< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / ابراء الذمة الزوج أو الزوجة توسط الغير

 

4 ـ هل يمكن لأحد غير الزوجة أو الزوج أيضاً أن يبرئ ذمّة الطرف المقابل أو يهب ملكها له؟

الوارد في قوله تعالى هو جواز أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح.

وقد ذهب جماعة من العامّة إلى أنّ المراد من الذي بيده عقدة النكاح في الآية الشريفة هو الزوج وذهب آخرون إلى أنّه وليّ الزوجة.

قال ابن قدامة الحنبليّ في المغني: «اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح، فظاهر مذهب أحمد... أنّه الزوج... وعن أحمد أنّه الوليّ إذا كان أبا الصّغيرة؛ وهو قول الشافعي القديم إذا كان أباً أو جدّاً... لأنّ الوليّ بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح، لكونها قد خرجت عن يد الزوج، ولأنّ الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهنّ، فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ليكون المعفوّ عنه في الموضعين واحداً، ولأنّ الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة، بقوله: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [1] ثمّ قال: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾[2] وهذا خطاب غير حاضر.

ولنا: ما روى الدارقطنيّ، بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدّه عن النبيّ(ص) أنّه قال: «وليّ العقدة الزوج». ولأنّ الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج، فإنّه يتمكّن من قطعه وفسخه وإمساكه، وليس إلى الوليّ منه شيء. ولأنّ الله تعالى قال: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[3] والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقّه، أمّا عفو الوليّ عن مال المرأة فليس هو أقرب إلى التقوى. ولأنّ المهر مال للزوجة، فلا يملك الوليّ هبته وإسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها وكسائر الأولياء.

ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب، كقوله تعالى: «﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾» [4] وقال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾[5] .

فعلى هذا متى طلّق الزوج قبل الدخول تنصّف المهر بينهما، فإن عفا الزوج لها عن النصف الذي له، كمل لها الصداق جميعه، وإن عفت المرأة عن النصف الذي لها منه وتركت له جميع الصداق، جاز إذا كان العافي منهما رشيداً جائزاً تصرّفه في ماله، وإن كان صغيراً أو سفيهاً لم يصحّ عفوه، لأنّه ليس له التصرّف في ماله بهبة ولا إسقاط.

ولا يصحّ عفو الوليّ عن صداق الزوجة، أباً كان أو غيره، صغيرة كانت أو كبيرة؛ نصّ عليه أحمد في رواية الجماعة...»[6] .

ولكنّ الخاصّة ذهبوا إلی أنّ المراد من الذي بيده عقدة النکاح هو وليّ الزوجة، أي الأب أو الجدّ من الأب.

قد يقال: فعلى هذا الأساس لا تشمل الآية إلا ما إذا كانت الزوجة صغيرة، لأنّ الكبيرة لا ولاية عليها.

والجواب: أنّ بعض الأصحاب قالوا بثبوت ولاية الأب والجدّ ـ في صورة بقاء الأب ـ على الكبيرة.

قال الشيخ في النهاية: «البكر البالغ إذا لم يكن لها أب، جاز لها أن تعقد على نفسها أيّ‌ نكاح شاءت من غير وليّ، ولها أن تولّي من شاءت العقد عليها.

وإذا كان لها جدّ وأب، كان لكلّ واحد منهما العقد عليها، والجدّ أولى...

هذا إذا كانت البكر أبوها الأدنى حيّاً. فإن لم يكن أبوها حيّاً، لم يجز للجدّ أن يعقد عليها إلا برضاها وجرى مجرى غيره...»[7]

وبعض منهم ـ كالشيخ في النهاية وابن البرّاج ـ قالوا بأنّ الذي ولّته الزوجة أمر نكاحها أيضاً ممّن بيده عقدة النكاح.[8] [9]

وقد وردت روايات في هذا الشأن في مصادر الأخبار:

منها: صحيحة عبدالله‌ بن‌ سنان‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)، قال: «الذي بيده‌ عقدة‌ النكاح هو وليّ‌ أمرها.»[10] [11]

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله(ع): «في قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِی بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾[12] ، قال:‌ هو الأب‌ أو الأخ‌ أو الرجل‌ يوصى إليه‌ والذي يجوز أمره‌ في مال‌ المرأة‌ فيبتاع‌ لها فتجيز، فإذا عفا فقد جاز.»[13] [14]

ومنها: صحيحة أبي بصير ومحمّد بن‌ مسلم‌ كليهما عن‌ أبي جعفر(ع)، قال‌: «سألت‌ أبا جعفر(ع)‌ عن‌ الذي بيده‌ عقدة‌ النكاح؟ فقال:‌ هو الأب‌ والأخ‌ والموصى إليه‌ والذي يجوز أمره‌ في مال‌ المرأة‌ من‌ قرابتها فيبيع‌ لها ويشتري. قال: فأيّ‌ هؤلاء‌ عفا فعفوه‌ جائز في المهر إذا عفا عنه‌.»[15] [16]

ومنها: حسنة الحلبيّ‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)‌: «...وقال‌ في قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِی بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾[17] ، قال:‌ هو الأب‌ والأخ‌ والرجل‌ يوصى إليه‌ والرجل‌ يجوز أمره‌ في مال‌ المرأة‌ فيبيع‌ لها ويشتري لها، فإذا عفا فقد جاز.»[18]

ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(ع): «في قول الله: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِی بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾[19] ، قال: هو الأخ والأب والرجل الذي يوصى إليه والذي يجوز أمره في ماله بقيمة. قلت له: أرأيت إن قالت: «لا أُجيز» ما يصنع؟ قال: ليس ذلك لها، أتجيز بيعه في مالها ولا تجيز هذا؟»[20] [21]

أقول: إنّ المستفاد من مجموع هذه الأخبار وكذا سائر الأخبار أنّ المراد ممّن بيده عقدة النكاح أعمّ ممّن له ولاية على الزوجة شرعاً ومن ولّته الزوجة اختيار أُمورها بوجه عامّ، أو ولّته النكاح خاصّة، وبعبارة أُخرى: الوكيل عنها في شؤونها.

وأمّا ما قيل من أنّ الولي لا يحقّ له العفو عن مال المولّى عليه، فدعوى باطلة، بل للوليّ أن يتصرّف أيّ تصّرف في مال المولّى عليه ممّا يكون من مصلحته، كما أنّ للوكيل مثل هذا الاختيار، وتتوقّف صحّة تصرّفاته على أن تكون ضمن دائرة وكالته.

وما ورد في ذيل خبر أبي بصير من أنّه لا يحقّ للمرأة أن تعلن عدم الرضا، فمحمول علی ما بعد عمل الوكيل، بمعنى أنّه إذا تصرّف الوكيل في حدود وكالته فإنّ عدم الرضا اللاحق للموكّل لا يسبّب فساد عمل الوكيل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo