه المدّعي ولا يطلب منه البيّنة، بل يقدّم قوله للدليل، كما في الودعيّ‌ إذا ادّعى الردّ أو التلف، وقد يطلب منه الحلف كما في اليمين المردودة واليمين مع الشاهد الواحد، فتأمّل.

٧ ـ إنّ‌ التعاريف المذكورة عند الأصحاب ليست تعاريف حقيقيّة، بل ذكروها لإرادة التمييز في الجملة...

أقول: الأولى أن يقال: لو كان تعريف المدّعي والمنكر هو التعريف من باب الحقيقة الشرعيّة أو من باب ما عند المتشرّعة في عرفهم الخاصّ‌، لكان اللازم أن نعرّفهما أوّلاً ثمّ‌ نناقش بعد ذلك من حيث كون التعريف جامعاً مانعاً، أو عدم كونه كذلك.

وحيث إنّ‌ الأمر ليس كذلك ـ لأنّهما مستعملان في الأحاديث وكلمات الفقهاء بحسب معناهما العرفي ـ إذن فالمرجع في معرفة معناهما هو العرف، سواء صدقت عليهما هذه التعاريف أم لم تصدق...

نعم، لو شكّ‌ في تشخيص المدّعي والمنكر ووقع الاشتباه بينهما، حينئذٍ يصار إلى العمل بالاحتياط في مراعاة حصول البيّنة في الطرفين.

وأمّا مع تعارض البيّنتين، فعندها تلتمس المرجّحات، وإلا فالعمل بالقرعة أو التحالف على ما يأتي في باب تعارض البيّنتين.

وبالجملة إنّ‌ المدّعي والمنكر مفهومان عرفيّان ولا تختصّان بالإسلام وأهله، بل العقلاء كلّهم في أُمور القضاء يميّزون المدّعي من المنكر من دون لزوم الأخذ بالتعاريف.»[1]

والحقّ في المسألة ما ذهب إليه، حيث لم يرد في الأدلّة ملاك شرعيّ لتعيين المدّعي والمنكر والملاك بيد العرف، والاختلاف المشهود في تعابير الأصحاب فإنّه في الواقع اختلاف في بيان الملاك العرفيّ لتعيين المدّعي.

فيكون البحث في المقام في أنّه حال موافقة ظاهر الحال والأصل في طرفي الشكوى، فالمدّعي عند العرف هل هو الذي ادّعى خلاف ظاهر الحال، أم من ادّعى خلاف الأصل؟

ولا يبعد أن يقال: إنّ العرف يرى أنّ ظاهر الحال في تعيين المدّعي مقدّم على الأصل، بمعنى أنّه لو وجد ظنّ نوعيّ بصحّة قول أحد طرفي الشكوى بحيث لا يعتنى نوعاً باحتمال خلافه، فالذي يكون في الطرف المقابل له فهو المدّعي عرفاً ولو كان قوله مطابقاً للأصل.

هذا فيما إذا كان المراد من الأصل أحد الأُصول العمليّة.

وأمّا إذا كان قول أحد الطرفين مطابقاً لظاهر الحال وقول الآخر مطابقاً لأمارة شرعيّة ـ كما لو ادّعى أحدهما ملكيّة مال وطابق قوله ظاهر الحال أيضاً، بينما كان للطرف الآخر أمارة على ملكيّته ـ ففي هذه الصورة إذا كانت الأمارة المذكورة ممّا لا يشترط في الأخذ به وجود ظاهر حال وفقه ـ كالبيّنة ـ فحجّيّتها باقية ويكون المدّعي عرفاً من ادّعى خلافه وعليه أن يثبت مدّعاه.

وأمّا إذا كانت الأمارة ممّا يشترط في الأخذ به وجود ظاهر حال ـ مثل قاعدتي اليد أو السوق ـ فمع وجود ظاهر الحال على خلافه لصالح الطرف المقابل، فإنّه يسقط عن الاعتبار، وعليه يكون المدّعي عرفاً من خالف قوله ظاهر الحال.

لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ ما ذكرناه فهو في بيان الملاك العرفيّ لتعيين المدّعي في النزاع، فلا يمكن ادّعاء أنّ العرف في جميع الموارد يلاحظ في تعيين المدّعي هذا الملاك، بل قد يورد الشكّ والشبهة على صدق المدّعي على أساس هذا الملاك في بعض الموارد، أو تكون خصائص المورد بحيث يعتبر العرف ـ وخلافاً لهذا الملاك وعلى أساس ملاكات أُخرى ـ أنّ الطرف الآخر للنزاع هو المدّعي أو يعتبرهما مدّعيين معاً، حيث ينبغي الاحتياط في المسألة في الصورة الأُولى وينبغي في الصورة الثانية اتّباع حكم العرف من اعتبار الطرف الآخر مدّعياً أو إجراء قواعد التداعي.

وبعبارة أُخرى: فإنّ ما تقدّم إنّما كان من باب تقدّم الظاهر على الأصل فيما إذا كان الملاك العرفيّ لتعيين المدّعي والمنكر هذين الأمرين فقط ولم يكن لشيء آخر دخل في الملاك العرفي لتعيين المدّعي والمنكر.

كما قد يكون أصل وجود ظاهر الحال محلّ نزاع في بعض الموارد وهو خارج عن بحثنا، لأنّ ما تقدّم إلى الآن هو في فرض ثبوت ظاهر الحال ومع الشكّ فيه فيجري أصل العدم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo