< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / القبول في ابراء الذمة

 

الأفضل في جواب الإشكال المتقدّم في كلمات صاحب الجواهر من عدم إمكان تعلّق الملكيّة بالذمّة أن يقال: إنّ الملكيّة أمر اعتباريّ ومتعلّقها كما قد يكون شيئاً خارجيّاً، فكذلك قد يكون أمراً اعتبارياً، والذمّة وإن لم يكن لها واقع خارجيّ إلا أنّ لها وجوداً اعتبارياً في عالم اعتبار العقلاء، فإذا كان تعلّق الملكيّة بالذمّة غير معقول، فلن يمكن للدليل الشرعيّ أن يسبّب تعلّق الملكيّة به، لأنّ الدليل العقليّ لا يخصّص ولا يقيّد، فإذن ينبغي أن يقال: إنّ دلالة الدليل الشرعيّ على تعلّق الملكيّة بالذمّة في بعض الموارد، يؤيّد إمكانيّة تملّك الذمّة.

وأمّا ما قاله في خصوص الضمان فأيضاً متوقّف على مبنى المشهور في الضمان العقديّ، حيث ذهبوا إلى نقل الذمّة بواسطة الضمان العقديّ، ولكن على المبنى الصحيح الذي يعتبر الضمان العقديّ ضمّاً للذمّة إلى ذمّة، فلا وجه لدعوى كون نتيجة الضمان العقديّ مثل أن يقبض الضامن ذمّة المضمون.

3 ـ هل يفتقر إبراء الذمّة إلى قبول؟

ذهب المشهور إلى أنّ الإبراء كسائر الإيقاعات لا يحتاج إلى قبول.[1]

ولكنّ الشيخ في المبسوط ذهب إلى احتياجه إليه فقال: «إذا عفت بواحدة منها، فهل يفتقر إلى قبوله أم لا؟ قيل فيه وجهان: الأُولى أن نقول: يفتقر إلى قبوله»[2] .

ولكن يشكل بأنّ الإبراء إن كان مفتقراً للقبول، فقد خرج من الإيقاعات وأصبح من العقود، إلا أن يقال إنّ مدخليّة القبول في الإبراء ليست على نحو جزء المقتضي وإنّما على نحو الشرط المقارن أو المتأخّر.

وقد تمسّك بعض بمضمرة سماعة لعدم حاجة الإبراء إلى القبول فيما نحن فيه، حيث ورد فيها: «سألته‌ عن‌ رجل‌ تزوّج‌ جارية‌ أو تمتّع‌ بها ثمّ‌ جعلته‌ من‌ صداقها في حلّ‌، أيجوز له‌ أن‌ يدخل‌ بها قبل‌ أن‌ يعطيها شيئاً؟ قال:نعم، إذا جعلته‌ في حلّ‌ فقد قبضته‌ منه...»[3] [4] .

لأنّ إطلاق ذيل الرواية حيث قال: «إنّ الإبراء بمنزلة القبض» شامل لمورد فقدان القبول أيضاً.

ولكن مقتضى التحقيق أنّ الإبراء وإن لم يفتقر إلى قبول ولكن ردّه من قبل المشغول ذمّته يسبّب عدم الإبراء، وقد وردت نظائره في الفقه.

قال صاحب العروة في بحث الوصيّة: «الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى القبول، وكذا الوصيّة بالفكّ‌ كالعتق. وأمّا التمليكيّة فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول جزءً ـ وعليه تكون من العقود ـ أو شرطاً على وجه الكشف أو النقل، فيكون من الإيقاعات. ويحتمل قويّاً عدم اعتبار القبول فيها، بل يكون الردّ مانعاً، وعليه تكون من الإيقاع الصريح...»[5] .

هذا، ولكنّ السيّد الخوئيّ قال في حاشيته على العروة: «هذا الاحتمال هو الصحيح، بل لا دليل على كون الردّ مانعاً سوى ظهور التسالم عليه. فإن تمّ‌ إجماع وإلا فلا وجه له أيضاً»[6] .

ولكنّ الحقّ أن عدم تأثير الإيقاع مع ردّ الطرف المقابل له، إنّما هو لأنّ تأثير الإيقاع للشخص من دون أن تكون له مدخليّة فيه مخالف لقاعدة عدم السلطة، والقدر المتيقّن فيه ما لم يُخالفه الطرف المقابل له، فإذا تحقّقت مخالفة من قبله فلا يمكن دعوى ترتّب الأثر عليه قهراً، لعدم إطلاق أدلّة جميع الإيقاعات من هذه الجهة ليمكن التمسّك بها وتصحيح الإيقاع.

لا يقال: يمكن في الشرع تصوّر ملكيّة قهريّة، وذلك في مثل الإرث وإن خالفه الوارث.

إذ يجاب بأنّ حصول الملكيّة القهريّة فيها مستند إلى وجود دليل، بينما لا دليل عليها في الإبراء كما تقدّم.

أمّا السيّد الوالد فإنّه علّق في كتاب الزكاة علی دعوى صاحب العروة من أنّه لو لم يكن قصد آخذ الزكاة مجرّد التملّك وكان قاصداً شيئاً غير أخذ الزكاة ـ مثل قبول الهبة ـ فلا تقع الزكاة، وقال: «بل وإن قصد، فالعبرة بقصد الدافع لا القابض، إلا إذا اطمأنّ بعدم رضاه بأخذ الزكاة واقعاً لا استحياءً»[7] .

وهذا يؤيّد ما قلناه من أنّ الحصول القهري للأثر ـ مثل الملكيّة ـ يحتاج إلى دليل، ولا يمكن الالتزام به من دون الدليل.

نعم، يمكن في بعض الإيقاعات أن يستفاد من الدليل أنّ تأثير الإيقاع متوقّف على إرادة الموقِع فقط ولا أثر لمخالفة الطرف المقابل؛ فأدلّة انحصار اختيار الطلاق بيد الزوج مثلاً تدلّ على أنّ مخالفة الزوجة لا تمنع من الطلاق والزوج له السلطان تماماً، كما أنّ مخالفة العبد أو الأمة للعتق لا يمنع من حصوله، لأنّهما غير مختارين مقابل مالكهما.

وقد يقال: إذا كانت الملكيّة القهريّة مخالفة لقاعدة عدم السلطة، فينبغي القول بشرطيّة الرضا لا مانعيّة عدم الرضا.

والجواب أنّه يستفاد من إطلاق أدلّة کمضمرة سماعة أنّ الإبراء مؤثّر حتّى من دون الرضا، ولكن لا يمكن الأخذ بإطلاقها فيما أُبرز عدم الرضا، إذ لا يعلم ما إذا كانت في مقام البيان من هذه الجهة أيضاً، ولذلك يمكن القول بأنّ الردّ مانع من سقوط الذمّة وإن لم يكن سقوط الذمّة مشروطاً بالقبول.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo