< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / أدلة تمليک المهر بعقد النکاح

 

إذا طلّق الزوج زوجته قبل الدخول بها، فلا إشكال في استحقاقها نصف المهر فقط، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [1] .

وقد تقدّم البحث في دلالة الآية الشريفة تفصيلاً وقلنا: إنّها تدلّ على أنّ الطلاق يسبّب ثبوت ملكيّة الزوجة لنصف المهر، بينما كانت ملكيّتها تعمّ كلّ المهر قبل الطلاق. ويلزم من ثبوت ملكيّة الزوجة لنصف المهر أن تُفسخ ملكيّتها على النصف الآخر وهذا يلازم رجوع ذلك النصف إلى ملكيّة من خرج المهر عن ملكيّته وانتقل إلى الزوجة سابقاً.

أمّا إذا وهبت الزوجة نصف المهر الذي ملكته بعد الطلاق للزوج، أو وهب الزوج النصف الذي يملكه للزوجة، فلا إشكال في ملكيّة الموهوب له لكامل المهر، وهو ما تدلّ عليه تكملة الآية الشريفة في جهة الزوجة: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِی بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [2] .

ودار بين الأصحاب عدّة أبحاث في خصوص العفو من أنّه:

1 ـ هل التعبير بـ «العفو عن المهر» مختصّ بالدين أم يشمل ما إذا كان المهر عيناً أيضاً؟

قال الشهيد الثاني: «مقتضى إطلاق المصنّف صيرورة الجميع له بالعفو، عدم الفرق بين كون المهر عيناً وديناً، فيصحّ‌ انتقاله إليه بلفظ العفو عملاً بظاهر الآية المتناول للأمرين، وبهذا صرّح الشيخ في المبسوط والأكثر وجعلوا العفو بمعنى «العطاء» فيتناول الأعيان. وهو قويّ‌، لوروده بمعنى «العطاء» لغةً كما سننبّه عليه.

وقيل: إنّ ذلك مختصّ‌ بالدين، أمّا العين فلا تنتقل إلا بلفظ الهبة أو التمليك ونحوه لا بالعفو، لأنّه لا مجال فيه للأعيان كالإبراء، لأنّ ظاهره إسقاط الحقّ،‌ فلا يتناول إلا الدين كالإبراء.

وأجابوا عن الآية بأنّ المراد من «العفو» معناه لا لفظه، بمعنى إرادة حصول الملك للمعفوّ عنه بعبارة تفيده، ولو كان المراد لفظه لتعيّن في الموضعين، وهو منفيّ‌ بالإجما وسمّي نقله منها عفواً تنبيهاً على حصول فضيلة العفو والمدح، وإن توقّف الفعل له على صيغة شرعيّة، كما لو قال: ملّكه هذا، فإنّه يريد نقل ملكه إليه بلفظ شرعيّ‌ يفيده بأيّ‌ لفظ أدّى معناه وإن لم يكن بلفظ التمليك؛ وهذا أولى.

إذا تقرّر ذلك فالمهر لا يخلو إمّا أن يكون عيناً أو ديناً.

فإن كان ديناً صحّ‌ عفوها عنه بلفظ العفو والإبراء والهبة والترك والإسقاط، لإفادة كلّ‌ واحد من هذه الألفاظ المعنى المراد، وهو إسقاط حقّها عمّا في ذمّته.

وإن كان عيناً فإن كان في يده، تأدّى بلفظ التمليك والهبة والعفو ـ على قول ـ ولا يصحّ‌ بلفظ الإبراء والإسقاط والترك قطعاً، لأنّ الألفاظ الثلاثة ظاهرة في إسقاط ما في الذمّة. وكذا إن كان في يدها، إلا أنّهما يفترقان في اشتراط القبض في الثاني دون الأوّل.

ولابدّ من القبول على التقديرين إذا كان عيناً»[3] .

ولكنّ الحقّ في المسألة أوّلاً: أنّ إبراء الذمّة أو هبة المال غير متوقّف على اللفظ، بل يمكن معاطاةً أيضاً.

وثانياً: حتّى لو فرض الاحتياج إلى لفظ فلا حاجة إلى الاقتصار على الألفاظ الصريحة، بل يكفي كلّ لفظ دلّ على المقصود ولو بواسطة القرائن.

2 ـ هل يمكن إبراء الذمّة بلفظ الهبة والتمليك؟

قال فيه صاحب الجواهر: «إنّما الكلام فيما لو أُريد منهما[4] معناهما لو تعلّقا بالعين على أن يكون الإبراء تبعاً لذلك، وكان وجهه صحّة تمليك ما في الذمّة ممّن هو عليه بالهبة، لكونه مقبوضاً، فيحصل الإبراء باعتبار عدم قصور ملك الإنسان على نفسه، بخلاف هبة ما في ذمّة الغير، فإنّه لا يتصوّر قبضه ديناً، وتشخيصه بالعين يخرجه عن الدين الذي هو محصّل البحث.

لكن قد يناقش بأنّه لا معنى لملك الكلّي في الذمّة إلا استحقاقه على من في ذمّته، ضرورة كونه معدوماً لا يصلح لقيام صفة الملكيّة، فلا يتصوّر حصولها لمن في ذمّته على نفسه، وحينئذٍ يتّجه عدم الصحّة إلا ما دلّ عليه الدليل في البيع وغيره من العقود المملّكة لا المسقطة.

وقد يدفع بأنّ الشارع قد جعل الوجود الذمّي كالوجود الخارجي، فيصحّ قيام صفة الملكيّة فيه، إلا أنّ ذلك لمّا كان يتبعه الاستحقاق للمالك يتّجه سقوطه في الفرض ونحوه، لعدم تصوّر استحقاقه على نفسه.

لا يقال: إنّ ذلك يقتضي أيضاً جواز هبة ما في ذمّة الغير للغير، إذ هو حينئذٍ كالأعيان.

لأنّا نقول: إنّه وإن كان كذلك لكنّه يمنعه اعتبار القبض في صحّة الهبة، وقد عرفت عدم إمكان قبضه ديناً.

واحتماله بالضمان مثلاً يدفعه أنّه ليس قبضاً وإنّما هو عقد آخر وإن أفاد كونه مقبوضاً لمن صار في ذمّته بعد الضمان»[5] .

وسيأتي نقد كلامه في الجلسة اللاحقة إن شاء الله.


[4] ـ يعني: من «هبة» و«تمليك».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo