< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / احکام المهر / لوأدّى المهر تبرّعاً

 

بحثنا في الجلسة السابقة بعض فروض المسألة.

وآخرها أنّ المهر إذا كان عيناً من أموال أبي الزوج ولكنّه تلف واشتغلت ذمّة الأب بدفع بدله، فقد يتوهّم ـ بناءً على اعتبار تعيين العين مهراً للزوجة في حكم هبتها للزوج كما قاله الشيخ والعلامة ـ أنّ هذه المسألة مثلما لو سلّم الزوج عين المهر للزوجة ثمّ أتلفها شخص ثالث والعين في يد الزوجة، حيث إذا طلّق الزوج زوجته قبل الدخول بها اشتغلت ذمّة الزوجة بمقدار نصف المهر بحقّ الزوج، وإن كانت ذمّة المُتلف أيضاً مشتغلة بحقّ الزوجة.

ولكن يشكل ذلك بأنّ فرضنا هو ما لو تلف المهر قبل تسليم الأب إيّاه للزوجة، فلا يمكن اعتباره مثل ما لو تلف المهر بعد تسليمه للزوجة بيدها من قبل شخص ثالث.

إذن ينبغي أن نقول في هذه المسألة: حيث يکون ضمان تلف المهر قبل تسليمه للزوجة على عهدة الزوج ـ سواءً أتلفه هو أو وليّه أو وكيله أو ظالم ـ والفرض أنّ المال بتعيينه من قبل الأب يكون في حكم مال وهبه الأب للإبن فقبضه، فإنّ تلف المال يسبّب اشتغال ذمّة الزوج بالزوجة بمقدار بدل المهر، وكذا ذمّة الأب بالزوج بعوض المال التالف. والحاصل أنّه لو تحقّق الطلاق قبل الدخول فإنّ الزوجة تملك ذمّة الزوج بمقدار بدل نصف المهر والزوج يملك ذمّة أبيه بمقدار بدل كامل المهر.

والمسألة في الواقع هي مثلما لو كان المهر عيناً من أموال الصغير ولكن أتلفه وليّه حين كان في يده وقبل أن يسلّمه للزوجة.

وأمّا إذا قلنا ـ كالشهيد الثاني ـ بأنّ المهر يدخل من ملك أبي الزوج إلى ملكيّة الزوجة مباشرة ويدخل بعد الطلاق قبل الدخول نصفه في ملك الزوج قهراً بالطلاق، فيجب في هذا الفرض أن نقول: إنّ تلف عين المهر في يد الأب قبل تسليمه للزوجة يسبّب شغل ذمّته بالزوجة ببدل العين، وبعد وقوع الطلاق يملك الزوج نصفها، أي أنّ ذمّة الأب تشتغل له بمقدار بدل نصف المهر.

ولكن بناءً على ما أسلفنا فإنّ الزوج لا يملك شيئاً بالطلاق في هذا الفرض أيضاً.

قال المحقّق الحلّي: «فرع: لو أدّى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرّعاً ثمّ طلّق الولد، رجع الولد بنصف المهر ولم يكن للوالد انتزاعه، لعين ما ذكرناه في الصغير، وفي المسألتين تردّد.»[1]

الفرض في هذه المسألة كسابقتها والفرق بينهما أنّ الفرض هنا عدم وجوب دفع المهر ابتداءً على من دفعه وإنّما وجب ذلك على الزوج وأنّ الذي دفعه فقد أبرأ ذمّة الزوج. وعلى الرغم من أنّ المحقّق افترض في المسألة أن يكون الأب هو الذي دفع المهر عن ولده ولكن لا فرق بين الأب والأجنبيّ في المسألة.

واعتبر المحقّق حكم المسألة كالفرض السابق وإن تردّد في النهاية في الحكم المذكور في كلا المسألتين.

أمّا العلامة في القواعد فظاهر كلامه أنّه لم يتردّد في حكم المسألة إلا في هذا الفرض، لأنّه قال: «وكذا لو دفع عن الكبير تبرّعاً أو عن الأجنبيّ‌ على إشكال.»[2]

بل قوّى في التحرير رجوع المهر إلى من دفعه في هذا الفرض، وقال: «لو أدّى الأب عن ولده الكبير المهر تبرّعاً أو أجنبيّ‌ كذلك، برئ الولد. فإن طلّق رجع إليه النصف ولم يكن للأب انتزاعه ولا للأجنبيّ. مع احتمال ثبوته لهما، لأنّ‌ الكبير لا يملك إلا باختياره وإنّما أسقط عنه الحقّ‌، فإذا سقط نصفه رجع النصف إلى الدافع؛ وفيه قوّة.»[3] على الرغم من أنّه أفتى في التذكرة[4] والإرشاد[5] بملكيّة الزوج لنصف المهر في هذا الفرض كسابقه.

فحقيقة ما يقوله العلامة بالنسبة إلى الكبير هو أنّ الكبير لا ولاية عليه من قبل من دفع المهر على خلاف الصغير، فلا يمكن اعتبار دفع المهر في حكم الهبة للزوج وإخراج الموهوب من ملكه وإعطائه للزوجة مهراً، بل لم يحصل هنا سوی إبراء ذمّة الزوج بذلك. إذن عندما تفسخ ملكيّة الزوجة لنصف المهر بالطلاق تعود ملكيّة المالك السابق، أي معطي المهر.

وهذا يؤيّد ما ذكرناه في المسألة السابقة من أنّ الطلاق قبل الدخول ليس مملّكاً قهريّاً لنصف المهر وإنّما يوجب فسخ ملكيّة الزوجة للزائد على نصف المهر ممّا يقتضي عود ملكيّة المالك السابق له.

ولكنّ الاستدلال الذي أقامه لرجوع نصف المهر للدافع فيمكن نقضه بالموارد التي يتمّ فيها إبراء ذمّة الكبير بإذنه. كما أنّه إذا اعتبرنا مبنى رجوع المهر للزوج أنّ المهر قبل الدخول إلى ملكها دخل إلى ملك الزوج بالهبة، ففي هذه الحالة إذا كان الدافع أجنبيّاً فيمكن القول بأنّ الدافع يحقّ له الرجوع إلى الأجنبيّ لاسترجاعه، إذ لا مانع من الرجوع عن الهبة في غير ذي رحم.

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ خروج المال من ملك الموهوب له تصرّف يسبّب زوال حقّ رجوع الواهب إلى الهبة وإن عاد المال إلى ملك الموهوب له عن طريق آخر ولو بفسخ تمليكه السابق.

وسنطرح تكملة المسألة في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[4] ـ التذکرة، ج23، ص404.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo