< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / احکام المهر / ضمان المهر في مقابل العوض

 

إنّ الفرع الثالث المتقدّم في كلمات صاحب الجواهر لا وجه فيه للتأمّل فيما إذا كان المهر عيناً ومن مال الأب ثمّ جعله الأب مهراً، لأنّ حكم الأب هنا لا يكون أقلّ من حكم الأجنبيّ الذي جعل عيناً مهراً، ولزوم دفع العين للزوجة ليس من باب أخبار خاصّة وإنّما من حيث تعهّد الأب بدفعه مهراً.

أمّا الفرع التالي الذي قد يطرح في المسألة هو أنّه لو قال الأب على الرغم من فقر الصغير: «أنا أدفع مهر الزوجة، ولكن سآخذ عوضه من الصغير لاحقاً» وبعبارة أُخرى إذا جعل ضمانه للمهر مقابل العوض لا مجّاناً، فهل يجوز هذا النحو من الضمان أم أنّه يخالف الأخبار؟

مقتضى التحقيق في المسألة جوازه، إذ تقدّم سابقاً أنّ للأب أن يشترط عدم الضمان على الرغم من فقر الصغير، وأنّ الذي تقدّم في الأخبار من أنّ الأب سواء ضمن دفع المهر أم لا فهو ضامن حال فقر الصغير، فهو ـ كما تقدّم عن العلامة في التذكرة ـ لا يشمل ما إذا شرط الأب عدم الضمان أو جعل ضمانه مقابل عوض.

ولكن إذا لم يكن للصغير مال وأقرضه الأب ليدفع به المهر، فهل يسبّب ذلك سقوط ضمان الأب وجواز استرجاع الأب ماله من الصغير؟

والجواب أنّ الاستقراض إن كان من مصلحة الصغير، جاز فعل الأب ولم يضمن، وإلا فقد أقدم على ما هو خارج عن دائرة ولايته ولم يصحّ استقراض الصغير، فيضمن الأب.

وبالنظر إلى ما تقدّم، يُعلم أنّ الصغير إذا لم يكن فقيراً ودفع الأب المهر عنه بنيّة الرجوع إليه، كان له أن يرجع عليه بشرط أن يكون ذلك من مصلحة الصغير كما قاله العلامة أيضاً في التذكرة: «كلّ صورة لا يضمن الأب فيها ـ كالمؤسر ـ لو أدّى المهر تبرّعاً، لم يرجع؛ وكذا الأجنبي... ولو ضمن صريحاً تعلّق المهر بذمّته عندنا... فلو غرم رجع إن كان قَصَد الرجوع، لأنّ قصد الرجوع هنا يجري مجرى إذن المضمون عنه في الضمان. فإذا ضمن على قصد الرجوع وغرم علی قصد الرجوع، رجع قطعاً... وإلا فعلى الخلاف المذكور في الضمان بغير الإذن والأداء بغير الإذن...»[1]

وما ذكره في خصوص عدم جواز الرجوع في صورة التبرّع بدفع المهر مع عدم قصد الرجوع، فهو مبنيّ على قاعدة الإقدام، كما أنّه لو ضمن الأب المهر في ضمن العقد، لم يحقّ له الرجوع عنه، ومستنده عموم «المؤمنون عند شروطهم».

وأمّا جواز الرجوع فيما إذا دفع الأب المهر بنيّة الرجوع، فليس لكون القصد بحكم الإذن في الضمان، وإلا كان ينبغي الالتزام بذلك في أداء الأجنبيّ أيضاً وهو باطل، وإنّما هو لكون الفعل صادراً عن الأب من باب ولايته، وأنّ رضاه بالرجوع على الصغير بعد دفع المهر هو بمنزلة رضا الصغير بذلك.

هذا؛ ولكنّ العلامة قال بعد ذلك: «الحقّ عندنا أنّه لا يرجع، لأنّه أداء مال وجب عليه بالشرع»[2] واستظهر منه صاحب الجواهر أنّ العلامة فصّل بين الرجوع فيما إذا كان الضمان بنيّة الرجوع وبين ما إذا كان الأداء بنيّة الرجوع، والأوّل جائز على خلاف الثاني، ثمّ أشكل عليه بأنّه لا فرق بينهما[3] .

ولكنّ العلامة لم يفرّق بينهما، ومن هنا تقدّم في كلامه الأوّل: «فلو غرم رجع إن كان قصد الرجوع»، بل ظاهر كلامه الثاني هو ما إذا كان الضمان الشرعيّ على عهدة الأب ـ أي كان الصغير فقيراً ـ حيث قال فيه: ليس للأب أن يرجع على الصغير بعد الأداء حتّى لو قصد الرجوع، لأنّ هذا الضمان مجعول على عهدته قهراً من قبل الشارع، مع أنّه تقدّم إشكال إطلاق هذه الدعوى حيث قلنا: إنّ الأب لو شرط كون ضمانه في مقابل عوض، فالشرط نافذ، كما أنّه لو شرط عدم ضمانه، فالشرط صحيح ونافذ أيضاً على رأي العلامة نفسه.

أمّا المسألة التالية فهي في لحوق الجدّ بالأب في هذه المسألة وقد ألحقه العلامة في القواعد بالأب[4] ، بينما أشكل كاشف اللثام في ذلك[5] .

قال صاحب الجواهر في هذا الشأن: «لا يخفى أنّ مورد النصوص الأب، وفي التعدّي إلى الجدّ وإن علا وجهان، من كونه أباً حقيقة، بل ولايته أقوى من ولاية الأب في بعض المواضع، ومن مخالفة الحكم للأُصول، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقّن، خصوصاً والمنساق منه هنا الأب، بل في المسالك منع كونه أباً حقيقة ولذا يصحّ سلبه عنه، ومطلق الاستعمال أعمّ من الحقيقة، وإن كان فيه ما فيه.»[6]

والحقّ في المسألة ما ذهب إليه صاحب الجواهر وقد تقدّم تفصيل دليل إلحاق الأب بالجدّ في البحث عن النسب بصفته من أسباب التحريم.


[1] ـ التذکرة، ج23، ص402.
[2] ـ المصدر نفسه، ص403.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo