< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / التنازع في المهر / كفاية وجود ظنّ نوعي لإعتبار ظواهر الحال

 

تناولنا في الجلسة الماضية بيان مقدّمتين للبحث ممّا كان ينبغي التذكير به.

3 ـ بعض الأدلّة الشرعيّة تدلّ على حجيّة ظواهر الحال، مثل قاعدة اليد أو قاعدة السوق اللتين تستندان إلى ظاهر الحال وهما معتبرتان عند الشارع، ولا إشكال في هذه الموارد في تقديم ظاهر الحال على الأصل، إلا أن تكون الظروف بحيث يزول الظهور، مثل أن يُتّهم الشخص الذي تجري فيه قاعدة اليد، أو أن يكون المتاجرون في السوق نوعاً ممّن لا يبالي بإحراز شرائط المبيع الشرعيّة. أمّا إذا لم يكن كذلك، فالقواعد المذكورة مقدّمة على الأصل ولو لم يحصل للمكلّف ظنّ شخصي بمفادها، أو حصل له ظنّ شخصي بخلاف مفادها، إذ لم يؤخذ في دليل اعتبارها شرعاً وجود ظنّ شخصيّ بمفادها أو عدم ظنّ شخصيّ بخلافها.

وبعبارة أُخرى فالمستفاد من أدلّة حجّيّة هذه القواعد هو كفاية وجود ظنّ نوعي لاعتبارها.

ومن خلال هذه الأُمور الثلاثة يتّضح إشكال كلام الميرزا القمّي، فقد ذكر في مسألة تقديم الظاهر على الأصل: «الإشكال والاختلاف في تقديم الظاهر على الأصل إنّما يصحّ إذا كان الظاهر أيضاً ممّا يجوز الاعتماد به شرعاً، وإلا فلا معنى لمعارضة الدليل الشرعي بغير الدليل الشرعي.

وينبغي أن يعلم أنّ تقديم الظاهر على الأصل من غير اعتضاده بدليل شرعي ـ كالفروض المتقدّمة ـ موجودة في الفقه، والظاهر أنّه أيضاً اتّفاقي في الجملة. فلابدّ من تحقيق معنى الظاهر ليكون قاعدة كلّيّة يمكن متابعة مقتضاها حين تعارضها مع الأصل.

والذي يحصل من التتبع في الفقه أنّ القاعدة فيه ما حصل الظنّ بوجود السبب للحكم الشرعي، فيحصل الظنّ بحصول المسبّب.

وذلك الظنّ إمّا يحصل به سبب كون فعل المسلم محمولاً على الصحة ـ يعني: ليس بمعصية ـ أو كون الغالب في أفعالهم ومعاملاتهم أو معاملات غالب الناس ـ وإن لم يكونوا مسلمين ـ هو ذلك، أو غلبة الظنّ من جهة القرائن.

فمن الأوّل: ما لو وقع النزاع في ثمن المبيع أنّه كان خمراً أو عصيراً.

ومن الثاني: النزاع في وقوع المعاملة حال الصغر أو الكبر أو الجنون أو العقل.

ومن الثالث: حضور المشتري حين الكيل والوزن، فإنّه يدلّ على التمام، فيقدّم قول البائع عليه إذا اختلفا في الزيادة والنقيصة؛ وهكذا.

ولا يخفى على من تتبّع الفقه أنّ جعلهم «الغلبة» معياراً في الظهور وتقديم ذلك على الأصل، فوق حدّ الاحصاء. ويظهر من تتبّع الأخبار وكلام الاصحاب أنّ المعيار فيه حصول الظنّ بوقوع سبب الحكم المخالف للأصل؛ فتتبّع ولاحظ الأخبار الواردة في مسألة تداعي الزوجين في متاع البيت، ومسألة غسالة الحمام، وحكمهم بلزوم الصلاة على ميّت وجد في دار الإسلام ـ لأنّ الغالب فيها الإسلام ـ وكذلك استحباب التسليم على مجهول الحال فيها وردّ السلام على طريقة الإسلام.»[1]

وجه الإشكال الوارد على كلامه أنّه اعتبر تقديم الظاهر على الأصل أو عكسه من باب تقديم أحد المتعارضين على الآخر، ولذلك قال: ما لم يكن دليل لحجّية الظاهر، فلا معنى للبحث في أنّه هل يقدّم الأصل أم الظاهر، لأنّ التعارض فرع لحجّية كلّ من الدليلين في حدّ نفسه. وعلى هذا المبنى فإنّه ذهب إلى أنّ المراد من وجود ظاهر الحال هو المورد الذي يوجد فيه ظنّ بوقوع سبب الحكم الشرعي المخالف للأصل، وذكر له أمثلة ممّا تقدّم في كلماته.

وفيه أوّلاً: أنّ تقديم الظاهر على الأصل هو من باب الحكومة أو الورود لا التعارض.

وثانياً: إذا كان المراد من الظاهر هو وجود ظنّ بوقوع سبب الحكم الشرعيّ، فيجب القول بوجود المسبّب في كلّ ما كان فيه مثل هذا الظنّ وإجراء الأصل. بينما نجد أنّ الأصحاب قالوا في كثير من الموارد بتقديم الأصل على الظاهر على الرغم من الاعتراف بوجود ظاهر حال على خلاف الأصل ولم يذعنوا بوجود المسبّب، كما إذا شكّ في التطهير بعد البول وإن کان من عادته التطهير.

وثالثاً: علی هذا المعنى من ظاهر الحال، فالمعتبر هو الظنّ الشخصي لا النوعي، بل لا يكون على هذا الأساس فرق بين الظنّ الشخصي وظاهر الحال، وقد تكون هذه الدعوى هي التي سبّبت تصوّر أنّ اعتبار ظاهر الحال وتقديمه على الأصل مبنيّ على القول بحجّيّة مطلق الظنّ الذي يقول به الميرزا القمّي، بينما المعتبر في ظاهر الحال هو الظنّ النوعي لا الشخصي كما تقدّم.

بل هناك أمثلة في كلام الميرزا القمّي نفسه ممّا ينقض القاعدة التي بيّنها للمسألة؛ فمثلا الميّت الذي يعثر عليه في دار الإسلام ولم يُعلم هل أنّه مسلم أم لا، فيجب تجهيزه، وأمّا ردّ السلام على من يسلّم علينا في دار الإسلام ولا يُعلم هل أنّه مسلم أو لا، فهو مستحبّ، بينما مستند الاثنين واحد حسب كلام الميرزا القمّي وهو الظنّ بالحكم بواسطة الظنّ بوجود سببه لوجود الغلبة، فإذن ـ وحسب القاعدة التي تقدّمت منه ـ ينبغي أن لا يتّجه التفريق بين الحكمين، فيُعلم أنّ وجوب تجهيز الميّت في المثال المتقدم ليس من باب الغلبة الموجبة لحصول الظنّ بسبب الحكم، وإنّما هو من باب ورود دليل خاصّ فيه والذي قلنا: إنّ هذه الموارد خارجة عن بحثنا.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo