< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / فرض كون المهر دينا

 

تحدّثنا في الجلسة السابقة عن فرض كون المهر عيناً وإعراض من كان عليه دفع المال عن حقّه، وقلنا بأنّه لا تتحقّق ملكيّة للموهوب له في هذا الفرض دون القبض خارجاً.

وأمّا إذا كان المهر ديناً، فإنّ الشهيد الثاني أشكل على الكلام الأخير للمحقّق قائلاً: «لا ينتقل بالإبراء وما في معناه قطعاً، لاختصاصه بالدين في ذمّة المعفوّ عنه لا العافي. وينتقل بلفظ الهبة لكن بشرط التسليم. وكذا بلفظ العفو على ما يظهر من المصنف وغيره، وهو أحد الوجهين، لتناول الآية له.

وظاهر العبارة كغيره أنّه لو حصل العفو والتسليم كفى في نقل الملك.

ويشكل بأنّ غاية العفو إلحاقه بلفظ الهبة، فلابدّ من القبول. وأيضاً فشرط الموهوب أن يكون عيناً أو ديناً في ذمّة المتّهب لينزّل منزلة الإبراء، وكلاهما منتفٍ هنا.

والأظهر اشتراط تمييزه بعينه أوّلاً ثمّ‌ إيقاع صيغة الهبة والقبول بعدها والقبض.

هذا إذا وقع بصيغة الهبة أو التمليك. وإن وقع بلفظ العفو احتمل الاجتزاء به.»[1]

كما أشكل صاحب الجواهر أيضاً على المحقّق وقال: «إن كان ديناً فالعفو عنه مع كونه ليس في ذمّة المعفوّ عنه كالهبة أيضاً، لا يتحقّق ملكه إلا بالقبض، بل الظاهر أنّه لابدّ من تجديد الصيغة بعد تعيينه وتشخيصه ولا يكفي التلفّظ بالعفو السابق الذي لم يكن مورده عيناً ولا ديناً في ذمّة المعفوّ عنه، لأنّه بعد التسليم يكون كهبة ما في ذمّة الغير لمن ليس عليه، وهي باطلة على ما قرّر في محلّها، واحتمال خصوصيّة للعفو هنا باعتبار إطلاق الآية ضعيف.

وحينئذٍ فظاهر المتن وغيره من كفاية العفو الذي يتعقّبه التسليم لا يخلو من نظر، إلا إذا قلنا بصحّة هبة ما في ذمّة الغير لمن ليس عليه الحقّ بتعقّب التشخيص والقبض، فإنّه يتّجه حينئذٍ ما ذكروه.»[2]

والحقّ في الإشكالات المذكورة ما ذهب إليه الشهيد الثاني وصاحب الجواهر، فعفو صاحب الحقّ في الدين الذي على عهدته لا يكون سبباً لملكيّة الطرف المقابل لشيء تعلّق به حقّ العافي، وهذا يحتاج إلى هبة خارجيّة مع تحقّق سائر شروطها، وإذا اشترطنا اللفظ في تحقّق الهبة، فالعفو السابق لا يمكنه أن يؤدّي مؤدّى صيغة الهبة، لأنّ العفو عمّا في ذمّة العافي لا يعني عرفاً هبته إلى المعفوّ له، على أنّ الهبة تكون في العين، وما لم تكن عين فلا معنى للهبة أيضاً.

هذا وللشيخ في المبسوط تفصيل في المسألة حيث قال: «إن كان في ذمّته... فإن اختارت العفو عن حقّها منه ليكمل الكلّ له، صحّ أن يسقط حقّها منه بستّة ألفاظ...

وإن اختار أن يعفو هو له ليكمل لها الصداق فهو على وجهين، إن قلنا: ما ملك النصف وإنّما ملك أن يملك، صحّ أن يعفو عن حقّه بالألفاظ الستّة، فإذا فعل شيئاً منها سقط حقّه ولا يفتقر إلى قبول، لأنّ الذي ثبت له الخيار، وهو أنّه ملك أن يملك، فإذا كان كذلك سقط حقّه ولم يفتقر إلى القبول كالشفي

وإذا قلنا: ملك نصف الصداق ملكاً تامّاً، برئت ذمّته عن النصف، فلا يصحّ أن يعفو لها عن شيء سقط عن ذمّته، فإن اختار أن يجدّد هبة من عنده يهب لها، فعل، وإلا فالعفو لا يصحّ.»[3]

ولكن لا وجه لهذا التفصيل، حيث إنّ الظاهر من الآية كما تقدّم أنّه بمجرّد الطلاق الواقع قبل الدخول، فإنّ ملكيّة الزوجة تنفسخ بالنسبة إلى نصف المهر ممّا يلزم منه ثبوت ملكيّة الزوج على ذلك النصف، لا أن يختار الزوج أن يدخل ذلك النصف إلى ملكيّته أو لا.

فكما ذكر في الوجه الثاني، فإنّه بعد براءة ذمّة الزوج من نصف المهر بواسطة الطلاق، فكما لا معنى لعفو الزوجة عن النصف الساقط عن ذمّة الزوج، فكذلك لا معنى لعفو الزوج عنه بطريق أولى.

 

قال المحقّق الحلّي:

«الرابعة عشرة: لو كان المهر مؤجّلاً لم يكن لها الامتناع. فلو امتنعت وحلّ هل لها أن تمتنع؟ قيل: نعم؛ وقيل: لا، لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول؛ وهو أشبه.»[4]

تقدّم في الأبحاث السابقة أنّ المهر إن كان مؤجّلاً فقد ذهب الأصحاب فيه إلى عدم جواز امتناع الزوجة من التمكين.

ولكن قد يطرح هنا أنّه مع تأجيل المهر، فلو امتنعت الزوجة من التمكين حتّى يحلّ المهر، فهل يحقّ لها الامتناع بعدئذٍ؟

قال الشيخ في المبسوط: «إن تدافع الوقت وتأخّر تسليم نفسها إليه حتّى حلّ الأجل ووجب عليه تسليم المهر، فليس لها الامتناع هيهنا على قبض المهر، لأنّه قد وجب عليها تسليم نفسها إليه واستقر ذلك عليها، فليس لها أن يمتنع عليه كما قلناه في البيع سواء.»[5]

هذا، ولكن استفاد جماعة من كلماته في النهاية قوله بجواز امتناع الزوجة من التمكين ولو في صورة تأجيل المهر، لأنّه قال فيها: «للمرأة أن تمتنع من زوجها حتّى تقبض منه المهر، فإذا قبضته لم يكن لها الامتناع.»[6]

وإطلاق كلامه كما يشمل كون المهر حالاً فكذلك يشمل ما إذا كان مؤجّلاً أيضاً.

وسنتابع البحث في الجلسة اللاحقة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo